مدارات

ملاحظات اولية حول استراتيجية التنمية الصناعية حتى عام 2030 (1- 7) / د.صالح ياسر

   بعدة عدة سنوات من ركود القطاع الصناعي نتيجة فشل إستراتيجيات وسياسات التصنيع التي تم تبنيها سواء أثناء فترة النظام الدكتاتوري أو بعد 9/4/2003، يجري الحديث اخيرا عن ضرورة وضع وتطبيق إستراتيجية جديدة لإنعاش الصناعة الوطنية تختلف في أهدافها و مضمونها عن النماذج التي طبقت سابقا. ويبدو ان الإستراتيجيات الصناعية التي طبقت خلال فترات مختلفة بهدف إخراج الاقتصاد الوطني من تخلفه وطابعه الريعي وبنيته المشوهة والاحادية الجانب لم تستطع ازالة هذه المظاهر والسمات أو التقليل منها، بل على العكس أدت إلى تفاقمها. حيث لم تحقق تلك الاستراتيجيات الاستقلال الاقتصادي المنشود ولم تتغير البنية المشوهة والاحادية الجانب، بل تكرست التبعية نحو الخارج، و بالتالي لم تتبلور فروع صناعية تكون قادرة على قيادة الحركة التنموية واحداث تنمية مستدامة تساهم في تغيير البنية الاقتصادية الراهنة والطابع الريعي للاقتصاد الوطني. كما ان القطاع الصناعي ما زال يتمتع ببنية مشوهة، قطاعيا وفرعيا، بنية غير قادرة على استيعاب و تطوير التقانة الحديثة و الاستفادة منها الاستفادة المطلوبة.
المقدمات
   تنطلق "استراتيجية التنمية الصناعية حتى عام 2030" (1) (وسنطلق عليها لاحقا كلمة "الاستراتيجية" للاختصار) من عدة مقدمات تتأسس وتتكئ عليها لبلورة فرضياتها واهدافها وآليات تطبيقها. ومن بين تلك المقدمات ما يلي:
1.ان العراق "قطع ..أشواطا في عملية التنمية الاقتصادية، وهوالآن أمام فرص وتحديات جديدة تفرض عليه تغيير مساره الاقتصادي والصناعي بالذات لكي يتوافق مع تطورات الاقتصاد العالمي" (ص 1).
   ولاشك أن هذه المقدمة غير دقيقة بل ومناقضة للواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، فهل حقا قطع العراق اشواطا في عملية التنمية الاقتصادية؟. ويبدو ان لهذه المقدمة وظيفة ايديولوجية لتبرير الخطوة اللاحقة التي تشير اليها "الاستراتيجية" وهي ان امام العراق الآن" فرص وتحديات جديدةت فرض عليه تغيير مساره ا لاقتصادي والصناعي بالذات لكي يتوافق مع تطورات الاقتصاد العالمي". جوهر الوجهه واضح لا غبار عليه وهو تغيير المسار الاقتصادي والصناعي لكي يتوافق مع تطورات الاقتصاد العالمي !. وبما ان هناك دور مؤثر للقطاع الحكومي تعترف به "الاستراتيجية" المقترحة حيث "شركات القطاع العام تشكل العمود الفقري للقطاع الصناعي في العراق، اذ انها مسؤولة عن انتاج 90% من اجمالي الانتاج الصناعي" (الستراتيجية، ص 5)، فان مضمون "تغيير المسار الاقتصادي " يعني في واقع الحال اعادة النظر بدور الدولة في عملية التنمية والتصنيع، ومقابل ذلك الرهان خصخصة مؤسسات القطاع الحكومي لكي تتوافق "مع تطورات الاقتصاد العالمي". وبهذا تصبح استراتيجية التنمية الصناعية ليست معبرة عن الحاجات الفعلية الملموسة للصناعة والاقتصاد الوطني عموما في هذه المرحلة بل عن حاجات تطور الاقتصاد الراسمالي المتطور، علما ان هذا الاخير يعاني من ازمة بنيوية عميقة وهو ليس في طور اقلاع تنموي حتى يمكن الرهان عليه. واذا تحدثنا بفصاحة ومن دون تأتأة فانه يمكننا القول ان الاستراتيجية هذه مسكونة بالرهان على العوامل الخارجية بالاساس. انها ببساطة شديدة استراتيجية موجهة للخارج كما انها مسكونة ايضا بخيار الخصخصة "دون قيد او شرط" عبر اخراج الدولة من حقل الاقتصاد وتحويلها الى مجرد خفير. وطبقا لتجارب عدة فان "الانفتاح غير المشروط" شكل بداية الطريق الى الازمة وذلك عندما تغلغلت افكار او مذهب الليبرالية الجديدة في عملية صنع السياسة العامة (2).
