مدارات

نصف قرن على استشهاد المناضل عبد الجبار وهبي (ابو سعيد ) / د . رضا الشوك

العراق والعالم العربي بلا استثناء يعيش اليوم حالة مد وطني جارف. الاحلام تتطاير في الافق كأنها قطرات الندى، سرعان ما تتساقط على اوراق النباتات والشجر الخضراء لتصبح حبات عيون ساحرة شفافة تعلن في حياء عذري ان فجراً جديداً يمشي الهوينا على الطريق.

في خمسينات القرن العشرين اشرقت ثورة 14 تموز المجيدة 1958 مبددة جحافل الظلام وناشرة نور الحركة والمعرفة كما ينشر الفلاح حبات القمح ليصنع منها غذاء فيه منافع للناس.

في تلك الفترة تصدر جريدة "اتحاد الشعب" فيكتب فيها أبو سعيد وتساهم في اخراجها اسماء شابة يحملون جميعهم ملامح عصر جديد في كل شئ. وقد احبها الناس واعتبروها ضميرهم الناطق فأصبحت واسعة الانتشار بعد ان تحولت الى لحن مميز جميل يعبر عن تطلعات كل ابناء العراق.

ان أبا سعيد كان يتجه الى هدفه مباشرة دون تردد، يفكر ويلتقط أدق التفاصيل بذكاء حاد ومهنية رفيعة ولا يتوقف ذهنه المتوقد لحظة واحدة. انه "ابن ماجه" الملاح العربي القديم الذي لايخاف المجهول ويسعى لاكتشافه بجرأة ويمسك بأدواته بين اصابعه مبحراً وراء الكلمات المكتوبة او الافكار المكتوبة في صدور الاخرين، شخوصه الكوميدية بكل مفرداتها اللونية والحركية توقظ في حنايا النفس ذلك الكم الهائل من السخرية والدهشة والعبث ايضاً.

ولا عجب في ذلك لأن ابا سعيد حسب معرفتي الوثيقة به ثم صداقتنا الصادقة كان هو التواضع نفسه، وهذا هو جوهر الاديب والفنان الحقيقي، لا يعرف غير العطاء الجميل الذي يتحول الى شجرة موغلة الجذور وارفة الظلال غنية الثمار لا تخضع لتحولات الفصول، يقصدها دائماً كل ابناء الطريق.

اخيراً وليس آخراً، أرى أبا سعيد من جديد بعد سنين مديدة وشجرته "طريق الشعب" تطول السحاب لتلقي بظلالها وثمارها على كل السهول والوديان على امتداد مساحة وادي الرافدين رغم كل مؤامرات اعداء العراق.