مدارات

من تأريخ الكفاح المسلح لأنصار الحزب الشيوعي العراقي (1978- 1989) "23" / فيصل الفؤادي

الفصل السابع
8 - العلاقة مع الجماهير
يعتبر الشعب الكردي من الشعوب الطموحة والمناضلة والتي حارب القوات الحكومية في العراق على مر الزمن، في نفس الوقت يتميز الشعب الكردي بالشجاعة والكرم، وقد حافظ على وجوده على أرضه رغم الحملات والمآسي والكوارث والويلات التي تعرض لها على مر الزمن، وهو الذي يضم عشائر متشابكة في العلاقات الاجتماعية وهذه العشائر حاربت بعضها البعض ومنهم من حارب شعبه الكردي بعد أن قاتل مع القوات الحكومية والدكتاتوريات وخاصة دكتاتورية صدام حسين والتي راح ضحيتها الآلاف منه، وبعضهم أصبح تاريخيا يقاتل الحكومات من أجل الحقوق الطبيعية في العيش الكريم واحترام التقاليد والحقوق الثقافية والسياسية.
وعند اندلاع الثورة منذ أواسط الأربعينيات من أجل حقوق الشعب الكردي ومن أجل التحرر القومي والحقوق المشروعة فقد تأثر الكثير من الفلاحين وساهموا مع الثورة مساهمة متميزه برغم الفقر الكبير لفلاحي المنطقة، وكان للأحزاب القومية والحزب الشيوعي العراقي دور مهم في توعية الجمهور بحقوقة واشتركت معه في انتفاضة ده زي وانتفاضة فلاحي بانيخيلاني وهورين وشيخان ومعارك أخرى, يقول احمــــد بانيخيلاني : ( ... كانت قرية بانيخيلاني قد تحولت في تلك الاثناء إلى مركز لنضال الفلاحين، فقد كان فيها من جهة مدرسة لطلبة العلوم الدينية، يقوم والدي بالتدريس فيها. وبالنسبة لي فقد كانت وبالارتباط مع المكانة الدينية لوالدي وأسرتي، قد تهيأت لي فرصة ملائمة للإلتقاء بالكثير من الناس وأن أكون موضع ثقة واحترام فلاحي المنطقة، وكنت عمليًا أعيش معهم في مركز حياتهم في السراء والضراء )، ضد الإقطاعيين والأغوات الذين يستغلون هؤلاء الفلاحين، وأصبح على هذه الشاكلة: (إن حدة الصراعات وطابعها العنيف، أوصلها إلى درجة التناحر الحاد ليس فقط بسبب المصالح الطبقية وصراع الغني والفقير، وإنما بسبب الصراعات على الزعامة التي لم تكن تقل ضراوة عنها، في ظروف منطقة ساد ريفها منطلق القوة الذي أخذ طابعًا مسلحًا باندلاع الثورة الكردية المسلحة، ثم ازداد حدة بعد أن اتخذت الثورة القومية الكوردية التحررية منحى إجتماعيًا، زاد من دور فقراء الكورد فيها في خضم نضالهم في سبيل حقوقهم ).
كان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في المنطقة كبيرًا ومهمًا في التوعية والتثقيف والكسب السياسي الذي أثر على الكثير منهم والذين انتموا إلى الحزب، إضافة إلى مواقفه الوطنية من القضية الكردية ومن الفلاحين المعدمين الذين عانوا الجور والفقر والاضطهاد، وفي سبيل خلاصهم من استغلال الإقطاعيين والأغوات والبرجوازية والطفيلين، كما كان دوره في الوقوف بوجه الحرب التي شنت ضد كردستان عندما رفع شعار (السلم في كردستان)، وعلى إثرها تم اعتقال المئات من أنصاره وزج بهم في السجون والمعتقلات.
وشارك أنصار الحزب الشيوعي العراقي في الثورة الكردية التي اندلعت بعد 1961 خاصة بعد قيام انقلاب 8 شباط الذي شن حملة ضد أعضاء وكوادر ومناصري الحزب على عموم العراق، ولهذا التجأ البعض من رفاق وأصدقاء الحزب إلى كوردستان وكونوا بعض الفصائل والسرايا، واشتركت قواته في ضرب قوات النظام من جيش وجحوش. ومن أهم المعارك هي معركة هندرين المعروفة ببطولة الشيوعيين العراقيين وفي هزيمة فلول النظام العارفي.