2. يعتبر صائغوا هذه الاستراتيجية بانها – أي الاستراتيجية - تمثل "جزءً من عملية أوسع للإصلاح فى العراقخطة التنمية الوطنية، استراتيجية الطاقة.. الخ(،تنظرإلى ما هو أبعد من الاحتياجات الفورية  الخاصة بتحقيق الأمن، وبناء البنية التحتية، وتركزالاهتمام على وضع الاقتصاد العراقى على مسار واعد للتنمية لغاية عام 2030" (ص 1). واذ لا بد من تثمين هذه المقاربة الا ان المحلل يصاب بالخيبة عندما لا يرى اية اشارة الى القضية الاهم و هي البنية المتخلفة والاحادية الجانب وكذلك الطابع الريعي للاقتصاد العراقي وضرورة ان تنطلق اية استراتيجية من هذا الواقع المختل وتبلور رؤية واضحة حتى تتمكن من بناء استراتيجية معللة قادرة على تغيير الهيكل المذكور المتسم بتخلفه واحاديته سواء على مستوى الاقتصاد أو القطاع الصناعي. نحتاج اذن الى رؤية متكاملة واستراتيجية واضحة باهداف محددة وآليات معللة وليس الى عبارات تعطي اكثر من معنى.
3. تأشير واقع ان "التوجيات الاستراتيجية التقليدية للتصنيع لم تعد موائمة مع الاشتراطات الجديدة للمنافسة فى ظل الملامح الأساسية للاقتصاد العالمى حالياً، الأمر الذى يتطلب فكر وتوجه مختلفين عن التوجه القائم حالياً في العراق وكذلك التعاون ما بين عدد أكبر من الأطراف المعنية" (ص 2).
ان تفكيك الفقرة اعلاه ودفعها الى نهيتها تتيح الاشارة الى ما يلي:
-    لم تفصح الاستراتيجية المقترحة عن ماهي تلك "التوجهات الاستراتيجية التقليدية" التي لم تعد موائمة مع الاشتراطات الجديدة للمنافسة فى ظل الملامح الأساسية للاقتصاد العالمى حالياً؟ كما أنها – أي الاستراتيجة - لا تقول لنا شيئا عن "الفكر والتوجه " الجديد. ولكن قراءة اعمق للنص تتيح كشف المستور الذي يحاول صائغو الاستراتيجية التمويه عليه وهو الرهان على العوامل الخارجية كما ذكرنا سابقا (وتصفها الاستراتيجية بـ "البيئة الاقتصادية العالمية" واعطائها الأولوية ومن بينها (ص 2):
·        التطور التكنولوجي السريع فى تكنولوجيات الإنتاج والعمليات الإنتاجية.
·        عولمة سلاسل القيمة.
·        زيادة نفوذ الشركات متعددة الجنسية.
·        زيادة حدة منافسة الاقتصاديات النامية والصاعدة.
·        الاتفاقيات الدولية متعددة الاطراف والتى تحكم تدفقات التجارة والاستثمار والمعايير المٌطبقة.
