مدارات

الحزب الشيوعي المصري: صبر الجماهير بدأ في النفاذ.. وعلى السلطة حسم خياراتها

أكد تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري الصادر في فبراير 2015 على أنه .. " بعد أكثر من عام ونصف على 30 يونيو تجتاز مصر منعطفا تاريخيا عنيفا وخطيرا، تبرز ملامحه في هذه الحالة التي نعيشها من المراوحة والتذبذب وعدم الاستقرار الذي يلم بالأوضاع السياسية والاجتماعية مما أدى إلي تعثر الانتقال من نظام الاستبداد والفساد والتبعية إلي نظام جديد يحقق أهداف ومطالب ثورتي 25 يناير و30 يونيه في إنهاء التبعية وتحقيق التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وإنجاز عملية التحول الديمقراطي".
كما أشار التقرير إلي تأجج الصراع الاجتماعي والسياسي في المجتمع وداخل مؤسسات السلطة، وأكد على أن هناك خطوات إيجابية في مجال السياسة الخارجية وإقامة عدد من المشروعات الكبرى. إلا أنه حذر, في الوقت نفسه, من إن هذه الخطوات قد رافقها غياب رؤية سياسية وبرنامجية وخطة قومية للتنمية الشاملة تشارك في وضعها المؤسسات والقوى السياسية والشعبية, بالإضافة إلي عدم اتخاذ السلطة لأية خطوات ملموسة لتحقيق العدالة الاجتماعية, كما حدث تراجع واضح في مسار التطور الديمقراطي.
وخلص التقرير إلي نتيجة مفادها: "أن هناك مخاوف لدى قطاعات متزايدة من الشعب وخاصة في أوساط الشباب من الارتداد عن أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيه، وأنه لا يمكن الرهان على استمرار التأييد الشعبي للسلطة الحالية ما لم تحدد هذه السلطة خطة معينة برؤية سياسية واضحة تتضمن الأهداف التي ثار من اجلها الشعب وتعمل على تحقيقها, وما لم تتخذ إجراءات محددة لتغيير سياسات النظام القديم وتتبنى انحيازات ملموسة لصالح الأغلبية العظمي من الفقراء والكادحين".
والآن, وبعد مرور ثلاثة اشهر على صدور هذا التقرير, نجد أن المخاوف تتزايد والأوضاع تزداد تأزما والحكومة تتجه, بممارساتها, أكثر فأكثر, للانحيازها للأغنياء من رجال الأعمال والمستثمرين على حساب الفقراء والكادحين. ويزداد عجز السلطة عن مقاومة الضغوط الخارجية والداخلية الكبيرة والهادفة إلي تحجيم الدور المصري عربيا وإقليميا، والي الاستمرار في الاندماج في سياسات العولمة الرأسمالية وأتباع نفس النهج النيوليبرالي الذي أدى بنا إلي الكوارث الكبرى التي عانينا منها طوال عشرات السنين.
ففي مجال السياسة الخارجية
نجد أن هناك ترددا وتراجعا واضحين, لم يتم الإعلان عنهما ولم يقدم أي تفسير لهما, عن بعض الخطوات الإيجابية التي اتخذتها السلطة في الفترة السابقة للخروج من دائرة التبعية وتأكيد استقلالية القرار الوطني ومن أمثلة ذلك:
- تخفيض صفقة السلاح مع روسيا إلي 30% من قيمتها والتحول إلي التعاقد مع فرنسا على صفقة طائرات الرافال الأقل كفاءة من الطائرات الروسية, نتيجة لضغوط كبيرة من السعودية التي سوف تقوم بتمويل الجزء الأكبر من الصفقة.
- التردد في تنفيذ الاتفاق المبدئي مع روسيا الذي تم الإعلان عنه في زيارة بوتين إلي القاهرة لبناء المفاعلات النووية في الضبعة، وإعلان رئيس الوزراء المصري مؤخرا عن البحث عن شريك لتمويل الصفقة من خلال فرنسا او بلد آسيوي "كوريا الجنوبية", مما يؤدي إلي استمرار مسلسل التعطيل و المماطلة في تنفيذ هذا المشروع الحيوي والاستراتيجي استجابة للضغوط الخارجية .
- الارتباك الشديد في إبرام الاتفاقات الاقتصادية الهائلة مع الصين في إطار مشروعات محور قناة السويس وهناك الكثير من التساؤلات حول تأثير ذلك في تأجيل زيارة الرئيس الصيني لمصر .
- صمت السلطة الغريب والمريب عما يحدث في سوريا من تطورات خطيرة خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن خطتها لتدريب ما يسمى بالمعارضة السورية المسلحة بالمشاركة مع تركيا والسعودية والأردن, هدفها المعلن مواجهة إرهاب داعش في حين أن هدفها الحقيقي هو دعم الجماعات الإرهابية الأخرى لإسقاط النظام وتدمير الجيش ومؤسسات الدولة السورية.