إذ ليس من الغريب أن تكون قوات الحزب المتمثلة بأنصاره مرة أخرى في كردستان وبين ناسه والفلاحين الفقراء الذي دافع عنهم وعن حقوقهم.
وحينما انتقل الحزب إلى مناطق كردستان وريفها، كانوا يعرفون نضال الشيوعيين ومواقفهم وبطولاتهم التي سطروها، وبشكل عام اتسمت هذه العلاقة بالود والإحترام ومساعدة الفلاحين في مصائبهم وفي نفس الوقت قام الفلاحون بدعم الحركة الأنصارية والبيشمه مركة معنويًا وعينيًا، وقد حمى الأنصار من تقدمات (هجوم) الجيش والحجوش حيث كانوا يخبرونهم عن كل صادرة ووارده، فكانت بعض القرى وأهاليها عيون المناضلين على أعدائهم.
كانت تلك الجماهير تساعد الأنصار بالمعلومة والذخيرة والمؤن وحتى إيوائهم، وكانت العلاقة مع بعض العشائر ورؤسائها جيدة ومن خلال معايشتي لسنوات طوال في العمل الأنصاري شاهدت أكثر من رئيس عشيرة يطالب أن يكون مع عشيرته صديقًا للحزب لمواقفه مع الفلاحين ودفاعه عنهم ولهذا لقي الدعم والمساندة والتحاق بعض منهم بحركة صفوف الأنصار. إن الصفة العشائرية هي التي توجه الفلاحين والعلاقة بين العشائر لمواجهة الأعداء أو الخصوم ولهذا وتاريخيًا جعل بعض العشائر ثابتة المواقف بالدفاع عن الحكومات كالهريكيين والبعض من الزيباريين والريكانيين وبعض العشائر الأقل شهرة وعددًا كانت تنضم إلى العشائر الكبيرة. هذه الصفة موجودة في جنوب العراق ووسطه أيضًا.
أقامت مفارز الأنصار علاقات جيدة مع بعض العشائر وخاصة من الأنصار الذين ينتمون إلى هذه العشائر من خلال تحييدهم أو تقديم المساعدة والتنسيق خاصة بعد أن أصبح وضع النظام يتدهور في حربه مع إيران، وتصاعد العمل العسكري للأنصار والبيشمه مركة.
قدم الأنصار مساعدات كثيرة للفلاحين وشاركوهم أفراحهم وأحزانهم وساعدوهم في الزراعة والحصاد وقطف المنتوج الوافر وحموهم من السلطة وأعوانها. وبعض البيشمه مركة والأنصار تزوج من بنات هذه القرى وأصبحت أواصر العلاقة أقوى.
كانت الجماهير تناصر الحزب وكانت تحضر فعالياته خاصة في مناسبة تأسيس الحزب، فالقواطع تقوم بالتحضير للمناسبة وتوجه الأفواج والسرايا في المقرات أو في المفارز، وحتى العمليات تاخذ مدى آخر خاصة بنوعية العمليات الأنصارية وهي تدك أعوان النظام وجحوشه وقواته المختلفة. تبدأ الإحتفالات بكلمة بالمناسبة ثم كلمات الأحزاب المتواجدة في المنطقة وخاصة أحزاب جود وجوقد وبعدها يبدأ الحفل بأغاني الحزب والأغاني الوطنية المعروفة لنا وبالغة العربية والكردية. وفي هذه المناسبات عادة تشكل فرق خاصة من ذوي الإمكانيات الفنية والغنائية والتمثيل والشعر.. الخ، في نفس الوقت يكون الطعام بصورة عامة مختلفًا عن الأيام الأخرى من حيث نوعيته وكميته.
أما السرايا فلها برامجها الخاصة والتي تختلف في أسلوب التعامل مع هذه المناسبة العزيزة على جميع الشيوعيين وأصدقائهم. وكانت احتفالات الحزب وسراياه لها طعم خاص، خاصة في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب، حيث يجتمع الأهالي من المناطق القريبة من القواطع في أربيل أو السليمانية ودهوك، حتى وصلت من بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية الأخرى، ثم يقوم المسؤولين بعقد ندوات لتعريف الناس بسياسة الحزب وحقوق ونضال الشعب الكردي، وكذلك تكون دعوات عامة للطعام لجماهير المنطقة حيث تذبح الأغنام والماعز احتفاءً بهذه المناسبة.
