- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 29 حزيران/يونيو 2015 19:12
اعداد: رشيد غويلب
*
يشهد اليسار الديمقراطي في صربيا مؤشرات نهوض واعدة يعكسها تأسيس شبكة «قمة صربيا اليسارية» (LSS) في كانون الأول 2013، والتي تضم 20 منظمة يسارية محلية، منها مجاميع يسارية، ونقابيون ، ومنظمات غير حكومة وعدد من مبادرات المواطنيين البديلة.
واستطاعت الشبكة تحقيق حضور في بعض وسائل الإعلام السائدة. وتكمن نقاط قوة وضعف الشبكة في هيكليتها اللامركزية، فمن ناحية يمثل التحالف العريض نقطة جذب لقوى جديدة، ومن ناحية اخرى تحول بنية الشبكة دون سرعة الوصول الى تصور مشترك . ومع ذلك يجد أكبر اتحاد نقابات للعمال في صربيا في الشبكة شريك حوار هام. وتسعى الشبكة الى تأسيس حزب سياسي، عندما تتوفر ظروف سياسية وتنظيمية افضل. وعلى الرغم من ان الشبكة لا تزال في بداياتها، الا ان تجربتها بنيت على اساس سلسلة من المواجهات السياسية المهمة. فجزء من الشبكة خرج من معطف الاحتجاجات ضد عمليات الخصخصة الإجرامية، وهنا يمكن الإشارة الى مقاومة منتسبي مصنع ادوية يورغا في مدينة زرينيانين، اذ تمكن 500 منتسب بواسطة حركة احتجاجية واحتلال المباني خلال سنوات 2004 / 2007 انقاذ مصنعهم من الخصخصة لفترة من الزمن. وتمارس مجموعة من العاملين السابقين في المصنع مهمة التشبيك لصالح الشبكة مع مجموعات عمالية خاضت صراعات مماثلة. والقسم الرئيس الثاني من قوام الشبكة يتشكل من نشطاء عرفوا عبر عمليات احتلال الكليات والمعاهد في جامعة بلغراد اثناء الحركة الإحتجاجية ضد اجور الدراسة المرتفعة. ويشارك في الشبكة ايضا شبيبة يسارية تهتم بقضايا البيئة. وبالمقارنة مع تجربة اليسار في سلوفينيا وكرواتيا، فان الشروط الأولية لبناء مشروع سياسي لليسار في صربيا اصعب. لأن عدم الإستقرار الأجتماعي في صربيا اعمق مما هو قائم في جاراتها، فمعدل الدخل يبلغ 350 يورو في الشهر، والحكومة المحافظة تنفذ برنامج تقشف قاسياً. والكثير من المواطنين يخوضون، بمعنى الكلمة، نضالا من اجل البقاء. ومئات الآلاف من الشبيبة غادروا منذ بداية التسعينيات البلاد. والإحباط والتفكك سائدان في الواقع الإجتماعي. وبالإضافة الى الإرتباك الإجتماعي، يسود البلاد نظام سياسي يصعب التفريق فيه، بالنسبة لإكثرية السكان، بين اليسار الليبرالي واليمين في اطار القوى المتنفذة. فبعد انهيار التجربة الإشتراكية في يوغسلافيا السابقة، نفذ الحزب الإشتراكي في صربيا بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش سياسة تعتمد التعبئة القومية، مصحوبة بسياسة اقتصادية يمينية قائمة على الخصخصة، وفي هذا السياق تشكلت نخبة قائدة من امراء الحرب والسراق زينها ميلوسيفيتش بخطاب «اشتراكي». وهذه التوليفة السياسة لا تزال قائمة في التحالف الحاكم الذي يقوده حزب الليبرالية الجديدة «الحزب التقدمي الصربي» المحافظ والمستبد بزعامة رئيس الوزراء الكسندر فويجج وبالتحالف مع الحزب الإشتراكي، والحركة الإشتراكية المنشقة عن الإخير. والتي تتبع خطابا سياسيا مماثلا لخطاب سلوبودان ميلوسيفيتش في عقد التسعينيات.ويعتبر رئيس الحركة الكسندر فولين قومياً متشدداً وعلى صلة وثيقة بالكنيسة الأرثوذكسية الصربية. وكوزير حالي للعمل فرض فولين في تموز 2014 ، وبالضد من رغبة جميع النقابات، «اصلاحا» ليبراليا جديدا لقانون العمل. ولكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار باستخدام خطاب «يساري» ان توظيف الخطاب الديماغوجي بالإستناد الى الإرث الإيجابي المتبقي من التجربة الإشتراكية من قبل اشتراكيي الحكومة القومية والليبرالية الجديدة يجعل صياغة سياسة يسارية ديمقراطية أكثر صعوبة بكثير مما هو عليه الحال في سلوفينيا و كرواتيا . اذ على اليسار الصربي ان يخوض صراعا ضد الليبراليين الجدد المكشوفين ، وكذلك ضد تحالف حاكم يوظف قسم منه خطابا ديماغوجيا مغلفا بقميص يساري ويملك علاقات قوية مع وسائل الإعلام السائدة، والنخبة الإقتصادية والمخابرات. يضاف الى ذلك إشكال آخر متمثل في الموقف الخاطئ لبعض قوى اليسار العالمي من حزب الرئيس الصربي السابق ميلوسيفيتش وخلفائه، بحجة معاداة الإمبريالية، وهو نفس المنهج الذي قاد قوى يسارية لدعم انظمة مستبدة في الشرق الأوسط كنظام صدام حسين. وعلى هذا الأساس يمتلك حزب اليسار اليوناني علاقات مع الحركة الإشتراكية في صربيا مستندة الى الدوافع التاريخية والدينية التي تربط اليونان بصربيا، فضلا عن البحث عن حلفاء في اطار السياسة الدولية وكذلك داخل القارة.
وهذا تباين آخر بين تجربة اليسار في صربيا ومثيلاتها في كل من سلوفينيا وكرواتيا. والمثير للانتباه ان قوى اليسار الديمقراطي في صربيا هي التي ساهمت في 15 حزيرن 2015 في يوم التضامن مع الشعب اليوناني وحكومته اليسارية، وغاب عن الإسهام فيه خلفاء سلوبودان ميلوسيفيتش الديماغوجيين.
ـــــــــــــــــــــــ
•عن مقالة تفصيلية لـ»بوريس كانزلايتر» رئيس مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية في جنوب اوربا، ومقره بلغراد