مدارات

مع المسيرة الثورية.. الخطوات الاولى ... في ظلال المؤامرات (31) / ألفريد سمعان

مع مرور الايام بدأت الصراعات تزداد عنفاً مدفعة من قبل الدوائر الاستعمارية التي استفاقت بعد الضربة القاضية التي عصفت بمشاريعها المركزية في منطقة الشرق الاوسط. وبدأت تغذي الاجواء المضطربة. عبد الكريم قاسم يختلف مع عبد السلام عارف، القوميون يريدون وحدة فورية، والشيوعيون ينادون بأتحاد فدرالي وصداقة سوفيتية، وفي مدينة كركوك يقتل بضعة أفراد ويتهمون الشيوعيين بقتلهم، وترتفع الصرخات، اوقفوا الشيوعيين عند حدهم ها هم يقودون تظاهرة للسلام في الموصل، تواجه برصاص قومي من السطوح على الاطفال الذين كانوا يحملون حمامات السلام ومن كان يحميهم. ويبدأ (القناص) في كل يوم بقتل شيوعي من قبل مجهولين ولاسباب مجهولة، لم يكن بعضها سياسياً بل تجارياً خلافات عائلية الا ان ماكنة القتل والانتقام كانت تعمل بدأب وتسحق الاوضاع المستقرة، والمعارك تنتشر هنا وهناك ويتعرض الشيوعيون لحملات ظالمة وتقارير مزورة، واتهامات وشكاوى تدع اكثر من خمسين الف (تقدمي) في المعتقلات نتيجة هذه الشكاوى الظالمة، وتظل الطاحونة، تعمل وتستأصل الشيوعيين من مواقعهم.
على الصعيد الشخصي، بدأت حملة من المفصولين من الكليات بالعودة اليها.. وكنت واحداً منهم، وقد تمت اعادتنا، كنا في كلية الحقوق اكثر من خمسين مفصولاً سياسياً منهم خلوق أمين زكي المصارع الشهم، وهاشم عبد الصاحب عامل النسيج الذي قاتل من اجل الدخول للكلية رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، والمناضل المخضرم يوسف متي دخلنا امتحاناً اولياً قبل نهاية السنة ونجحنا جميعاً باستثناء واحد، لا ضرورة لذكر اسمه، وانتقلت (انا) للصف الثاني ولم اداوم فيه فقد بدأت عطلة الاستعداد للامتحانات النهائية، وقد خضت الامتحان في الصف الثاني الذي انتقلت اليه، واكملت ثم نجحت اي اني اجتزت صفين في سنة واحدة اسوة بزملائي الآخرين.
هنا لابد من ذكر بعض ماكان يلجأ اليه القوميون من مؤامرات حيث كانوا يطاردون النشطاء من الشيوعيين بعد انتهاء الدوام عندما يتفرق الشمل ويذهب كل طالب الى منزله او لأي مكان اخر ينهال عليه بالضرب مجموعة من التلاميذ (الزملاء) مع تهديده بالقتل اذا لم يتراجع عن افكاره اولاً ولاعطاء دروس من التهديد والترويج للبقية من رفاقه واصدقائه لاحداث خلخلة في صفوف القوى التقدمية، ومحاولة تأليبها على بعضها باعتبار ان الشيوعيين (يستحوذون) على الساحة والمواقع، كما تعرض بعض الرفاق الى التربص بهم عند عودتهم الى بيوتهم في ساعة متاخرة حيث ينهال عليهم مجموعة من القوميين (الاصلاء) بالتهديد بالخناجر والمسدسات لتوقيع (براءة) يحملونها معهم وعندها يقومون بأيصالها الى جريدة (بغداد) لصاحبها الفياض حيث تنشر ويصبح الرفيق او الصديق الذي وقع البراءة في موقف حرج امام زملائه واصدقائه التقدميين رغم اخبارهم بما جرى، ولكنها كانت احدى الوسائل القذرة التي كانوا يلجئون اليها واذكر ان جريدة اتحاد الشعب قد اغلقت من قبل السيد حسين جميل وشنت حملة من الشيوعيين يطالبون بالغاء أمر الغلق، وتمت سرقة الورقة التي كانوا يوقعون عليها وقدمت للحاكم العسكري وتم اعتقال اكثر من عشرين طالباً في مركز شرطة العيواضية، وكنت واحداً منهم وبعد التحقيق، ولم أكن قد وقعت العريضة مع الطلاب بل مع الادباء فأطلق سراحي، بينما قدم الآخرون للمحاكمة وقد تعرض الالاف من الشيوعيين للاعتقال في زمن (المد الثوري الشيوعي) كما كانوا يسموّن تعاطف الجماهير مع الحزب ونصب الشباك والكتابات الوضيعة التي كانت تتناولها الجرائد المعادية مثل الحرية وبغداد، والجرائد المتحفظة الاخرى التي كانت تحسب لقوة الشيوعية حساباً آخر، وهي جرائد تمثل احزاباً تقدمية مستقلة او محايدة تتأرجح وتميل مع الرياح، ولم تدرك تحذيرات الشيوعيين لهم بأن قطار الرجعية والاستعمار لن يقف معهم بل سوف يسحقهم ايضاً اذا استطاع ان يستبيح الاجواء الديمقراطية الجديدة اضافة لتشويه صورة المقاومة الشعبية بأساليب مبتذلة وقد تصاعدت النبرة حتى وصلت الى قيادة الثورة وعبد الكريم قاسم الذي اخذ يتحفظ على علاقته مع الشيوعيين ويصغي لبعض ما شاع ويقال عنهم بأنهم يسعون لانتزاع السلطة منه، رغم تطمينات الحزب عن طريق بعض كبار الرفاق الذين كانوا على صلة به، بحيث تحول الى تأسيس حزب شيوعي جديد بقيادة (داود الصائغ) كان (مشرط) الاجهاض للحركة النقابية والحزبية وقد جاءت النتائج المروعة فيما بعد كما سنتناوله في المرحلة القادمة، ولعل ماروع القيادة هو تظاهرة أيار الكبرى وشعار (سبع ملايين تريد الحزب الشيوعي بالحكم).
على الصعيد الشخصي عدت الى الكلية وواظبت على الدوام وتم تعييني (بأجور يومية) في مديرية السكك الحديد، ومنحت اجازة يومية لساعتين للدوام في الكلية على ان اعوضها كداوم إضافي، وقد تمت معاملتي بمودة في الاشهر الاولى، ولكن ومع تواصل المؤامرات (واصطياد) الشيوعيين وملاحقتهم اصبحت الامور قاسية وصعبة مع تهديدات بأشكال مختلفة فقد كان الاعتقاد السائد لدى القوميين بأني اشكل ثقلاً شيوعياً في مديرية السكك ولابد من توجيه ضربة سياسية او وظيفية للايقاع بي وقد عرضت الموضوع على الرفاق فكان الاتجاه محاولة الانتقال الى دائرة اخرى او البحث عن عمل آخر في مكان آخر، تجنباً للمؤامرة المحبوكة حولي وقد تم ذلك فعلاً ورست السفينة في موقع أخر.