شكلت الإحتفالات أفراحًا للمواطنين المتواجدين قريبًا من السرايا أو الأفواج أو القواطع، حيث الدبكات مع الأغاني الكردية والعربية والآشورية المختلفة، وبمرور الوقت أصبح هذا تقليدًا عند الكثير من جماهير المنطقة.
من جانب آخر أصدرت الجبهة الوطنية الديمقراطية بيانًا في 8 تموز 1981 تضمن توجيهات حول تعامل البيشمه مركة مع الجماهير، وأن الثورة تدافع عن الجماهير الكادحة من العمال والفلاحين والمثقفين وسائر صغار الملاكين وتوثيق العلاقة معهم، وأن الثورة بحاجة مستمرة إلى مزيد من الثقة وتأييد أبناء شعبنا، إلا أنه ومع الأسف كان هناك خلل في علاقات البعض من البيشمه مركة والكوادر السياسية التابعين لبعض الأحزاب والحركات مع الجماهير ودرست الأحزاب الثلاثة قضية التبرعات للثورة. 1- المساعدات تقتصر على المواطنين المتمكنين. و2 – يعفى فلاحو القرى الذي يتردد عليها البيشمه مركة من التبرعات.
أما مساعدة البيشمه مركة للجماهير فتكون بالشكل التالي: يجب على البيشمه مركة تقديم يد العون المتعدد للفلاحين والدفاع عن مصالحهم المشروعة، مساعدة عوائل البيشمه مركة والمناضلين المسجونين والمطاردين قدر المستطاع، توعية الفلاحين من مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والصحية، السعي لحل النزاعات العائلية والدفاع عن مصالحهم ضد تجاوزات الإقطاعيين، مراعاة المشاعر الدينية للمواطنين واحترام عاداتهم وتقاليدهم.
وحول الإعتداءات على المواطنين تؤكد الجبهة على: يمنع منعًا باتًا الاعتداء على حياة أي مواطن بريء أو سجنه أو ممارسة الضرب بحقه أو بحق عائلته، ضمان تطبيق العدالة والتحقيق الأصولي والنزيه بحق من يوجه له الإتهام بأعمال عدائية ضد الثورة، الوقوف بحزم ضد إلحاق الإذى بالموطنين الابرياء. ضرورة دراسة الشكاوي والمعلومات المقدمة الخاصة بتجاوزات منتسبي أحزاب جود، تتخذ الأحزاب الإجراءات الرادعة بحق أي بيشمه مركة ومن السياسيين أو العسكريين وتثبيت إدانتهم وانتهاكاتهم.
من جانب آخر كان النظام يقوم بحملات تكاد تكون يومية على المناطق التي يسيطر عليها في التجنيد القسري وضمهم إلى صفوف الجيش الشعبي,من المحلات والأسواق والاماكن العامة للأعمار بين (16–45 سنة)، حيث يحشرون في سيارات وشاحنات عسكرية تحت تهديد السلاح، وتقوم هذه المفارز باقتحام البيوت للغرض نفسه، وتقوم الاجهزة الامنية والمختصة بأخذ الموظفين من بعض الدوائر الرسمية وسوقهم إلى مراكز الجيش الشعبي، إضافة إلى تعرض الآخرين الرافضين الانتساب للإعتقال.
وقام النظام بحصار المناطق البعيدة عن سيطرته خاصة بنقل المنتوجات من الفواكة والخضرة لبيعها في النواحي والأقضية، مما أدى إلى تلفها من جراء تكديسها لفترة طويلة، الأمر الذي أثار استياء الجماهير الواسعة من تصرف السلطات المحلية.
وفي كتاب لديوان الرئاسة السري المرقم 39517 في 16 ت ما يلي (1- يحق للقرى والأحياء السكنية طرد العوائل التي يلجأ فيها رب العائلة إلى جانب العدو الإيراني أو يلتحق إلى جانب المخربين.
- يتم تنفيذ ذلك عن طريق المنظمات الحزبية والجماهيرية. نرجو اتخاذ مايلزم للعمل بموجبه. توقيع العميد الركن ع/قائد الفيلق الأول ).
(إن النشاط الجماهيري الواسع النطاق الذي قام به أنصارنا البواسل، وتصديهم مع سائر فصائل جبهتنا الوطنية الديمقراطية للنظام الدكتاتوري، لم يأتِ بمعزل عن دور حزبنا الشيوعي العراقي في تعبئة الجماهير الفلاحية الكادحة، وربط مصالحها الطبقية بالموقف من السلطة الفاشية، وبالمعركة الباسلة التي تخوضها جماهير شعبنا العراقي من أجل الخلاص من الطاغية ونظامه الدموي) .
