مدارات

لوّنوا حياتنا بالفرح والعطاء ورحلوا / عبد جعفر

كثيرون هم الذين غادرونا من أسرة "طريق الشعب" ممن عملوا في هيئة التحرير، ورؤساء أقسام، ومحررين، ومراسلين، وإداريين، وشغيلة المطبعة والإدارة، في اعوامها الستة مابين 1973- 1979.
البعض أعدم وآخرون استشهدوا تحت التعذيب ولم تعرف قبورهم لحد الآن، وهناك من أضناهم وجع المنافي فاستراحوا في مقابر الغربة والمنافي، والبعض ممن بقي في الوطن، فمات كمدا. وكأن هذه الكائنات الجميلة التي أعطت وأثرت ولونت حياتنا ذات يوم بالفرح، كتب لها أن تغادر بعجالة، تاركة لنا أسماء وصورا وذكريات ورحيلا موجعا يصعب تصديقه.
فمن يتذكر ابن بعقوبة الشاعر الجميل خليل المعاضيدي الذي ضاقت به السبل، وهو يقف امام فرق الأعدام بتهمة الهروب من العسكرية؟ والشاب الوسيم اسماعيل خليل مسؤول صفحة المحليات وهو يقاوم جلاديه لإنتزاع إنسايته منه، ورفيقه سامي العتابي الفنان المرح، والمناضل الطلابي نعيم عليوي الذي لم يتوان الفاشيون من إعدامه بعدما يأسوا من تعاونه معهم، و(أبوسرحان) ذياب كزار الشاعر الرقيق الذي غيبه الفاشيون الكتائب في لبنان مع اثنين من رفاقه، والمصحح ابراهيم كزار ابن الناصرية البار، اعدم رغم أنه يعاني من مرض التدرن الرئوي، ورسام الب?جة والكاركاتير مؤيد نعمة الذي غيبه الموت كمدا.
والقائمة طويلة، تمسحنا بوجع الذكريات، فهنا كانت أم وخالة الجميع (أم جاسم) من شغيلة الادارة، وأبو زكي (عبد الحميد بخش) وهو ينادي على هذا من وذاك من المحررين ليحاسبهم بقسوة الأب. مات ولم يذكره الأقربون، وأحتار في دفنه الغرباء!
وأبو كاطع (شمران الياسري) وهو يلوذ بصمته ودخانه من وجع التحالف والجبهة التي حاصرت عموده بالتهم الملفقة.
وطه حيدر المحرر الرياضي والقاص الذي قتله السرطان في المنفى اليمني، والكاتبة رجاء الزنبوري وهي تقاوم المرض الخبيث في ردهات المستشفيات اللندنية بعد ان استراحت من (العمل العسكري) مع الأنصار، وياسين طه ممن درس في الخارج واصطاده الأمن وقتلوه غيلة تحت التعذيب، ومصطفى عبود الناقد المبدع الذي شح عليه الوطن بقبر يحتويه، وحميد شلتاغ رجل الادارة في مطبعة الرواد الذين أعدموه مع زوجته وإبنه، بدون رحمه رغم كبر سنه.
وهناك ... وهناك الكثير، والقائمة يصعب حصرها. ماذا لو عاد هؤلاء اليوم؟ هل يحاكمون زمنا مضى .. بأي ذنب قتلوا؟ أم الحاضر ليتساءلوا ..الى هذا الوضع المزري أعطينا الدم والتضحيات؟ وهل ما زال أبناء العراق يتذكرونهم، أم أنهم عدوا أرقاما وأسماء نتذكرها بالمناسبات ونمضي؟
فمن يعيدهم اليوم؟ ومن ينتصر لهؤلاء الجميلين في زمن أمارات الطوائف، ولو كان معنا الشهيد أبو كاطع وهو يرى بعينيه ما آلت اليه الأمور وهي تسير بالمقلوب لقال (بلابوش دنيا) وعلق بسخريته المعهودة قائلا:
-(چا هاي سالفة چلمتك، مثل عنوان إبن خالي.. چان يشتغل خادم بالمستشفى.. يوم من الأيام اجاني فرحان ومستانس.. گال لي ابشرك بدلوا عنواني من خادم الى معين.. گتله، يا نعمتك يا ربي.. واشكثر زاد معاشك. جاوبني : كلشي ما زاد.
گتله، چا عليمن تبشرني.. كونها خالي بلاش عسى ما يسمونك مستعين!)*
ــــــــــــــــــــ
*من عمود أبو كاطع (صعدوك يو نزلوك)