   وللتدليل على هذا التوجه في اعداد "الاستراتيجية" يمكننا ان نقتطف النص التالي والذي يقول: " إن صياغة وتنفيذ استراتيجية ناجحة للتصنيع تتطلب مشاركة جميع الأطراف المهتمة بالصناعة والمؤثرةفيها وتشمل: عديد من البيئات الحكومية على المستوى الوطني والمحلى، منظمات القطاع الخاص بالإضافة إلى الشركات متعددة الجنسية المهتمة بالاستثمار فى العراق، مؤسسات الدعم الفنى والمالى المتخصصة، هىيئات التعاون الثنائية ومتعددة الأطراف، المنظمات غير الحكومية" (ص 2).
   من بين الاطراف "المهتمة بالصناعة" هناك "البيئات الحكومية على المستوى الوطني والمحلى، منظمات القطاع الخاص (ولا تشير الاستراتيجية الى اصوله وهل هو محلي ام اجنبي؟) اما البقية وهي اربع مجموعات في مقدمتها الشركات متعددة الجنسية "المهتمة بالاستثمار فى العراق" فهي مؤسسات اجنبية.. وهذا يعزز الاستنتاج السابق بان رهان الاستراتيجية الصناعية هو بالاساس على العوامل الخارجية.
   ويدلل على هذا الاستنتاج أيضا تاكيد الاستراتيجية في فقرة " مجموعة من القواعد العامة" على جملة قضايا ومنها (ص 3):
·   أهميةالاستفادةمنتجاربالدولالأخرى،وخاصةالناجحةمنها (علما ان "الاستراتيجية" لا تقول لنا شيئا عن تلك التجارب الناجحة لكي يمكن تدشين نقاش بصددها، بل تكتفي بذكر أسمائها وهي سنغافورة والصين وتركيا، علما ان هذه البلدان تنتمي الى مدارس ومرجعيات تنموية مختلفة).
·   أخذالتوجهاتالعالميةالحديثةفىالاعتبار. وهنا يطرح سؤال اضافي وهو ما هي هذه "التوجهات العالمية الحديثة"؟ وعن أي "موديل" للتنمية الصناعية يمكن الركون اليه في ظل عولمة العملية الانتاجية وفي ضوء الاتجاهات الجديدة في قسمة العمل الدولية الراسمالية المعاصرة؟
   وفي اطار بناء المبررات النظرية للانتقال الى استراتيجية تنمية صناعية جديدة بالمواصفات التي حُددت اطرها سابقا وهي في جوهرها تراهن على الانتقال الى اقتصاد السوق و الخصخصة كحل للمشكلات التي يواجهها الاقتصاد العراقي عموما والقطاع الصناعي على وجه الخصوص، فان مهندسي هذه الاستراتيجية ينطلقون من عرض "واقع حال" الاداء العام للمنظومة الصناعية. وهم هنا يخلطون الحق بالباطل كما يقول المثل الشعبي إذ يعرضون "النصف الفارغ " من الكأس وليس نصفه الملئان.
   ان تقييم أداء المنظومة الصناعية بعد 2003 يستند الى عدة مؤشرات ومن بينها انخفاض مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي، وانخفاض القيمة المضافة الصناعية، وضعف اداء التصدير، وتوقف معظم مؤسسات القطاع الحكومي والتدهور الشديد في الانتاجية، ضعف الاداء الاستثماري.. الخ. ويعزز مهندسو هذه الاستراتيجية تلك المؤشرات بارقام احصائية (ص 5 ولاحقا) اخذين قارئهم الى لعبة الارقام وليس الى حقل الواقع.
   ولا يكتف مهندسو الاستراتيجية بهذا كله بل يضيفون الى ذلك الاشارة الى ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة ليس لها "اهمية كبيرة في الصناعة العراقية حاليا اذ لا توجد وحدات صناعية مملوكة بالكامل للاجانب"، هذا اضافة الى "ضعف علاقات الترابط مع سلاسل القيمة العالمية".
