مدارات

هـادي عبدالله شعيب العقابي: صداقتي للحزب منحتني ثقافتي واحترام الناس / حوار قاسم العلاق

تمربه الذكريات مثل عبق الزهور وشلالات الضوء فما باله حين تكون هذه الذكرى أمتداداً جميلاً لسفر نضالات الشعب العراقي الذي جسدها عبر ثمانية عقود الحزب الشيوعي العراقي، واكب فيها حركة النضال الوطني منذ تأسيسه، وحمل على عاتقة معاناة الفقراء والكادحين من العمال والفلاحين والكسبة. فلنستمد من ذكريات عبق الزهور وشلالات الضوء أشاعات الأمل نحوغـد أفضل .. ولأن عمره قريباً من عمر الحزب ..التقينا هادي عبد الله شعيب العقابي العسكراوي تولد عام 1935في بغداد- الاورفلي - بستان سامي بيك- فتح عيون صباه على نضالات الحزب وبدأ يتعلق به من ذلك الوقت حتى اللحظة.
وعن هذه البدايات يقول :
تعلمت القراءة والكتابة عند الملا "الكتاتيب" فلم تكن هناك مدارس كثيرة خلال تلك الفترة منذ صبايَّ وانا اشعربمعناة الفقراء، لدي علاقات متعددة، تعرفت على مثقفين عرفت من خلالهم فكر الحزب الذي يدافع عن حقوق الكادحين ويطالب بالعدالة الأجتماعية، كــنت محباً للشيوعيين لكني لم انتظم في صفوف للحزب رغم مساهمتي بمالية الحزبً كمتبرع. من الذين تأثرت بهم حسين صفر خلفة بناء " أسطه".
وأبو تحسين الدلفي الذي كان يساهم ويدعونا للمشاركة في تظاهرات العمال وأخرين نسيت أسماءهم .... ينفث دخان سيكارته متأملا كأنه يعاتب الدخان ثم يقول:- في ذلك الزمن كنت أرى وجوه الحاكمين "كملوك بلا عروش وخريف بلاربيع، ومحاربين بلا سلاح يحلمون بالأماني ويصحون على الطعنات، وأخيراً أصبحوا أطلالاً يقف عليها كل معتبر بصير يعرف كيف يستفيد من حوادث الحياة، فيأخذ من السقوط عبرة للنهوض، ومن الماضي أمثولة للمستقبل. ولعمري مالذة الحياة أن لم تكن امثولة وعبرة "...ولأن الشيوعيين ذوو أخلاق عالية وعلاقاتهم بالأخرين طيبة فهم قريبون لي بينما يعتبرني الاخرون شيوعياً لكنني بالحقيقة صديق لهم بالرغم من الرقابة المكتفة بذلك العهد .....اتذكر اني شاركت بالتظاهرات التي انطلقت من ثانوية الاعظمية والشرطة المقنعين.
تضربنا بالقنابل المسيلة للدموع ما جعلنا نكدس الحصى لضربهم من السطوح، ومن أصدقاء الحزب أذكر:
جبار حسن وملا زعيبل اللذين ينتميان للشبيبة الديمقراطية وكذلك داخل اللباخ بالميزرة "خلف السدة" يسكت قليلاً، يأخذ رشفة من الشاي ويواصل:- شاركت بالإحتجاج على محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم.
من البعثيين.. الشيوعيون أناس تعبانين على انفسهم ومعتدلين، وكل الاوصاف الأنسانية لديهم ... تتبرعم الدموع بزوايا عينيه وهو يتأمل، تسبق كلامه حسرة محبوسة فيقول بعد أنقلاب 8 شباط الأسود، تم التهجم علي من قبل الحرس القومي في منطقة النعيرية والكيارة وعلى رأسهم عادل نجم الرفاعي بالضرب واللكمات والكلمات البذيئه مما أستوجب ذهابي الى مستشفى الطوارئ بالشيخ عمر، فأمر منذر الونداوي أمر قاطع الحرس القومي العام أعتبار الأعتداء مسألة شخصية من عادل نجم الرفاعي. وسمعت أن سلام عادل تعرض لتعذيب وحشي وحتى تم قلع عينيه ولم يعترف او يكشف اسرار التنظيم، وبقي وفيا لمبادئه وحزبه الشيوعي حتى استشهاده البطولي وقدم درسا لكل السجناء من الشيوعيين والوطنيين في قصر النهاية او المعتقلات الاخرى لايوصف وكانت بطولاتهم حديث الناس.
كان راسي مشدودا بضماد وانا جليس المقهى مكسورا و لا حظت شخصاً يراقبني فتوجست انه يراقبني او يريد اغتيالي "فالقتل انتشر في الشوارع" وبعد أن فرغ المكان من الأخرين تقرب مني هامساً بأن حافظ الخياط صديقي صاحب محل خياطة بمحلة باب الشيخ مقبرة الغزالي قرب حجي منيشد، وحسن سريع تعرفت عليه من خلال حافظ يطلبون مني الألتحاق بمعسكر الرشيد الساعة الثالثة من فجر 3 تموز فتحت الباب كي اتوجه الى هناك وأذا بدراجة بخارية ذات مقعد خلفي "دوبه" يركبها مسلحون مرابطون أمام بيتنا لما رأيتهم عدت الى البيت واغلقت الباب فداروا حول البيت وأطلقوا رشقتين من الرصاص.
..... عند الصباح بدت حركة غير طبيعية فوق سدة المعسكر وبعد ان استقسرت عن ذلك جاءني الجواب "هناك انتفاضة شيوعية قام بها جنود في المعسكرتم قمعها "
فذهبت الى الموصل وعشت بأطرافها مع البدو وبعد ردة تشرين حسب تعبير البعثيين عدت الى بغداد خائفاً متردداً وفي عهد عبد الرحمن عارف تم اعتقالي بمركز الوحدة لمدينة الثورة حين كنت اسكن قطاع 60 وذلك بأشراف داود السوداني فلاقيت أنواع التعذيب من التعليق والفلقة فرحلت من جديد الى أطراف الموصل بالقرى والارياف وكنت ابني لهم بالبلوك الصليد.
بعد 1968 جمع البعثيون كل العناصر السيئة الى صفوفهم وحولوهم الى مخبرين واداة قمع في المقرات الحزبية ضد الشيوعيين وظلت اعتقالاتهم مستمرة ومطاردتهم قائمة حتى خلال فترة الجبهة الوطنية وفي 1975 تم اعتقالي مرة اخرى. ولولا أبن أختي السائق لدى أحد مستشاري أحمد حسن البكر الذي أتصل بـ فاضل البراك ووافق على أطلاق سراحي بعد اعتقال ثلاثة أشهر بكفالة وكفلني حينها زوج أختي أبو صبري واحد أقاربنا.
ولما سألته عن الوضع الحالي أجاب هادي عبد الله شعيب قائلاً: ما نعيشه اليوم كأنه ماء مخبوط ويحتاج الى فلترة وصبرلاننا كالناقشين على الحجر نحظى باحترام الشعب الذي عرف نظافة ايدي مناضلينا ووطنيتهم الصادقة، ونحتاج الى عمل كبير بين الجماهير للتعريف بسياسة حزبنا ونهجة السليم لبناء الدولة المدنية وتحقيق العدالة الاجتماعية.