- تراجع الدور المصري عن لعب دور فى التوصل إلى حل سياسي في اليمن والاكتفاء بالسير خلف السعودية وتسليم القيادة كاملة لها في هذا الملف, بما يمكن أن يتولد عنه من آثار سلبية وشكوك حول حقيقة الهدف المرجو من إنشاء القوة العربية المشتركة لمواجهة الإرهاب في المنطقة والتي دعت إليها مصر في مؤتمر القمة العربية الأخير.
وبالنسبة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
تتكشف كل يوم سياسات وممارسات الحكومة المعادية لمصالح الجماهير الشعبية وتنكرها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في الدستور .. فليست هناك أي خطة لتنمية اقتصادية اجتماعية على أساس تنمية وتطوير القطاعات الإنتاجية, بل ان هناك تركيزا أساسيا على الاستثمار العقاري ومشروع العاصمه الجديدة ، ذلك النهج الذي ظهر واضحا في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي.. ولم تظهر الحكومة أية رغبة حقيقية لمواجهة تزايد خطر الاحتكار وتغول رجال الأعمال، وغابت الرقابة على الأسواق ولم تتخذ أي إجراءات للحد من ارتفاع الأسعار, وتم التغافل عن تطبيق الحد الأقصى للأجور والمرتبات بعد توالي الأحكام القضائية لاستثناء فئات عديدة من مؤسسات الدولة (القضاة – البنوك - شركة الاتصالات) مستغلة عدم وجود تشريع محدد وارادة واضحة من الحكومة.. كما أن إعلان رئيس الوزراء بضرورة تشغيل مصانع القطاع العام المنهوبة والمغلقة ذهب في مهب الريح، بل وعادت الحكومة إلي تطبيق برامج الخصخصة بأشكال أخرى ملتوية من خلال إعلانها عن تأجير هذه المصانع والشركات للمستثمرين العرب والأجانب. وهم الذين لا يهمهم سوى تعظيم أرباحهم ضاربين عرض الحائط بأية أهداف اجتماعية او تنموية.
وفي الوقت الذي تواجه فيه السلطة احتجاجات الفلاحين في "سراندو" بمنتهى القمع, يتعرض العمال للفصل والتشريد بتهمة التحريض على الإضراب، ويتم الانبطاح الكامل أمام رجال الأعمال الذين كشروا عن أنيابهم في البورصة وهددوا بإعلان إفلاسها حتى سارعت الحكومة لتلبية مطالبهم في تأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة عامين, وظهر واضحا للعيان مدى قوة لوبي رجال الأعمال ونفوذه داخل الحكومة ومؤسسات الدولة. وفي الوقت الذي يطالب فيه الرئيس السيسي الجماهير الشعبية بالصبر وتحمل أعباء الأزمة الاقتصادية, خفت الحديث تماما عن أي مطالبة للأغنياء بذلك. ويستمر التمييز الطبقي والاجتماعي الصارخ في كل مجالات الحياة .. في التعليم والصحة والإسكان والتوظيف رغم مخالفته الصريحة لنصوص الدستور ومعارضته لكل ما نادت به الثورة من ضرورة تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
وفي المجال السياسي والديمقراطي يتم كل يوم التذرع بذرائع جديدة لتأجيل الانتخابات البرلمانية، وتجاهل مطالب الأحزاب والقوى السياسية بتعديل قانون الانتخابات البرلمانية مما يؤكد سعي الحكومة والسلطة للانفراد بالحكم دون رقابة، مع العلم أن أي تسويف في إجراء هذا الاستحقاق لن يؤدي إلا إلي عدم الاستقرار, وعدم استكمال الحكم مشروعيته الدستورية, وتراجع دور الأحزاب والقوى السياسية.
يترافق ذلك مع الحكم الجائر والغريب والمخالف للدستور الذى أصدرته احدى المحاكم, بتحريم الإضراب استنادا إلى الشريعة الإسلامية، ويترافق أيضا مع ما نراه من عبث تشريعي حكومي تمثل في القوانين المتعجلة التي صدرت لتحقيق مصالح الرأسمالية الكبيرة مثل قانون الاستثمار وقانون الخدمة المدنية، وسعي الحكومة إلي فرض وصايتها على قوانين تنظيم الصحافة والإعلام بهدف سيطرتها على هذا القطاع الحيوي، ونكوص الحكومة عن وعودها بتعديل قانون التظاهر والإفراج عن سجناء الرأي اللذين تطالب بهما غالبية الأحزاب والقوى السياسية.
ورغم الدور الوطني الذي تقوم به الشرطة في مواجهة الإرهاب وتقديمها لعشرات الشهداء إلا انه لا زالت هناك ممارسات قمعية لأي تحركات جماهيرية وانتهاكات وتعذيب في أقسام الشرطة للمواطنين نتيجة لعدم تغيير النهج القديم قبل الثورة وعدم إجراء إعادة هيكلة لجهاز الشرطة.