   نقطة مقتل هذه المقاربة للمشاكل الفعلية التي واجهت الاقتصاد والصناعة هي انها لا تطرح اسئلة حقيقية على مشكلات حقيقية .. على العكس من ذلك انها - أي هذه المقاربة- اعتادت الاكتفاء بسؤال: ماذا حدث (لعبة الارقام) في القطاع الصناعي ولكنها لم تتقدم خطوة للامام بطرح سؤال اخر وهو: كيف حدث ذلك وما هي اسبابه ولماذا اتخذ تطور القطاع الصناعي دون هذه الوجهة؟ أي ما هي القوى الاجتماعية المسؤولة والمستفيدة من التدمير المنظم (وليس التطوير) للطاقات الانتاجية الموجودة في القطاع الصناعي الحكومي وترك مؤسساته تلاقي مصيرها المحتوم؟
   نعم، المشكلة لا تكمن في المصانع بحد ذاتها فهي مجرد كتل حديدية صماء بل ان تلك المشكلة تكمن في كيفيات تسييرها وفي السياسات المقصودة التي اعتمدتها القوى التي أدارت القطاع الصناعي بعد 2003 (مثلما كان الامر قبل 2003 أيضا وان بصيغ مختلفة من حيث الشكل) والتي سعت الى عدم اعارة الاهتمام المطلوب لتلك المؤسسات والعمل على انتشالها من واقعها المتردي. بل على العكس بُذلت جهود حثيثة لافشال اية محاولة لاجراء اصلاحات حقيقية في هذه المؤسسات تخلصها من مشكلاتها ومصاعبها. كان الخيار واضحا، منذ البداية، هو ان تفشل تلك المؤسسات لتبرر لصانع القرار، استنادا الى معيار الكفاءة الاقتصادية السيء الصيت وهو في الواقع معيار ملتبس اصلا، اتخاذ القرار بتصفية تلك المؤسسات وبيعها كـ " حديد خردة" الى حيتان المال من "البرجوازيين الجدد"، وهو نفس ما جرى في بلدان اخرى ولعل مثال روسيا وبلدان اوربا الشرقية الاخرى خير شاهد والحقائق التي رافقت ذلك تفقأ العين، حيث بيعت اكبر المصانع الحكومية بأبخس الاثمان بحجة عدم كفائتها وتقادمها تكنولوجيا وأن تكاليف اصلاحها باهضة ! هذه الملاحظة لا تنطلق من اتهام مسبق بل تستند الى ما جاء في "الاستراتيجية" نفسها عندما أكدت على ضرورة اعداد " خارطة طريق لإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة" (ص 10 من الاستراتيجية). تعني هذه الملاحظة ان قرار تصفية تلك المؤسسات قد اتخذ، و "اعادة الهيكلة" ليس سوى تعبير مخفف عن بيع المؤسسات هذه الى "البرجوازيين الجدد" المتمثلين في حلفهم الوثيق: الطفيلي-البيروقراطي-الكومبرادوري وليس الى صناعيين حقيقيين آتين من حقل الانتاج، أو بذل الجهود لاصلاح تلك المؤسسات وجعلها تقف على قدميها مجددا.
   ولمعرفة جوهر خارطة الطريق لاعادة هيكلة شركات القطاع العام تلجأ "الاستراتيجية" الى "مناورة تكتيكية" بهدف التعتيم على مغزى اهدافها الفعلية. ففي المحور الثاني في (المسار الاستراتيجي) (ص 12 ولاحقا) اشارة الى أن اعادة هيكلة هذه الشركات خلال الفترة 2017 – 2030 ستتم حسب الخطوات التالية:
جدول رقم (1)
التغيرات المطلوبة في هيكل القطاع الصناعي حسب "الاستراتيجية"
الهدف

2017

2022

2030

اعادة هيكلة شركات القطاع العام

تحويل 20% من شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة فعالة فىسوق الاوراق المالية

تحويل 50% من شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة فعالة فى سوق الاوراق المالية

الوصول إلى الهدف بتحويل 80% من شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة فعالة فى سوق الأوراق المالية

المصدر: رئاسة مجلس الوزراء- هيئة المستشارين، وزارة الصناعة والمعادن. الاستراتيجية الصناعية في العراق حتى عام 2030- ملخص تنفيذي، تموز 2013، ص 12.
