مدارات

من تأريخ الكفاح المسلح لأنصار الحزب الشيوعي العراقي (1978- 1989) "22" / فيصل الفؤادي

إستعمال الأسلحة الكيمياوية
(لم تستطع السلطة رغم ما كانت تمتلكه من معدات عسكرية وقوى بشرية من القضاء على الحركة أو وقف نموها، إلا باستخدام الأسلحة الكيمياوية ضدها، وتدمير القرى وتهجير سكانها إلى المجمعات السكنية المعزولة عن الناس والمحصورة في بقاع مطوقة، وذلك بغية حرمان الحركة الأنصارية من مساندة الجماهير1 ).
- أرسل النظام الدكتاوري في أيلول/1987 بواسطة عملائه بعض الأغذية المسمومة بمواد كيمياوية كالثاليوم إلى المناطق المحررة ومقرات قوى المعارضة الوطنية في منطقة (مركه) قرب قلعة دزه، وأصيب نتيجة هذا العمل الإجرامي العديد من المواطنين وأنصار وكوادر القوى الوطنية، حيث توفي البعض وعانى آخرون من حالات تسمم مختلفة.
- مع ازدياد العمل العسكري للقوى والأحزاب الوطنية، زادت هستريا النظام وأعوانه في إلحاق أكبر الخسائر بالمعارضة ومن قواها وجماهيرها الواسعة، لهذا ارتأت أن تقوم بعقاب جماعي ضد البيشمه مركة والأنصار وذلك باستخدام الأسلحة المحرمة وهي الأسلحة الكمياوية. (في ظروف كانت تتصاعد فيها عمليات البيشمه مركة والأنصار سواء في الريف أو داخل مدينة أربيل الأمر الذي كان يحنق ويغيظ السلطة التي كانت تعد لمواجهات وطرق أقسى من السابق سواء اتجاه البيشمه مركة، بحفر خنادق حول مدينة أربيل لمنع الحركة بينها وبين الريف المحيط بها وتنظيم عمليات اغتيال كوادر وبيشمه مركة أنصار السرايا البارزين2 ).
قصف قوات الأنصار في السلاح الكيمياوي(الخردل)
- في الرابع من حزيران عام 1987 تجمع حوالي اكثر من 200 نصير من مختلف القواطع في مقر زيوة لأنصار الحزب الشيوعي العراقي في بهدينان لعقد الاجتماع الأول للمسؤولين العسكريين والسياسيين حيث وصل أبو عامل المسؤول العسكري لقوات الانصار،واعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي أبو يوسف، أبو سيروان، ثابت حبيب العاني، ابو داود ومجموعة من الكوادر العسكرية والسياسية.
في مساء 4 حزيران عام 1987 وصلت مفرزة أخرى إلى المقر قادمة من سوران ومعها الرفيق جوقي سعدون (أبو فؤاد) عائدًا من العلاج بعد اصابته بالتسمم بالثاليوم. وبشكل عام كان المقر مزدحمًا.
- في الخامس من حزيران في الساعة السابعة وعشر دقائق حامت أربع طائرات في السماء وثم قصفت بالصواريخ المدمرة ومختلف القنابل مقر القاطع (كلي زيوه) للحزب الشيوعي ومقر الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني والمواطنين المتواجدين في المنطقة، وبعد مغادرة هذه الطائرات كان الجو ملبدًا حيث تصاعد الدخان من عدة مواقع وهناك حركة في الكلي الذي يقع فيه مقر المكتب السياسي، كان المقر بشكل عام في فوضى، بعد ذلك عرفنا إصابة الرفيق النصير أبو فؤاد الذي استشهد بعد أقل من ساعتين، وجرح النصير عباس رش وخابور بجروح بليغة. وتأثر نتيجة استنشاق غاز الخردل الأنصار أبو الطيب وأبو ليلى وأبو أيار وأصيبوا بحروق في الأماكن الحساسة من أجسامهم.
- في هذا الوقت حاول النصير أبو رزكار حمل رفيقه أبو فؤاد إلى المستشفى، لكنه استنشق الغاز الذي ضربنا به وهو غازل الخردل، ولم يمضِ أسبوع حتى استشهد رفيقنا أبو رزكار وقبله استشهد الرفيق أبو فؤاد وتم دفنها في مقر زيوه حيث اشترك مجموعة من الأنصار في ذلك برغم الظروف التي مرت على عموم الأنصار.