يتضح من هذا الرصد مدى خطورة الأوضاع التي باتت تهدد بعودة نفس نهج وممارسات نظام مبارك، ونحن وان كنا ندرك أن ميزان القوى في المجتمع يميل بشكل واضح الآن لصالح قوى اليمين وأنصار الثورة المضادة، إلا أننا نؤكد على أن الصراع داخل أجنحة السلطة والمجتمع لم يحسم بشكل نهائي بعد، وان الصراع الطبقي بأشكاله المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مازال محتدما في المجتمع وداخل مؤسسات وأجهزة الدولة، وان غالبية الجماهير الشعبية وعلى رأسها العمال والفلاحين والكادحين ما زالت تصبر على السلطة الحالية إدراكا منها لفداحة التركة الموروثة من جانب، ولحجم المخاطر التي تحيق بالوطن من جراء المخططات الخارجية وتصاعد خطر الإرهاب من جانب أخر. ولكن صبر هذه الجماهير الشعبية كاد أن ينفذ نتيجة التردي الشديد في أوضاعها المعيشية، وبسبب عدم إقدام السلطة على اتخاذ أية إجراءات ملموسة أو خطط محددة لتحقيق العدالة الاجتماعية, بل واستمرارها فى تقديم للمزيد من التنازلات لطغمة رجال الأعمال التي تسيطر على مقاليد الأمور وخاصة في أوساط الحكومة والأعلام.
وفي ظل احتدام هذه التناقضات فقد قارب شهر العسل على الانتهاء، وباتت تضيق المساحات أمام السلطة للمناورة ومحاولة كسب جميع الأطراف. وبات من المحتم عليها أن تحسم اختياراتها لان أمامها طريقين لا ثالث لهما, وعليها أن تسير فى أحدهما: فإما أن تخضع للضغوط الداخلية والخارجية وتعيد إنتاج نفس سياسات وممارسات النظام القديم بوجوه جديدة، مما يعني الدخول في حلقة مفرغة وانفجار المزيد من ألازمات وتزايد احتدام التناقضات, وهو ما يؤدي إلي اتساع الفجوة بينها وبين الجماهير الشعبية التي سوف تتحرك بطلائعها السياسية لتعيد تنظيم قواها مستفيدة مما حققته من مكاسب في ثورتيها, وخاصة كسر حاجز الخوف وإسقاط استبداد الدولة البوليسية وحكم الإخوان الذي كان يشوش على وضوح الرؤية حول الصراع الطبقي مع خصمها الأساسي إلا وهو الرأسمالية الكبيرة التابعة وخاصة شرائحها الطفيلية الكومبرادورية.
وإما أن تنحاز السلطة إلى الجماهير الشعبية التي تناضل من اجل تحقيق أهداف ومطالب ثورتي 25 يناير و 30 يونيه، وهو طريق إنقاذ الوطن من خلال وضع خطة واضحة للتغيير الجذري واتخاذ إجراءات ملموسة لمقاومة هذه الضغوط ومواجهة نفوذ لوبي رجال الأعمال. وعلى السلطة أن تدرك أن هناك إمكانيات وطاقات هائلة يمكن الاستناد إليها في هذه المعركة وذلك إذا ما توفرت لديها إرادة سياسية حقيقية مستندة إلي قاعدة شعبية فاعلة ومستفيدة من الأوضاع الخارجية المواتية مع بزوغ التكتلات الاقتصادية والسياسية العالمية المناوئة لانفراد سيطرة الولايات المتحدة كقطب أحادي على العالم .
وينبغي هنا إعادة التأكيد على ما جاء في تقرير اللجنة المركزية السابق الإشارة إليه من انه "من الضروري تعبئة وتوحيد جهود القوى الوطنية والديمقراطية وفي القلب منها قوى اليسار لتجاوز الإرث التاريخي من الضعف والتشرذم واستمرار نضالها في تعبئة وتنظيم الجماهير الشعبية وفي مقدمتها العمال والفلاحين في مسيرة النضال من اجل بناء نظام جديد يحقق أهداف الثورة المصرية وفي مقدمتها مواجهة الإرهاب مواجهة شاملة إنهاء التبعية وتحقيق الاستقلال الوطني على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية،وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهوم محدد وواضح منحاز للفقراء والكادحين يعيد توزيع الثروة والدخل ويلبي الحقوق الأساسية للغالبية العظمى من أبناء الشعب،وإنجاز التحول الديمقراطي وتعديل قانون التظاهر في ضوء ما توافقت عليه القوى الوطنية والإفراج الفوري عن المتظاهرين السلميين المقبوض عليهم وفقا لهذا القانون،و تحقيق تنمية شاملة معتمدة على الذات, أساسا, ومستندة بشكل رئيسي على دور الدولة والقطاع العام والتعاوني،ومكافحة الفساد والاحتكار بشكل حاسم, وفي كل المجالات.
20 مايو 2015 المكتب السياسي
للحزب الشيوعي المصري