مدارات

دراسة أمريكية: الولايات المتحدة ليست ديمقراطية كما تزعم

"طريق الشعب"
يتحدث الكثير من المحللين السياسيين في العالم عن «وهم الديمقراطية الأمريكية» التي تسير في طريق مظلمٍ بسبب عدة عوامل تجعل الواقع السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية بعيدا عن الصورة المثالية التي يُروَّج لها عبر التأكيد على «القيم الديمقراطية الأمريكية»، والدستور الأمريكي، و«الآباء المؤسسين».
يتحدَّث الكثيرون في العالم عن واقع سياسي غير ديمقراطي في أمريكا، لكن مع ترويج «الدولة الأقوى في العالم» للديمقراطية ونشرها في دول «العالم الثالث»، يكون من السهل اتهام من ينتقد السياسة الأمريكية ومُحدداتها بـ «الإرهاب» أو وضعه على أقل تقدير في جانب «الشيوعية». لكن أن تُقدم هذه الانتقادات دراسة من جامعة «برينستون» الأمريكية فهذا ما يجعل للأمر أهمية خاصة.
عمل أستاذ في جامعة «برينستون» (مارتن غايلنز) وأستاذ في جامعة «نورثويسترن» (بينجامين بيج) على تحليل النظام السياسي الأمريكي اعتمادا على 4 نظريات في تحليل نظام الحكم وطبيعة جماعات المصالح التي تحكم القرارات السياسية.
ربما يكون الاختصار مفيدا قبل سرد التفاصيل. ببساطة تقول الدراسة:
يحكم أمريكا مجموعة من النخب التي تسيطر على الثروة والسلطة؛ وليس للمواطن العادي أثر كبير في السياسة.
من يحكم بالفعل؟
يشعر الكثير من المواطنين في العالم الآن أن النظام «الديمقراطي» المبني على الرأسمالية الغربية لا يعطيهم إمكانية المشاركة الفعَّالة في السياسة، ما لم يكونوا من مجموعات تملك ثروةً أو نفوذًا.
لكن البحث يطرح هذه الفكرة اعتمادا على دراسة حوالي 1800 قرار سياسي أو تغيير في سياسات الحكومات الأمريكية على امتداد 21 عاما، وتحليل ما جرى تنفيذه بالفعل مقارنةً بما قال أغلب المواطنين الأمريكيين إنهم يريدون تنفيذه؛ ثم يصل الباحثان إلى نتيجة تقول إن المجموعات صاحبة النفوذ والثروة غالبا ما تستطيع تمرير السياسات والقرارات التي ترى أن الحكومة يجب أن تنفذها عبر دوائر السياسة لتُترجم في النهاية إلى واقع فعلي.
ببساطة: القرار أو التغيير في السياسة الذي يحصل على دعم واحد من بين كل 5 أفراد من النخب الاقتصادية التي تملك المال والنفوذ لن تزيد نسبته في التحول إلى واقعٍ عن 18 بالمئة، في حين أن القرار الذي يدعمه 4 من بين كل 5 أفراد من النخب الاقتصادية سيتحوَّل إلى واقع بنسبة 45بالمئة
لكن ماذا يحدث حين يريد أغلب المواطنين قرارا أو تغييرا في سياسات بلادهم؟
إنهم يخسرون الرهان، غالبا. إذا لم يكن من بين المؤيدين للقرارات مجموعة من النخبة الاقتصادية فلن يمر إلى واقع الأمريكيين مهما كانت نسبة المواطنين التي تؤيدها.
يتمتع الأمريكيون بالكثير من مميزات النظام الديمقراطي، مثل الانتخابات وتداول السلطة، وحرية التعبير والاجتماع، والحرية الاقتصادية. لكن السياسة الأمريكية يسيطر عليها مجموعة قليلة من الأغنياء أصحاب المال والنفوذ؛ مما يدفعنا إلى القول إن ادعاء أمريكا بأنها تتمتع بمجتمع ديمقراطي هو أمر محل شك.
وترتكز الكثير من النظريات والتحليلات السياسية على فكرة «المواطن العادي» الذي تتحقق رغباته في السياسة والاقتصاد لأنها تُعد تعبيرا عن أغلب المواطنين، بعيدا عن المتطرفين في اليسار أو اليمين، لكن الباحثين يقولان إن السياسة الأمريكية لا تجري بهذه الطريقة.
التقاء رغبات جماعات المصالح والنخب الاقتصادية صاحبة الثروة والنفوذ هو العامل الأقوى في السياسات التي تنتهجها الحكومة الأمريكية، وتتحقَّق رغبات المواطنين أو «المواطن العادي» فقط إذا التقت مع رغبات النُخب، أو مجموعة مؤثرة منها.
لكن حتى الانتخابات، التي يعدها الباحثان التعبير الأقوى عن الديمقراطية الأمريكية، تصبح مُهددة في ظل نظام ينحاز إلى رغبات المجموعات الغنية صاحبة النفوذ، لا لرغبات أغلب المواطنين.
وكانت المحكمة العليا الأمريكية قد ألغت، في نيسان الماضي، الحد الأقصى للتبرعات المالية للحملات الانتخابية للمرشحين للمناصب السياسية والحزبية، وجاءت أحكامها كلها لصالح رفع القيود الحكومية عن إنفاق الأفراد والشركات والنقابات على تمويل الحملات الانتخابية، بالمخالفة للرأي العام الأمريكي الذي أشارت إحصاءاته في عام 2010 إلى رفض 80 بالمئة من الأمريكيين لإطلاق حرية التمويل الانتخابي والسياسي بلا سقف.
السؤال الذي طرحته الدراسة في بدايتها: من يحكم حقا؟ إلى أي مدى يؤثر أغلب المواطنين العاديين في السياسة الأمريكية؟ لا تقتصر أهمية إجابته على أمريكا؛ فكيف ترى الوضع في بلادك؟ من يحكم حقا؟