مدارات

صور من بسالة الشيوعيين وشجاعتهم / منعم جابر

على مدى اكثر من ثمانين عاماً هو عمر الحزب الشيوعي العراقي خاض الشيوعيون نضالات وبطولات سجلوا فيها اروع صور الاستبسال والبطولات النادرة رغم قساوة الظروف وشراسة العدو وقد عملنا نحن ابناء هذا الحزب المناضل على التوثيق لمراحل عشناها وعملنا خلالها في السجون والمعتقلات والمنافي لتتعرف اجيالنا الحاضرة على اثر الحزب ودوره النضالي في الساحة العراقية ولكي ننصف المناضلين والمضحين ونذكر بهم وبنضالاتهم وتأريخهم.. واليوم اتحدث عن فترة عصيبة من فترات نضالات الحركة الوطنية والشيوعيين حيث كنا نناضل من اجل بناء جبهة وطنية مع البعث الذي كان يفكر بقتلنا واجتثاث الفكر الشيوعي من الساحة ولعل الفترة مابين 1972 لغاية 1978 واحدة من اعقد فترات العمل السياسي فقد تعرض المناضلون الشيوعيون واصدقاؤهم وانصارهم إلى حملات اعتقال واعدام وسجون ومناف وهم يعملون من اجل الوطن وبناء جبهته الداخلية ومع "الحزب الحليف".

اعتقال وسجون واضراب عن الطعام!

جبهة وطنية وتحالف ودفاع عن بناء الوطن واعتقالات وسجون واعدام هكذا عشنا سنوات 1972 لغاية 1978! ففي كانون الاول 1975 تم اعتقالي ومجموعة من الرياضيين "لاعبي فريق السكك" بتهمة التنظيم العسكري الممنوع واستمر التحقيق معنا حتى مايس 1976 حيث احيلت اوراقنا من السلامة الوطنية إلى محكمة الثورة "مسلخ بشري" وتزايدت اعداد الشيوعيين المعتقلين بنفس التهمة إلى 60 معتقلاً وقد حاولنا مع مختلف مسؤولي الامن العام لنقلنا إلى معتقل الفضيلية للسماح لنا بالمواجهة وزيارات الاهل.
لكن ازلام النظام لم يوافقوا رغم جهودنا باقناعهم واعطاء المبررات لكن بلا نتيجة وهنا تم الاتفاق فيما بيننا على القيام بأضراب عن الطعام حتى يتم النقل إلى الفضيلية خاصة وان معتقل الامن العام "الطيارة" كان مزدحما ومكتظاً بالموقوفين من اصحاب القضايا العادية! وتم تحديد يوم 1/ 8/ 1976 على البدء وان يكون الاضراب جريئاً وتم تحديد خمسة شيوعيين صباحاً وعدم استلامهم وجبة الافطار! وعند الغداء ازداد العدد إلى 12 معتقلاً! وفي المساء "العشاء" اصبح العدد 25 معتقلاً وكان متعهد الطعام يناشدنا بأخذ الصمون او الشوربة لكن كل الرفاق رفضوا ذلك وفي صباح اليوم الثاني ارتفع عدد المضربين إلى 40 مضرباً عندها حضر ضابط الموقف.
ونادى على المضربين ان ينهوا اضرابهم والا فسوف يكسر رؤوسهم! لم يجبه احد ورفضوا كسر اضرابهم! هنا ارسل الضابط على كاتب هذه السطور رسالة: ليش انتوا مضربين؟ اجبته: كلنا منتهين من التحقيق وبعضنا تجاوز السنة واحنا نطالب بنقلنا إلى معتقل الفضيلية اتصل الضابط مع احد المسؤولين وقال له سيدي ذولة الشيوعيين مضربين وما يقبلون يفكون اضرابهم الا ننقلهم للفضيلية؟ اجابه المسؤول: ايطبهم مرض! خلي ايموتون..
قال له: سيدي خلي نتفاهم وياهم، وانتهت المكالمة: قال لي الضابط نعم.. قنعهم وعود جم يوم وننقلكم.. اجبته. اني مااكدر، كل واحد ماخذ موقف ويريد ايشوف عائلته واطفاله! رجعت إلى القاعة والجميع مضربين وبروح معنوية، لو ننقل لو نموت! عند الغداء ارتفع العدد إلى 55 شخصاً مع مساندة وتشجيع من اطراف متنوعة بعضها من اصحاب قضايا عادية.
ارسلت ادارة المعتقل طبيباًَ لمعالجة حالات الجفاف والانهيار وحاول الطبيب بأساليب الضغط والاقناع لكن دون جدوى.
حصل اول انهيار صحي بعد مضي خمسة ايام لدى اللاعب السابق عادل كاطع وحاول الطبيب اقناعه لكن رفض واصر على استمرار الاضراب اصيب البعض بالاغماء والعطش لان الاضراب حصل في اب واجوائه الحارة.
وكان للأخوة الموقوفين العاديين دور في اسناد رفاقهم المعتقلين وشد ازرهم .
هنا شعر مسؤولو الدائرة وأمر السجن بخطورة الموقف وضرورة التفاهم.
وبعد اسبوع جاءنا الضابط وقال: احنا راح ننقلكم إلى معتقل الفضيلية يوم غد الاربعاء بشرط ان تفطروا اليوم اجابه الجميع بصوت موحد نفطر في الفضيلية والاضراب مستمر! حاولت اجهزة الدائرة ان تضرب البعض او تهدد البعض الاخر لكن موقف الصمود الرائع للمضربين وللعلم كان معنا خمسة اشخاص من القوى القومية.

نقلنا إلى الفضيلية ومعنا قدور الطعام!

وفي صباح يوم 8/ 8/ 1976 بلغنا بموافقة الجهات الامنية على نقلنا إلى معتقل الفضيلية وفعلاً كان عدد المنقولين 52 معتقلاً.
وصعدنا إلى الناقلة "لوري" وتم تصعيد قدور الرز والمرق الخاصة لنا!.
وهنا قال ضابط الموقف.. خلصنا منكم ومن طلايبكم وما ان وصلنا إلى المكان الجديد تناولنا طعام الغداء الذي جلبناه معنا.. تحية حب وتقدير للمناضلين الذين كان لهم شرف النضال في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وصفوف الحركة الوطنية والديمقراطية التي عملت بكل فخر واعتزاز من اجل اسقاط الدكتاتورية.. والى حكاية اخرى.