مدارات

مع المسيرة الثورية.. الخطوات الاولى .. الثورة.. واتحاد الادباء العراقيين (30) / ألفريد سمعان

بعد انتصار الثورة كان الادباء يحومون حول انفسهم ويتساءلون ماذا سنفعل؟ لقد انتهى عهد الاضطهاد وانتهاك الافكار التقدمية وحجبها خلف اسوار السجون او في ذاكرة المبدعين او في اعماق النفس البشرية او التعتيم عليها في الادراج او تركها مع الاتربة فوق رفوف المكتبات والحوار لا يتوقف ويزداد كثافة والاقتراحات تتوالى والنقاش يستمر والاسئلة تتكاثر وتتشظى، وكل الذي عرفناه ان الجواهري الكبير التقى بـ عبد الكريم قاسم.
الا ان الامر لم يكن كذلك، فقد جاءت باحلى الثياب على يد الراعي الحنون والمفكر التقدمي الجسور الدكتور صلاح خالص ضمن توجيهات الحزب، لا بد من اتحاد او جمعية تجمع شمل المفكرين التقدميين وتنظم عملية الابداع وتؤسس لمستقبل مشرق لثقافة تبشر بالعطاء والارادة والابداع. واخيرا علمنا ان الجواهري يعيش الفرحة كلما قصده د. صلاح خالص، حيث يتبادلان الآراء حول تأسيس اتحاد للادباء يجمع الشمل ويؤكد اشراقة الفكر التقدمي ويثبت الخطى التي اجهدها الرعب والانتهاك من اجهزة النظام الملكي المقبور.
انتشر الخبر ان الادباء مدعوون الى جلسة تمهيدية في بيت الجواهري الكائن في الاعظمية على ضفاف دجلة ويكاد يقابل جامع ابو حنيفة. زحفت الخطى الى المكان المقصود د. صلاح خالص، د. صفاء الحافظ، نازك الملائكة، د. المخزومي، العسكري نعمان ماهر الكنعاني، د. علي جواد الطاهر، وطائفة اخرى من الشعراء الشباب رشدي العامل، موسى النقدي، عبد الرزاق عبد الواحد، ألفريد سمعان، وأطل بدر شاكر السياب قابلناه بكل محبة رغم اعتراضه على ماضيه السياسي والشعري بعد رحلة بيروت ودعوته من قبل مجلة شعر وبشكل مفاجىء. وطلبنا منه ان يلتحق بالمجتمعين بضيافة الجواهري. وكنا حرس الاستقبال احتراماً لمبدعينا الكبار الذين كانوا يتداولون شأن تأسيس اتحاد الادباء الذي انبثق عام 1959، وخصص له مقر كان سابقاً نادياً يقصده ويرعاه توفيق السويدي احد الشخصيات السياسية الهامة الذي تقلد منصب رئيس الوزراء ووزيراً في اكثر من وزارة ايام الحكم الملكي وكانت داره قريبة من السفارة البريطانية وتمثال (الجنرال مود) في الصالحية في جانب الكرخ، وكان اللولب الفاعل والمؤثر في تأسيس الاتحاد هو الدكتور صلاح خالص. وتم استلام النادي بلا اثاث وجاء الجواهري بصحبة المخزومي وصلاح خالص، كانت هنالك بعض الكراسي ومجموعة من المناضد كان اغلبها جاهزاً للعب القمار، حيث تسلط الاضواء على كل لاعب، لكي لا يخطىء في رؤياه ويتأكد من اشارات الورق الذي يمسك به.
بدأت الخطى تقصد الاتحاد استعداداً للانتخابات وتقديم الطلبات للانتماء ودراستها كنت احد العاملين في هذا المجال وكان القبول يعمد بموافقة الجواهري بعد عرض اسماء طالبي الانتساب. وتشكلت الهيئة المؤسسة برئاسة الجواهري وأعد النظام الداخلي. ها هي اول هيئة ادارية تطل من نوافذ الاتحاد: الجواهري رئيساً، د. المخزومي، د. مصطفى جواد، د. صلاح خالص، د. علي جواد الطاهر، وعبد الله كوران، وعبد الملك نوري، البياتي، د. شاكر خصباك، يوسف العاني، لميعة عباس عمارة، محمد صالح بحر العلوم، وآخرين. وتقرر تعيين بحر العلوم مديراً للادارة وخصصت له غرفة للمنام والاقامة، اعتذر فيما بعد عن الاستمرار في عمله فتقرر تعيين ألفريد سمعان مديراً للادارة ومحاسباً، وفي نفس الوقت عضواً بالاتحاد بهوية تحمل رقم (4).
بقيت مشكلة التمويل عصية الى ان تقرر تقديم منحة بمبلغ ألفي دينار لشراء الاثاث وتنظيم امور الاتحاد توزعت على بضع مناضد للكتابة وكراسي واكثر من طخم وزعت في قاعة الاتحاد مع مناضد صغيرة. كما تم شراء كراسي صيفية وتم بيع اثاث النادي الى بحر العلوم بناء على طلبه بمبلغ ستة دنانير على ما اذكر، كما تم تعيين د. هاشم الطعان الذي كان طالباً في كلية الآداب موظفاً لتنظيم المكتبة وطبع كتب الاتحاد على الآلة الطابعة.
بدأ النشاط الاول امسية الاربعاء التي يشرف عليها ويقودها د. علي جواد الطاهر وبدأ د. صلاح خالص يعد برنامجاً للاحتفال بالرصافي وقد تم ذلك فعلاً، حيث القيت عدة ابحاث واعداد ميدالية برونزية تحمل صورة الشاعر وتم توزيع الكتاب لمختلف الجهات الادبية والجامعية والسفارات والمكتبات العالمية. واذكر ان مكتبة واشنطن طلبت فيما بعد عشر نسخ من الكتاب حيث حضر الملحق الثقافي بنفسه الى الاتحاد واعطيناه ما اراد، وكان ممتناً لذلك لا سيما بعد ان رفضنا استلام اي مبلغ ثمناً للكتب العشرة التي قدمناها له.
كانت ابرز نشاطات الاتحاد هي «امسية الاربعاء» باشراف الدكتور الطاهر، اضافة لاحياء المناسبات الوطنية وقد حظي الاتحاد بزيارة لـ عبد الكريم قاسم وزيارة اخرى من قبل المهداوي ووصفي طاهر. وقد اقيمت بضع امسيات للجواهري الكبير وكان الاتحاد يستقبل حشوداً من عشاق شعره، يجلسون على الثيل حيث لم تكن لدينا المقاعد التي تستوعب هذا العدد الكبير. وقد قام الاتحاد بطبع كتاب للامسيات تحت عنوان «أماسي الاتحاد»، كما طبع كتاباً آخر. ولعل اهم ما قام به الاتحاد آنذاك هو ايصال الكتاب العراقي الى اغلب مكتبات العالم المعروفة ومنها: مكتبة لينين، ومكتبة واشنطن، ومكتبة طوكيو، وبرلين وصوفيا، وسواها. وكان الطاهر قد طلب ان يهدي كل اديب عدداً من كتبه لهذا الغرض وقد فعلوا وكنت مع د. الطاهر نضع الكتب في رزم مختلفة الاحجام ونرسلها بالبريد.
ومن ابرز الوجوه التي كانت تقصد الاتحاد باستثناء الهيئة الادارية: ياسين، وغائب طعمة فرمان، والتكرلي، ورشدي العامل وماجد العامل ونزار عباس وباسم حمودي وعلي الشوك وعبد المجيد الراضي ومجموعة من طلبة كلية الآداب، وكأن الاتحاد كلية جديدة لهم.