مدارات

البرازيل.. تصاعد المواجهة بين اليسار واليمن

عادل محمد
بعد الأرجنتين وفنزويلا يحاول اليمين في البرازيل تصعيد الضغط على حكومة اليسار في البرازيل وصولا إلى إزاحتها من السلطة. وفي هذا السياق جاء التصعيد الذي أقدمت عليه النيابة العامة في "ساو باولو" في الرابع من آذار، بإرسال قوات الشرطة إلى منزل الشخصية اليسارية الأكثر شعبية، ورئيس الجمهورية السابق سلفيا دي لولا، واقتياده في سيارة غير مرخصة إلى مركز الشرطة في مطار كونغونهاس، والتحقيق معه لمدة 4 ساعات بتهم غسيل الأموال والفساد.
و "لولا" حكم البرازيل في سنوات 2003 – 2010 ، ولم يرشح لدورة ثالثة، لان الدستور البرازيلي يسمح للترشيح لدورتين متتاليتين. و يريد العودة والترشيح في انتخابات الرئاسة القادمة في البرازيل.
والتحقيق يتناول ملف الفساد المرتبط بشركة النفط الوطنية، الذي تتهم فيه أكثر من 50 شخصية من مختلف الكتل السياسية في البرلمان، وتوجه النيابة العامة للرئيس السابق، ضمن تهم أخرى، تهمة إخفائه امتلاك شقة فخمة في غواروجا. وينفي "لولا" ذلك بشدة. واعتبر رئيس فريق المكلف بالدفاع عنه، ان الاتهامات الموجهة اليه غير واقعية، وهي نتيجة لتحيز حزبي مكشوف، ومن جانبه حذر رئيس المعارضة في مجلس الشيوخ من مطالبة النيابة العامة بحبس الرئيس السابق، لانها تفتقر إلى اسس واقعية. وترافق عملية التحقيق حملة إعلامية مسعورة تنظمها اكبر مؤسسات الأعلام الخاص في البرازيل، إعادة مفردات العداء للشيوعية إلى الواجهة ، وجرى اختيار صحفيين معينين لتغطية ما يدور. وتطالب النيابة العامة باعتقال "لولا" على ذمة التحقيق بحجة عرقلة الاحتجاجات الواسعة التي سينظمها أنصار المتهم، و"حماية النظام العام".
ان سلوك النيابة أدى إلى تصعيد الأزمة السياسية في البرازيل، لأنه جاء غداة التظاهرات الكبيرة التي نظمها اليمين، الأحد الفائت، للمطالبة بعزل رئيسة جمهورية البرازيل دليما روسيف، التي اعتبرت التظاهرات بعد اجتماعها بفريقها "جزءا من الديمقراطية، ويجب على الجميع احترامها، وان مسار التظاهرات السلمي يعكس حالة النضج المتحققة في البرازيل". ووظف اليمين المتطرف اجواء التصعيد للمطالبة بتدخل الجيش. يذكر ان دكتاتوريات العسكر قد حكمت البلاد خلال سنوات 1964 – 1985 . ومن جانب آخر يجري التحقيق مع رئيسة الجمهورية الحالية بتهم تتعلق بملف تبرعات غير شرعية لحزب العمل الحاكم، واتهام روسيف بإخفاء معلومات تتعلق بالملف شركة النفط الوطنية.
وتتضمن حملة تفكيك السلطة التي يقودها اليمين التأثير على حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، للخروج من التحالف الحاكم. وقرر مؤتمر للحزب عقد مؤخرا تكليف قيادة الحزب، بزعامة نائب رئيس الجمهورية ميشال تامر، باتخاذ قرار نهائي في غضون 30 يوما بشأن مغادرة التحالف الحاكم من عدمه. ومن المعروف ان روسيف فازت بانتخابات الرئاسة في تشرين الأول الفائت، بعد صراع صعب مع اليمين بحصولها على 57 في المئة.
ومنذ حالة الركود الاقتصادي التي دخلتها البرازيل تصاعد عدم الارتياح في أوساط واسعة من السكان، وانتهت بذلك سنوات الهدنة في البرازيل. وعلى الرغم من تحالف اليسار الذي حكم االبلاد منذ عام 2003 لم يطرح مسألة تجاوز النظام الرأسمالي، الا ان حكومة "لولا"، وبعده روسيف عززت سلطة المؤسسات، وتبنت توجهات اجتماعية واقتصادية تقدمية، وخلقت فرصا اكبر للتعليم، وتبنت برامج اجتماعية استفاد منها الملايين، وقلصت الفقر بنسب عالية. مثل برنامج "عائلتنا". وفي السياسة الخارجية اعتمدت الحكومة توجه تقدمي ركز على الابتعاد عن دوائر تأثير الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز التعاون مع حكومات وشعوب امريكا اللاتينية، وتنشيط دور البرازيل في اطار مجموعة "البريكس"، ودعم قضايا الشعوب العادلة، وخصوصا قضية الشعب الفلسطيني. ولكن جزءا من كادر الحزب الحاكم توافق مع قواعد النظام الرأسمالي، واعتمد إصلاحات فوقية خلقت حالة من التباعد بين حزب العمل والحركات الاجتماعية التي كانت مساهما رئيسا في تحقيق سلطة اليسار.
ويبدو ان الرئيس السابق، وزعيم النقابات الأسبق مصمم على العودة إلى حلبة الصراع، للدفاع عن التجربة التقدمية التي قاد انطلاقها. وهناك خطط لضمه للكابينة الوزارية بهدف رفع درجة التأييد للحكومة بين الأوساط الشعبية مجددا، فضلا عن توفير حصانة له في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها. وفي تطور لا حق قررت قوى اليسار والنقابات والحركات الاجتماعية تنظيم تظاهرة تأييد كبرى في جميع إنحاء البلاد، للدفاع عن المكتسبات الاجتماعية المتحققة وضد "انقلاب" اليمين.