- بعد الضربة مباشرة لم يعرف أحد، هل الذي ضربنا به سلاح عادي أم هو غاز سام. تمت مناقشة ذلك بين المعنيين الذين لم يتوصلوا إلى شيء يذكر، وبقي الأنصار في مواقعهم في الاسفل، وبدأ الغاز يدخل القاعات وبدا مفعوله يظهر على الأنصار الذين بدأوا بالتقيؤ والتساقط واحدًا بعد الآخر عند ذاك أحست القيادة بالوضع المزري، حيث قررت منذ الصباح الباكر بصعود الأنصار إلى القمة حيث كان لدينا موقع الدوشكا هناك، وصعد أكثر من 150 نصيرًا واحد يجر الآخر وكانوا متعبين وبعضهم أصيب بحروق شديدة في العيون حيث تأثر بعضهم وأصبحت عيونهم تحرقهم لأن الغاز يصيب المناطق الحساسة من الجسم. وبمساعدة الأطباء والإرشادات تم إنقاذ الكثير منهم، وبعد حوالي أكثر من شهر أصبح الأمر طبيعيًا عدا بعض الأنصار الذين مازالوا يعانون منه.
- وأصدر المكتب السياسي للحزب في السابع من حزيران تصريحًا حول الجريمة البشعة جاء فيه (إن الدكتاتورية الفاشية تلجأ اليوم إلى محاولات يائسة خائبة لإبادة أنصار حزبنا وقيادته بالغازات السامة. إن لجوء الفاشية إلى السلاح الكيمياوي لإبادة شعبنا وطلائعه الثورية، يعني أنها أدركت أن نهايتها المحتومة قد قربت. ومن ناحية أخرى وإمعانا من الطغمة الدموية في حملتها الهستيرية ضد حركة شعبنا الوطنية وفصائل أنصارنا المسلحة، دفعت بطائرتها السمتية في 12 عشر من حزيران في عدة غارات غادرة على مقر قاطع السليمانية وكركوك لأنصار حزبنا الشيوعي العراقي، ونتيجة لذلك جرح أحد أنصار حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني واثنان من أنصارنا.. وأصدر 16 حزبًا وحركة تحرر وطني عربية وغير عربية في أواسط هذا الشهر، بيان إدانة لغارة طيران الدكتاتورية الفاشية على مقر قيادة قوات أنصار حزبنا في بهدينان3 ).
- وقبلها تم قصف مقرات أخرى للاتحاد الوطني الكردستاني في شيخ وسان وقرى أربيل الأخرى.من جانب اخر كرمت السلطة الدكتاتورية الطيارين الذين قصفوا مقر زيوه بأنواط شجاعة.في الوقت نفسه كان راديو بغداد يردد اغاني العيون بشكل غير طبيعي, وهي دلالة على معرفة السلطة بتاثير هذا الغاز على المناطق الحساسة ومنها العيون.
جريمة حلبجة
قامت الطائرات العراقية في 16 آذار 1988 بضرب مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية والغازات السامة، السيانيد وغاز الخردل والاعصاب. وقد قتل جراء هذا القصف الاجرامي 5000 مواطن من أبناء الشعب الكردي، هذه الجريمة التي ندد بها العالم بأسره، حكومات وأحزاب ومنظمات وكذلك أدانتها البرلمانات في العالم ومنظمة حقوق الإنسان، وصدر مشروع قرار وبمبادرة من آن كلويد رئيسة اللجنة البريطانية المناهضة للقمع ومن أجل الحقوق الديمقراطية (كاردري) (أن هذه ليست المرة الأولى التي كان فيها المدنيون العراقيون هدفًا لأسلحة النظام العراقي الكيمياوية، أو التي تتعرض فيها قرى في السليمانية وأربيل وكركوك ودهوك في كردستان العراق إلى هجمات متكررة منذ نيسان4 ).
كانت جريمة حلبجة مروعة ورهيبة ونالت من آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء بغازات سامة حارقة، كانت انفجارات على أجساد الضحايا، الجثث منتشرة على الطرقات وحتى الحيوانات من الاغنام والطيور. لقد فاجأهم الموت بغتة وهم غارقون في نوم وحياة آمنة وفي أعمالهم اليومية، لا دخل لهم بحروب صدام، لكن مدينتهم سبيت بجريمة السلاح الكيمياوية حيث الأم تحتضن ابنها والرجل الكبير يعانق أحد ـ أحفاده. كانت حلبجة منظرها مؤلم، لقد كان الإنتقام حيث المواطنين أصيبوا بالفزع من جراء قنابل غير معروفة لهم، إختنق وتسمم الآلاف لاستنشاقهم غاز الأعصاب الذي ألقته أسراب من طائرات النظام الدكتاتوري البغيض.