الحصار الإقتصادي
تعاني أغلب النواحي والقصبات والقرى من الحصار الذي فرضه النظام على منتوجاتها ومنع تسويقه إلى المدن الرئيسية، وقد سخرت سلطات النظام من أجل ذلك مرتزقتها من الجحوش وغيرهم ووزعتهم على كافة السيطرات لغرض تفتيش السيارات منعًا لعبورها بأية كمية من المحاصيل والمنتوج من الفاكهة والخضار والتبغ ومنع شراءها، وأمام وعيد وتهديد جلاوزة السلطة فقد خسر الفلاحون أغلب منتوجاتهم وأصابها التلف، مما أثار استياء كبيرًا بين عموم جماهير الفلاحين في هذه القرى. وقد أجبرت السلطة الفلاحين على التعاون معها وحاربتهم خاصة بعد أن قطعت الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة، مما تسبب في حرمان سكانها من الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية، وشملت جميع قرى كردستان وخاصة المدن في دهوك، العمادية، سرسنك، زاخو، عقره والقوش، وقرى السليمانية القريبة من مواقع الانصار , كما قطعت الكهرباء عن القرى التي ينشط فيها الأنصار والبيشمه مركة او التي يترددون عليها . وقد تعرضت العشرات من القرى إلى حملة إرهابية من قبل الجحوش الذين صعدوا من اضطهاد الفلاحين وعاثوا فسادًا، حيث يتم إطلاق الرصاص ليلاً لترويعهم ، كذلك تجري الإعتداءات على المواطنين وقت الحصاد، ويصل الأمر إلى إحراق محاصيلهم وحقولهم ومزارعهم من خلال هذا القصف بالطائرات وبالمدفعية بالقنابل المختلفة.اضافة الى قطع الاشجار من الغابات المحاذية للاراضي المحرمة لكي لاتستفيد منها الاهالي.
وجرى أيضًا تدمير بعض القرى في سهل أربيل في إطار حملات الأرض المحروقة (كنديناوه وقراح) وقرى شمامك وحرمانها من الأرزاق كالطحين والرز والسكر والشاي والدهن، ومن النفط والكاز والبنزين ومن الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء. وشمل هذا الإجراء حوالي 100 قرية فرض عليها ما سُمي بالحظر الإداري ومنع سكانها من تسويق منتجاتهم الزراعية النباتية والحيوانية، وحرمت عليهم مياه الآبار الإرتوازية التي أغلقت وتم سحب العاملين منها. وتم أيضًا غلق 125 مدرسة إبتدائية و4 مدارس متوسطة، وقد نجم عن ذلك تهجير سكان القرى وتشريد الالاف من سكان قرى السهل.
عفو الحكومة الكاذب
بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها السلطة الدكتاتورية في حربها ضد إيران، وفشل سياستها تجاه شعبنا العراقي والشعب الكردي بشكل خاص، حيث توسعت الفعاليات والعمليات العسكرية واشتدت الضربات التي تقوم بها فصائل الأنصار والبيشمه مركة للأحزاب الوطنية العراقية ضد قوات الجحوش والجيش النظامي.
كانت السلطة في بغداد تصدر قرارات العفو المتكررة عن الهاربين من الخدمة العسكرية، وعفوًا عن مطاردة الرافضين للحرب، وهذا يتضمن عفوًا عن الملاحقات القانونية للذين لا يريدون هذه الحرب المشؤومة، خاصة وأن الكثير من أبناء شعبنا قد رفض هذه الحرب ورفض أن يكون وقودًا لها ولهذا هرب الالاف منهم الى الجبل وبعيدا عن انظار السلطة، لهذا تخلفوا عن الخدمة. وطيلة وجودنا في كردستان اصدر النظام عدة قرارات من أجل كسب ود المواطنين وجماهير المنطقة التي ليست تحت سيطرتهم, ودعوتهم من خلال العفو إلى الرجوع إلى المدن لكي يكونوا تحت مراقبتهم، إضافة إلى أن لا يكونوا عونًا للأنصار والبيشمه مركة في مقارعة سلطتهم .كانت هذه القرارات الزائفة تصدر باستمرار.
