مدارات

14تموزمن ابرز إنتصارات حركة التحرر الوطني / ر. بالم دات

كتب المفكر الأنكليزي الكبير بالم دات مقالا بعنوان ( الثورة العراقية وحركة التحرر الوطني العربية) المجلة (المثقف) العراقية في عددها العاشر عام 1959 -السنة الثانية- الخاص عن الذكرى الاولى لثورة 14 تموز المجيدة.
وبالم دات يعد أحد المناضلين في سبيل حرية المستعمرات. وقد كتب كتابه الشهير (أزمة الامبراطورية البريطانية) الذي يعتبر مساهمة علمية طيبة في تفهم وطرح مسألة المستعمرات.
ونقدم لقرائنا الكرام مقاطع من هذا المقال المهم.
سيحتفل جميع مؤيدي التحرر الوطني في أنحاء العالم بأفراح الذكرى الأولى للثورة العراقية. ولا شك ان الثورة العراقية تمثل أعلى نقطة وصلتها حركة التحرر الوطني العربية. وزيادة على ذلك، يمكن القول بأن إنتصار الثورة العراقية هو من أبرز الإنتصارات الجديدة في التحرر الوطني منذ الثورة الصينية.
لماذا تكتسب الثورة العراقية هذه الأهمية الوطنية البارزة؟ يمكن تقديم أربعة أسباب لذلك:
أولا: لقد كان العراق القاعدة الرئيسة للسيطرة الأقتصادية والعسكرية للإستعمار البريطاني في الشرق الأوسط. وقد قام الإستعمار البريطاني حكما إرهابيا بواسطة الملكية المزيفة وعميلها نوري السعيد ضد نضال الشعب العراقي الثوري البطولي. وفي العراق أقامت بريطانيا قاعدتها الجوية العسكرية في الحبانية من أجل تهديد كل منطقة الشرق الأوسط والهيمنة عليها وعندما حاول الحكام البريطانيون بناء جبهتهم العسكرية الرجعية ضد التحرر العربي، كان التحالف المتداعي الذي انشأؤه متمركزا في العراق وسمي بميثاق بغداد ( أملا في إخفاء حقيقته المعادية للعرب). وقد جر الى هذا التحالف الظالمون الأتراك، مع الخائن نوري السعيد وعصابته لتأليف جبهة عسكرية رجعية ضد حركة التحرر العربي. والآن إنهار حلف بغداد، ومن أسمه تشم رائحة استهزاء التاريخ الصارم من أحلام بنائيه الإستعماريين.
وأذا نظرنا الى التقدم المتصاعد المنتصر للتحرر العربي في الفترة الحديثة، منذ أستقلال سوريا ولبنان، وأضطرار بريطانيا الى الجلاء عن مصر ومنطقة القنال، الى الإندحار الشنيع للعدوان على القنال، بفضل المساعدة العسكرية السوفياتية، فمن الواضح أن إنتصار ثورة 14 تموز في العراق، وتحطيمها قواعد حلف بغداد والسيطرة البريطانية على الشرق الأوسط، تمثل أعلى نقطة وصل أليها تقدم التحرر العربي.
ثانيا: لقد تميزت الثورة العراقية بسرعتها وإتقانها ومضائها في ضربتها للحكم البائد ونجاحها في دحر محاولات التآمر المضادة للثورة.
إن إستصال الإصنام الملكية والجلاد نوري السعيد في ذات البداية ترك أعداء الثورة من دون نقطة تجمع مباشرة، وهكذا فأن الجيوش الأنكلو امريكية رغم نزولها في لنان والأردن استعدادا للهجوم، وجدت نفسها مشلولة وغير قادرة على العمل، لأنها لم تستطع إيجاد عنصر التأييد داخل البلاد كأساس للتدخل. أما ما تلا ذلك من محاولات مبعثرة بين حين وأخر للتآمر على الثورة من قبل حفنة من عناصر الخيانة فقد أنكشفت جميعها بسرعة وحطمت بفضل التضامن القوي بين الجيش والشعب.
ثالثا: لقد كانت الثورة العراقية تمثل مرحلة جديدة أعلى في خاصية وتطور حركة التحرر العربي. وقد تجسدت هذه الخاصية في تعبئتها الفعالة لتضامن كل اقسام الشعب في اطار جبهة وطنية موحدة واسعة. إن تحقيق مثل هذه الجبهة الوطنية الواسعة، القائمة على اساس المساهمة والتعبير الفعالين لجماهير الشعب، قد مثلت تقدما مهما جدا بالنسبة للمفهوم السابق لتحقيق الوحدة الوطنية في شكل رسمي جامد مع ما يرافقه من كبت للحقوق الديمقراطية والأحزاب والمنظمات الوطنية. إن تحقيق مثل هذه الجبهة الوطنية الواسعة لكل احزاب وقوى المعارضة الوطنية قبل الثورة قد جعل من الممكن نجاحها السريع وتوحيد الشعب وراءها. كما جعل من الممكن أيضا صيانة الثورة ودحر كل محاولات التآمر ضد الثورة، بالتنظيم المتنامي لكل اقسام الشعب في نقابات العمال وجمعيات الفلاحين ومنظمات النساء والشباب وأنصار السلام وغيرها، مع التصريح الرسمي بقرب إكتمال الشروط اللازمة لممارسة النشاط الكامل للإحزاب الديمقراطية الوطنية متعاونة في جبهة وطنية مشتركة.
رابعا: لابد من الإشادة بدور الحزب الشيوعي العراقي طيلة سني الكفاح قبل النصر الأخير للثورة وفي إنتصار الثورة نفسها وفي صيانتها وتقدمها بعد ذلك.