   ويتيح الجدول اعلاه القول ان اعادة هيكلة هذه الشركات لن تمر عبر خصخصتها وبالتالي تحويلها الى شركات انتاجية تعود ملكيتها للقطاع الخاص، بل ان هناك توجها "استراتيجي" لمهندسي "الاستراتيجية" بالرهان على حقل التداول وبالتحديد الى قطاع المضاربات المالية بحيث يكون 80% من تلك الشركات، وبحلول 2030، " شركاتمساهمةفعالة فىسوق الأوراقالمالية"! انه خيار "الموت الرحيم" لشركات القطاع العام. والسؤال المطروح هنا هو ألا تتعارض هذه الخطوة مع العديد من الاهداف الاستراتيجية المستهدف تحقيقها بحلول عام 2030 والمشار اليها في الصفحتين (9-10) ومن بينها زيادة مساهمة الصناعة التحويلية في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، وزيادة نسبة تشغيل العمالة في المنظومة الصناعية... الخ؟ من سيحقق هذه الاهداف، وغيرها الكثير طبعا، في ظل قطاع خاص ضعيف وان وجد فانه يتركز في مجالات غير انتاجية عموما؟.
بريمر يعود من جديد على حصان أبيض !
   نود الاشارة الى ان خيار "الموت الرحيم" لمؤسسات القطاع الحكومي الصناعي تعود جذوره الى زمان ابكر هو زمان الحاكم المدني لسلطة الاحتلال (بول بريمر) ضمن مشروعه الاقتصادي الذي طرحه في تموز 2003، والذي سارت على "سراطه المستقيم" القوى المتنفذة التي تلت سلطة الاحتلال علما اننا كنا قد حذرنا مبكرا من مخاطر هذا المشروع (3).
لنلاحظ ماذا حدث انذاك.  
   على اساس نقد التجربة السابقة (أي قبل 2003)، طرح بريمر السؤال التالي: ماذا يقتضي لابطال تأثير إرث النظام الدكتاتوري المقبور؟ إنه يستحث – بحسب رؤية بريمر - انتقالا من نمط تنموي الى نمط آخر، وان هذا الانتقال يرتبط بجملة توجهات من بينها:
1.  (ضرورة تشجيع القطاع الخاص على اعادة توزيع الموارد لاستخدمها على الوجه الاكثرانتاجية) إضافة الى (تحفيز نمو المؤسسات الخاصةالصغيرة والمتوسطة، القادرة بصورة افضل من غيرها على الخلق السريع لفرص العمل).
2.     (تقليص الدعم للمؤسسات المملوكة للدولة).
   ومقابل ذلك لم يكتف بريمر بالشأن الداخلي بل أشرّ الى كيفية ارتباط الاقتصاد العراقي بالعالم الخارجي، وهنا انطلق من التأكيد على ضرورة (انفتاح العراق على العالم) - طبعا من دون تحديد طبيعة هذا الانفتاح -، نظرا الى ما يجلبه هذا الانفتاح، من (تحقيق فوائد جمة). وافترضت استراتيجية الانفتاح على الخارج – بحسب بريمر – ما يلي :
1.  فتح الابواب أمام الاستثمارات الاجنبية من رؤوس الاموال والتقنيات الاداريةوالتكنولوجيات الحديثة. ويتطلب ذلك (تشجيع الوصول الى كل هذه الموارد للمستثمرين المحليين بمنحهم حرية التبضع فيالاسواق العالمية وأمام المستثمرين الاجانب ذوي الخبرات في مجالات محددة).