ولكن السلطة كانت تعتقل أو تسجن أو تقتل كل من تلقي القبض عليه. فقد أصدرت قرارًا برقم 986 الصادر بتاريخ 21/7/1981 (وفق المادة 42 من الفقرة أ قرر مجلس قيادة الثورة. تمنع المحاكم ودوائر الشرطة من سماع أية دعوى ضد المفارز المكلفة بتعقب الهاربين والمتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية في حالة اضطرار تلك المفارز إلى استعمال القوة بهدف إلقاء القبض على الهاربين والمتخلفين، إذا ترتب على ذلك وقوع إصابات بدنية أو اضرار مادية. تغلق جميع القضايا المقامة ضد عناصر المفارز المشمولة بأحكام هذا القرار وتوقف التعقيبات القانونية المتخذة بحقهم. يتولى الوزراء المختصون تنفيذ هذا القرار) .
حكام العراق ومسؤولوه بمن فيه صدام كذبوا بإصدارهم قرارات العفو عن الهاربين أو السجناء من المواطنين العاديين أو السياسيين، حيث كثرت هذه القرارات التي تصدر بهذا الخصوص، وهذا العفو وغيره لم يعد يمكن أن ينطلي على حقيقة النظام وسياسته الديماغوجية ومدى الشكوك في مصداقيته، فالملاحقات تستمر بعد العفو، خاصة في ظل القوانين الجائرة والإرهابية التي تحكم المناضلين بالموت من قبل المؤسسات الفاشية والأجهزة المتمرسة في الإجرام.
البعض من المواطنين الذين استجابوا لقرارات العفو عادوا إلى مناطق سكناهم، حيث اضطرت جمهرة من العوائل المشردة التي عانت قساوة الحياة والتي دفعت إليها قسرًا عادت إلى مناطقها، ولكنها وضعت في مجمعات قسرية وتحت المراقبة، حيث لا تتوفر فيها أبسط مستلزمات الحياة الطبيعية، وتم حجز الشباب حيث عزلوا في أماكن خاصة.
إن الإستهتار بحقوق المواطنين هي صفة اساسية للنظام الدكتاتوري، لماذا يعادون مواطنيهم أو شعبهم ثم يعطون العفو! من أجل استمرار حكمهم الدكتاتوري الفاشي بالتأكيد. إن إجراءات السلطة في تكرار العفو لا تتيح لأحد الثقة فيها أو توفر المصداقية والاطمئنان.
الحكومة العراقية تعطي العفو بشروط وهذه الشروط في طياتها تدين المواطن الذي يقبل بهذا العفو. ولهذا وضع الحزب الشيوعي العراقي بعض المطالب في ذلك بحيث يقترن بقررات وإجراءات تتعلق بالحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن هذه المطالب: (تنفيذ قرار العفو دون قيد او شرط. إعادة الإعتبار للشهداء ممن تمت تصفيتهم بالتعذيب أو أعدموا، إلغاء القرارات والقوانين والمؤسسات التي تتنافى مع حقوق الانسان. ضمان الديمقراطية في البلاد دستوريًا وفعليًا وإطلاق الحرية للشعب في اختيار ممثليه. إطلاق حرية التنظيم والنشاط السياسي والنقابي والمهني وضمان حرية الرأي والصحافة. ضمان عودة المهجرين بدون قيد أو شرط وتعويضهم وضمان حقوقهم في المواطنة. إعمار القرى والقصبات والمدن المهدمة في كردستان وعودة ساكينيها. تحقيق الحكم الذاتي الحقيقي على أساس بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 ).
الحكومة العراقية أعطت العفو في 6 أيلول 1988، وقد رجع بعض الأهالي بعد الأنفال الذي سبق وأن تطرقنا إليه، جرى تجميع الأهالي حيث يتم استقبالهم من مفارز الإستخبارت العسكرية والتحقيق معهم في أجهزة الأمن ومنظمة الحزب الحاكم وبعد إحصائهم يتم نقلهم إلى أماكن خاصة وإرسال بعضهم إلى سجون خاصة، وهذا ما حدث مع أهالي السليمانية الذين نقلوا إلى ناحية عربت في السليمانية ثم إلى مجمع باين جان وبيره مكرون دون تهيئة أبسط المستلزمات، وآخرون وضعوا في مجمعات قسرية تفتقر إلى أبسط مستلزمات الحياة، تنتشر فيها الاوبئة والأمراض وتعاني الجوع والبرد، وكل يوم يدفن أبناء لهم بسبب قساوة الحياة في هذه المجمعات. ولا تعرف هذه العوائل مصير أولادها الشباب.
