ادب وفن

من قتل مؤيد نعمة!؟ / عبد الكريم العبيدي

لم ألتق يوما بالراحل المبدع «مؤيد» قبل التاسع من نيسان عام 2003، كنت أراه من نوافذ فضائه الكاريكاتيري الشهير، وهو هالة إبداعية كبيرة وساخرة ارتبطت بهذا الفن الخطير، وأغنت الكثير من المجلات والصحف والمعارض.. عدا ذلك، لم أر هذا الفنان الكبير أو أحاوره، ولم تربطني به صلة ما.
بعد تلك «الفاصلة البركانية»، أطلَّ عليّ وجهه، مع العديد من الوجوه المهمة، سواء المغيّبة أو المنفيّة أو المنعزلة، التي ارتبطتُّ معها بصداقة تفاعل مرئي أو مقروء أو مسموع على مدى عقود، وها أنا، فجأة أجالسها وأحاورها وأحتسي معها القهوة والشاي، وهذه الفاصلة هي أحدى عجائب وغرائب التاسع من نيسان عام ألفين وثلاثة!.
حدثت بعض هذه الغرائب، بالنسبة لي وربما لكثير غيري في أماكن عديدة، أذكر منها مقر الحزب الشيوعي العراقي في ساحة الأندلس وقاعة حوار ومقهى الجماهير وشارع المتنبي وصحيفة المدى، وكان لقائي بالراحل في تلك الصحيفة، وفي الشهور الأولى لتأسيسها حصرا.
كان يأتي حاملا حقيبته التي لم تفارقه يوما، يُسلّم رسوماته لهيئة التحرير، ثم يجلس قليلا في الكافتريا، يحتسي الشاي أو القهوة، يدردش معنا قليلا، ثم يغادرنا.
كم كانت سعادتي كبيرة برؤيته والتعرف عليه، وكم فرحت بانضمامه معنا، كأول «استاف» لجريدة المدى؟.
كانت رسوماته، كعادتها مكتظة بالتقاطات مدهشة وجريئة جدا، لكل ما يدور في الشارع العراقي، وفي الدوائر الحكومية، وداخل أروقة المشهد السياسي وغيره، وتميزت، كالعادة أيضا بأسلوب خاص اشتهر بتشكيلات صادمة للوجوه والأجساد، مقرونة بجمل كلامية موجزة ولاذعة، وهو مزج مدهش يحيله القارئ فورا إلى «مؤيد نعمة» حال مشاهدته، وتلك مزية يختص بها المبدع فقط دون غيره.
حين بدأ التدهور الأمني يزداد سوءا، كان الفنان الراحل يزداد جرأة وإصرارا في رسوماته الساخرة جدا، وكنا نضع أكفنا على قلوبنا، خشية تعرضه لما لا يحمد عقباه، وكان «اللا يحمد عقباه» معروفا ومازال!.
أذكر مرة حذّره الصديق الشاعر خليل الأسدي أثناء لقائنا في كافتريا جريدة المدى، «دير بالك، الوضع سيّء»، هزَّ كفه لا مباليا وهو يودعنا.
كان الجميع يشعرون بالخطر المحدق بالراحل نتيجة جرأته وإصراره، وهذه الخشية هي التي صنعت تساؤلا غريبا اقترن بشكل مدهش مع خبر وفاته حالا، فكان كلما صُعق أحدهم بوفاته يسأل فجأة:» قتْلوه»؟، لكن الجواب، كما هو معروف، لا، توفي اثر نوبة قلبية!.
لا أحسب أن أحدا من المبدعين غير «مؤيد نعمة» ظلت قراءة وفاته وكأنها اغتيال، كأنَّ الجميع لا يصدق رحيله إلا بسبب اغتيال، بل أن بعضهم ظل وجهه شاردا، وملامح تلقيه للخبر غير «راضية» بوفاة من هذا النوع لرجل من هذا الطراز، وتلك مزية مازالت مقرونة بوفاة هذا الفنان الكبير بفرادة تامة!.
لك الخلود، والذكر الطيب، أيها الفنان المبدع
وأزاهيرك ستبقى خالدة في ذاكرتنا الجمعية، وفي قلوبنا، لم تنسَ، على سبيل المثال جملتك الساخرة هذه في إحدى رسوماتك:»وظليت أرتشي وأختلس، وأرتشي وأختلس وأرتشي وأختلس، إلى أن مليت وصار عندي جالي»!.