(يقول الطيار العراقي أحمد شاكر وهو برتبة رائد في تقرير لجريدة الأوبزرفر في3/4/1988، (إن حكومته استخدمت السلاح الكيمياوي وأعتقد كما يقول طيارونا بأن حلبجة تم إخلاؤها من المدنيين وبأننا سنقصف قوات إيرانية نظامية، ويضيف أن الأسلحة الكيمياوية تسمى القنابل الخاصة، وأن الأسلحة الكيمياوية لا تخزن في قواعد القوة الجوية وإنما في مستودعات سرية خارج القواعد محملة على شاحنات مدنية5 ).
كان يشرف على هذه الحرب حرب الإبادة العنصرية المجرم علي حسن المجيد على سير العملية البربرية التي استمرت في مناطق أخرى (كوب تبه، عسكر، سورته، مايله، شيخان دكله شير) في سهل كركوك والعشرات من القرى الأخرى التابعة لمحافظة السليمانية (دوله رقه، جمي ريزان وزرزي) إضافة إلى القرى في محافظة أربيل (دولي، باليسان، نازين، كولكه رش، سماقولي وورتي والعشرات من القرى في كويسنجق). كما أقامت السلطة العديد من الربايا ونقاط السيطرة على أطراف المنطقة وتيسير دوريات نهرية دائمة في نهر الزاب.
(الكثير من الأهالي من مدينة حلبجة الذين اضطروا إلى اللجوء إلى إيران إثر قصف مدينتهم بالأسلحة الكيمياوية من قبل النظام الدكتاتوري أواسط آذار 1988، الكثير من هؤلاء المواطنين عادوا إلى الوطن عبر الحدود العراقية الإيرانية بعد عام تقريبا، وسلموا انفسهم لأجهزة السلطة على أمل العودة إلى مدينتهم بعد انجلاء سحب غازات الموت عن سماء المدينة الشهيدة، لكن السلطة قررت نقل هؤلاء العائدين إلى مركز قوات الطوارئ في مدينة السليمانية واحتجازهم، ومن ثم إلى ملعب المحلية، وبعد مصادرة ممتلكاتهم، قامت أجهزة السلطة بفصل الرجال عن النساء ونقل الجميع إلى منطقة طوب زاوه في ريف كركوك، ومن هناك نقلوا بسيارات خاصة ليلاً إلى سجن نقرة السلمان سيء الصيت الواقع في المنطقة الصحراوية الفاصلة بين العراق والسعودية6 ).
إن جريمة حلبجة تعتبر من أبشع الجرائم التي ارتكبها النظام الدكتاتوري ضد الشعب الكردي وهي جريمة إبادة الجنس البشري، فقد كانت السموم أي أسلحة الموت من غاز الخردل وغاز الأعصاب وقنابل النابالم والعنقودية المحرمة دوليًا والتي أحرقتهم بالكيمياوي ومزقت أجسادهم بقنابله المشؤومة التي استخدمت في تلك الجريمة.
سجل النظام واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية، حيث القسوة والظلم وبشاعة الجريمة. وكأنها نهاية البشرية حيث الأطفال والنساء والرجال كبار السن7 .
(......ها قد سقطت قنابل الطغاة! ، نم ... نم يا ولدي
سأمضي نحو المصير، في نهار جديد، في طريق جديد، كفاية من عذابات الزمان.
ما القنديل ، ما الدعاء ؟! نم ... نم يا ولدي
حسبي من عمر الطيور، نتفت ريشها على الورود!
عجبًا، لتلك الورود الذابلة على القبور
...........................فيا شجرة الرمان! ما أبقى منك الطغاة؟!
أغصانًا تعانق مدامع الأجفان، حطبًا مشتعلاً، الرمان في مواقد النار وما بقياه الا رماد أو جمر من ذلك الزمان8) .
*************
1عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3 ص 216
2 من يوميات طبيب مهند البراك ص 164
3طريق الشعب العدد 11 سنة 52 حزيران 1987
4رسالة العراق العدد 87 ايار 1987
5رسالة العراق العدد 89 سنة 1988
6طريق الشعب العدد 9 ايار – حزيران 1989
7اكد العميد المتقاعد جودة مصطفى النقيب أن طائرات النظام العراقي المحملة بالأسلحة الكيمياوية والتي قصفت مدينة حلبجة في آذار 1988، جاءت من قاعدة البكر وقاعدة صدام وقاعدة كركوك الجوية، حديث لإذاعة العراق من براغ العاصمة الجيكية.
8من كتاب عند قمم الجبال حمودي عبد محسن ص