في 30/11/1988 أصدر مجلس قيادة الثورة قراره رقم 860 يعفو بموجبه عن الهاربين لأسباب سياسية، سواء كانوا داخل العراق أو خارجه، وحدد القرار مهلة شهر للذين هم داخل العراق وثلاثة أشهر إذا كانوا خارجه. لقد جاء توقيت القرار بعد الهجوم الكبير (الأنفال) على قوات المعارضة وضربه بالأسلحة الكيمياوية لحلبجة ومناطق كردستان الأخرى.
وفيما بعد أصدر مجلس قيادة الثورة قرار رقم 140 والذي يقول (إستنادا إلى أحكام الفقرة أ من المادة 42 من الدستور قرر مجلس قيادة الثورة ما يلي:
- يعفى عفوًا عامًا عن الأكراد العراقيين الهاربين خارج العراق وتوقف وقفًا نهائيًا الإجرءات القانونية ضدهم عن جميع الجرائم بشرط عودتهم إلى الوطن خلال مدة نفاذ هذا القرار.
- تستثنى من أحكام هذا القرار جرائم القتل العمد والسرقة والجرائم التي ليست لها صلة بظروف القتال في شمال العراق.
- يعمل بهذا القرار إعتبارا من 11/3/1990 ولغاية 11/5/1990.
- يتولى الوزراء والمختصون والجهات ذات العلاقة تنفيذ هذا القرار ). وجاء توقيت هذا القرار بعد بدء العمليات العسكرية في جميع أرجاء العراق.
لم يطبق النظام مادة واحدة من مواد ونظم حقوق الانسان، ففي كل مرة يعلن العفو ويضع شروطًا له، وقد خبرت الجماهير عفو النظام الذي ينطوي على الدفاع عن الجرائم الشوفينية وعقلية المناورة والاستهتار بحقوق الإنسان والتعددية الكاذبة.
لقد أصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانًا في الأول من كانون الأول 1988 (مؤكدًا فيه أن اشتراطات صدام واستثناءاته تجرد طروحات العفو من محتواه الحقيقي وتضفي عليه طابع ديماغوجي وتدخله في المناورات المعهودة) .
وكان رئيس النظام الدكتاتوري قد صرح في أكثر من مناسبة ومع وفود كثيرة ومنهم وفد من المحامين العرب إلى أنه يعمل من أجل إصلاحات، منها التعددية وحقوق الإنسان في البلاد وإلى العفو العام عن السياسيين، ويعتزم إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية عامة تعكس روح العصر.
ونحن نعرف أن النظام الدكتاتوري أصدر الكثير من القرارات بهذا الشأن، في حين يعتقل المواطنين ويمارس معهم طابع الإرهاب والعنف ويقوم بملاحقتهم وقتلهم، ثم يعود ويصدر قرار العفو بحقهم دون أية مصداقية. لقد حكم النظام على معارضيه بالموت سوى سلموا أو لم يسلموا أنفسهم. ففي ظل القوانين الإرهابية المنافية لحقوق الإنسان في ملاحقة المناضلين، يكون حكمهم بالموت من قبل المؤسسات الفاشية والأجهزة المتمرسة بالقتل والتجريم.
بعد الإنتهاكات والجرائم والمعاناة، يصدر النظام مجموعة من القرارات ومنها قرار العفو، وضحايا النظام تم التعرف عليها في المقابر الجماعية التي طالت أكثر من مليون ضحية كما تقول نشرة حقوق الانسان التي تصدرها لجنة الدفاع عن حقوق الانسان في العراق نيسان 1990.
ـــــــــــــــــــــــ
1 مذكراتي باني خيلاني ص 81
2 من يوميات طبيب مع البشمه مركة الانصار مهند البراك ص 161
3 رسالة العراق عدد 100 لسنة 1989 اب
4 ث ق عدد 155 حزيران 1984ص73 تجربة رائدة للشيوعيين في انجاز الاصلاح الزراعي /أبو لينا)
5 طريق الشعب عدد 7 في نيسان 1983
6 ريكاي كردستان جريدة اقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي عدد 4 السنة 44 تشرين الثاني 1988
7 الثقافة الجديدة عدد 223 تموز 1990
8 ركاي كردستان عدد9 ك الاول 1988