2.  ربط (الاصلاح المحلي بالاصلاح العالمي). ونظرا لأن " الاصلاح العالمي " هو تلك البرامج التي يتم تطبيقها في البلدان التي تخضغ لوصفة المؤسسات المالية والنقدية الدولية الرأسمالية، فإن جوهر اطروحة السيد بريمر واضحة هنا: يجب ربط ( الاصلاح المحلي ) بعجلة ( الاصلاح العالمي) المطبق تحت حراب تلك المؤسسات المشار اليها اعلاه.
   إن تحقيق استراتيجية الانتقال - بحسب طرح بريمر - يتطلب :
أ‌.        اتباع مقاربة مرتكزة على السوقومنضبطة؛
ب‌.   اتخاذ قرارات صعبة وتحمل تضحيات على المدى القريب؛
ج‌.    ولا بد لنجاح هذاالبرنامج من ان يسانده الشعب العراقي.
   ويمكن القول ان الاهداف الفعلية للمشروع الاقتصادي الذي طرحه بريمر يمكن بلورتها في :
أولا: "طرد" الدولة (علما بأن الدولة تم تفكيكها من طرف سلطة الاحتلال!) من الحقل الاقتصادي وابعادها كلية عن آليات السوق مما يفتح الطريق أمام رؤوس الاموال الاجنبية لفرض هيمنها من مواقع قوية، على النشاط الاقتصادي المحلي.
ثانيا: العمل على التدمير المنتظم والتدريجي للطاقات الانتاجية المحلية من خلال إرغام البلاد على انتهاج مبدأ "تحرير التجارة الخارجية" وأساسا تجارة الاستيراد، مما يساعد على غزو السلع القادمة من البلدان المتطورة وخصوصا من الولايات المتحدة وبريطانيا ومنافستها للسلع المحلية، التي تمتاز اصلا بقدرة تنافسية ضعيفة مما يؤدي الى تدمير الصناعات المنتجة لتلك السلع، على الصعيد المحلي.
ثالثا: التأثير في العلاقات الاجتماعية المحلية من خلال العمل على " خلق " فئات اجتماعية تستفيد من حزمة السياسات التي يتضمنها مشروع السيد بريمر. لقد كان التطبيق "الناجح والمضمون" لهذا المشروع يستحث، من بين أمور عديدة، تفكيك التحالفات الاجتماعية "التقليدية" والعمل على خلق الشروط لنشوء وتطور تحالفات اجتماعية جديدة، تتضمن تلك القوى الاجتماعية التي تدافع عن تلك الحزمة من السياسات الجديدة وتكون اساسا أو قاعدة متينة للسلطة الجديدة ولها مصلحة فعلية في استمرار تنفيذ " استراتيجية الانتقال " بحسب وصفة السيد بريمر.
رابعا : خلق جيش احتياطي متزايد من البطالة وتنميته باستمرار لضمان خفض معدلات الاجور الحقيقية وتوفير عنصر العمل الرخيص أمام الشركات الامريكية والمتعدية الجنسية التي بدأت تباشر دورها في ضمن متطلبات "المرحلة الانتقالية".
الهوامش
(1) رئاسة مجلس الوزراء- هيئة المستشارين، وزارة الصناعة والمعادن. الاستراتيجية الصناعية في العراق حتى عام 2030- ملخص تنفيذي، تموز 2013.
(2) لمزيد من التفاصيل قارن: محمد عبد الشفيع عيسى، دور الدولة في التجارب التنموية الاسيوية مع تركيز خاص على المجال الاجتماعي ومنظومة الابتكار، بحوث اقتصادية عربية العددان 53-54/شتاء –ربيع 2011، ص 33 ولاحقا.
(3) لمزيد من التفاصيل انظر: د.صالح ياسر ، " عملية رفاهية العراق " بين الصخب الاديولوجي وحقائق الواقع الصارمة - ملاحظات أولية حول المشروع الاقتصادي لسلطة الاحتلال، " طريق الشعب"، العدد 22/السنة 68، 20-26/تموز 2003، الملحق الاقتصادي للعدد ذاته.