مدارات

ماركس و الكنيسة و شيوعيو الولايات المتحدة / رشيد غويلب

بالنسبة لـ"تيم يغيير" ليس هناك تعارض بين اهتماماته المتعددة ، فهو قس في أحدى كنائس شيكاغو وناشط نقابي وعضو في الحزب

الشيوعي الأمريكي، فالمحبة المسيحية في الكنيسة، هي بالنسبة للشيوعيين في الولايات المتحدة التضامن الاشتراكي.
تحت شعار "الناس قبل الأرباح"، عقد في 13 - 15 حزيران المؤتمر الثلاثين للحزب الشيوعي الامريكي (انظر طريق الشعب، 17 حزيران الفائت). وتناول المؤتمر محاور هامة تمتد من التغيرات المناخية الى السلام العالمي. وكانت قضية الدين واحدة من القضايا التي نالت الاهتمام،و لها صدى في الولايات المتحدة اكثر من البلدان الرأسمالية الاخرى.
ويبدو ان قرب الولايات المتحدة الجغرافي من امريكا اللاتينية جعل تأثير الاخيرة السياسي ملحوظا. فمند الستينيات انطلقت هناك حركة "اللاهوت الحر"، التي جمعت بين المسيحية والماركسية. وفي الولايات المتحدة ايضا ليس للشيوعيين مخاوف من الدين، ولهذا هناك لجنة لمناقشة الشؤون الدينية في الحزب الشيوعي الامريكي.
ويقول تيم يغيير، الذي عمل طويلا قي هذه اللجنة: "ان هذه القضية مهمة لان هناك تدين كبير في الولايات المتحدة".
وبحسب يغيير فان بعض اليساريين يعدون ذلك تحول متناقض ان يجمع المرء في شخصه الكنسية والنقابة والحزب الشيوعي. ويرى يغيير ان الماركسية و المسيحية ليستا متباعدتين جدا، فالمحبة المسيحية تحتوي نفس مبدأ التضامن الاشتراكي.
وفي الفترة الأخيرة استجاب يغيير بعد تردد طويل لدعوة صديق من الايام الخوالي لزيارة العاصمة الالمانية برلين. ولتفسير تردده اوضح يغيير: "كنت لا ارغب في رؤية علامة الكوكا كولا على قبر روزا لوكسمبورغ" . فقد سبق له ان زار برلين في عام 1973 ضمن وفد الشبيبة الشيوعية الذي شارك في مهرجان الشبيبة العالمي العاشر.
ومن المعروف ان نشاط الحزب الشيوعي ليس ممنوع رسميا في الولايات المتحدة، ولكن الشيوعيون عانوا في عقود الحرب الباردة من الملاحقة، وبالغ القضاء الامريكي في سنوات الاربعينيات والخمسينيات جدا في ملاحقة أعضاء الحزب، ولهذا كانت عضوية الحزب محدودة، وانتعشت مع توسع الحركة الاحتجاجية ضد الحرب في فيتنام، وتصاعد نضال "الفهود السود" ضد العنصرية وفي هذا السياق انتمى يغيير الى الحزب، وكان في ولايته العضو الجديد في الحزب بعد سنوات.
وتراجعت حدة الملاحقة، على الاقل منذ نهاية الحرب الباردة، ويرى يغيير ان "الشبح المخيف قد اختفى". وعلى الرغم من ان نهاية الاتحاد السوفيتي تمثل الخسارة الاكبر لليسار، الا انها ساعدت الشيوعيين في الولايات المتحدة بطريقة غريبة من نوعها: "لا احد يستطيع القول الآن اننا عملاء للاتحاد السوفيتي، والأمريكان يرون، ان الشيوعيين ما زالوا موجودين، و انهم ما زالوا أمريكيين". ويعتقد الراهب الشيوعي ان عدد الأمريكان الذين يهتمون بالاشتراكية يتزايد ببطء"انهم لا يعرفون بالضبط ماذا يعني ذلك، ولكنهم يعرفون انها اكثر ديمقراطية من النظام الرأسمالي". ويدرك الناس، منذ اندلاع الأزمة المالية، ان البنوك والشركات تغير البلاد وتسير بها في الطريق الخطأ.
ورغم هذا التطور لم يصبح الحزب الشيوعي قوة رئيسية في البلاد، ولهذا تخلى الحزب عن تسمية مرشحه الخاص، منذ عام 1984، لانتخابات الرئاسة الأمريكية. ودعم الحزب الرئيس باراك اوباما، " في نهاية المطاف، على الماركسي ان يعمل مع القوى التقدمية الموجودة ". وهذه القوى التقدمية وقفت مع اوباما في محاولته تحقيق اصلاح في النظام الصحي، اي العمل بنظام الضمان الصحي الالزامي. و"يمثل ذلك اصلاح صغير" كما يرى يغيير ، ولكن هدف الاشتراكيين يجب ان يكون دفع هذا الاصلاح نحو اليسار وتحريكه باتجاه نموذج اشتراكي.
ويضيف "يجب الآن الدفاع عن هذا الإصلاح"، ففي الجانب الآخر من ميدان الصراع الطبقي تقف حركة "حفلات الشاي" الجناح الأكثر رجعية و تطرفا في الحزب الجمهوري، والتي تضع الجمهوريين، من خلال معارضتها الشديدة للسياسة الاجتماعية لاوباما، تحت ضغط كبير، وبهذا أوصلت الولايات المتحدة في تشرين الأول 2013 الى حافة الإفلاس، عندما رفض الجمهوريون إقرار الميزانية، وتم منح 400 الف مستخدم وموظف في الدولة إجازة إجبارية، قبل ان يتوصل الطرفان الى اتفاق لحل المشكلة.
ويلخص يغيير هدف "حفلات الشاي" بالقول: "أنهم يريدون تدمير الحركة العمالية بواسطة ثروتهم وملايين الدولارات التي يمتلكونها" فهل يستطيع مع شركائه تحقيق النصر ضد سلطة التفوق المالي؟"، ويجيب "بالطبع انا شيوعي ونحن جميعا متفائلون"، وفي النهاية ايضا لم يشاهد علامة الكوكا كولا على قبر روزا لوكسمبورغ.