مدارات

ضاحية "مولنبيك".. وكر إرهاب في بروكسل؟

رشيد غويلب
حتى قبل ان تتبنى داعش الهجمات الإرهابية الأخيرة في العاصمة البلجيكية بروكسل، توجهت انظار المختصين والمتابعين إلى ضاحية "مولنبيك" ، التي عاش فيها الإرهابي صلاح الدين عبد السلام، وفيها جرى تعقب آثار منفذي جرائم باريس. ويقول صحفيون اوربيون، عندما ما يبحث الإرهابيون عن مخبأ لهم في اوربا، يجدون في هذه الضاحية ضالتهم المنشودة. يبلغ عدد سكان الضاحية 100 الف، وتبلغ نسبة المهاجرين المسلمين بينهم 40 في المئة. إن غياب سلطة القانون في هذه الضاحية عميق الجذور، فقبل ان تحدث تفجيرات تشرين الثاني 2015 قال وزير الداخلية البلجيكي: "لا سيطرة لنا على الوضع في " مولنبيك". وبعد هجمات باريس قادت التحقيقات مباشرة إلى هذه الضاحية حيث تم اعتقال عدد من الإرهابيين، جميعهم في عمر الشباب كان آخرهم صلاح عبد السلام.
ويؤكد المتابعون ان العلاقة بين الجاليات المسلمة في كل من فرنسا وبلجيكا قوية جدا، لانحدار اكثرهم من بلدان شمال إفريقيا، وتجمعهم لغة المستعمر الفرنسي السابق. ولكن الجاليتين يختلفان من حيث التوزيع الجغرافي. ويقول مدير شبكة EMRID للبحوث في بلجيكا: "هناك جالية مسلمة كبيرة في فرنسا، ولكنها موزعة جغرافيا في جميع أنحاء البلاد، في حين يتركز القسم الأكبر من هذه الجالية في بلجيكا، في العاصمة بروكسل، وخصوصا في الأحياء العمالية القديمة، وفي مولنبيك يتركز المتطرفون منهم"، كما يقول مدير مركز البحوث.
وتوفر هذه الضاحية ارضا خصبة للشبيبة المسلمة، وكما هو الحال في فرنسا تعاني الشبيبة هنا من التمييز من قبل اكثرية المجتمع. وكذلك من معدلات البطالة المرتفعة، والكثير منهم لا يرى آفاقا لمستقبل مستقر، "إن هذا يخلق ريبة كبيرة تجاه المجتمع" ، "و الشبيبة لا يتوقعون خيرا من الحاضر، وبالتأكيد لا شيء من المستقبل. كل ما يبحثون عنه هو المغامرة والهرمونات المهيجة" كما يقول مدير مركز البحوث. وان هذا الحي كان على الدوام مرتعا للجريمة.
وبالتالي يوظف الإرهاب هذا الواقع ويطرح نفسه بديلا لاحتواء الشبيبة الضائعة بين الفقر والجريمة واللا مستقبل. ويعمل الإرهاب على تحويل هيكلية الجريمة المنظمة إلى هيكلية للإرهاب. وبهذه الطريقة تم شراء الأسلحة التي استخدمت في الهجوم على مجلة "شارلي ابدو" الفرنسية الساخرة، وعلى السوق اليهودي، وكذلك على المتحف اليهودي في بروكسل. ومن هذه الضاحية قدم أيضا الكثير من الجهاديين الذي شاركوا في الحرب الدائرة في سوريا، وتقدر السلطات البلجيكية عددهم بأكثر من 400 مقاتل. وعندما يعود البعض منهم يثير اهتمام السلطات هناك. ويلعب التوزيع الجغرافي في بلجيكا هو الآخر دورا في ما يحدث، فالعاصمة بروكسل تقع في المنطقة الحدودية الداخلية الفاصلة بين اقليم الفلمنك والمنطقة الناطقة بالفرنسية. والسلطات في جزئي البلاد لا يتواصلان مع بعضهم البعض كما هو مطلوب. وهناك في منطقة العاصمة وحدها ست مؤسسات أمنية مختلفة تتبع أساليب تعامل مغايرة، كما اعترف بذلك وزير الداخلية البلجيكي في الخريف الفائت.
غرب أوربا والإرهاب
عد معلقون أوربيون تفجيرات بروكسل رد على اعتقالات الأسبوع الفائت التي طالت بعض الإرهابيين البارزين. ويبدو ان الإرهاب تمكن في الاشهر الأخيرة من ان يجد لنفسه موطئ قدم في اوربا، وها هو يعاقب الأبرياء مرة أخرى.
وتحمل قوى اليسار في القارة جزءا كبيرا من مسؤولية ما يحدث على السياسات التي اعتمدتها وتعتمدها مراكز الراسمال الحاكمة. لقد عاش الشمال لعدة قرون على حساب بلدان الجنوب. وسياسة المتنفذين الحالية لم تغير من هذه الحقيقة شيئا. فكبار السلطة يخوضون حروبا بالنيابة في بلدان الأزمة، ويقومون بدعم مجموعات مسلحة وفق مصالحهم وأولوياتهم في ممارسة فاضحة للنفاق السياسي. وتجري التضحية ببلدان بأكملها. والاسلحة المؤثرة التي تديم الصراع ومعه التطرف قادمة في المقام الأول من غرب القارة. وترفض اوربا استخدام قدراتها الدبلوماسية الهائلة للتخفيف من حدة الصراعات، ناهيك عن انهائها. و"تعجز" عن تقديم وصفة للتقليل على الأقل من ضحايا جرائم الإرهاب.
ولا يحتاج المرء لقدرة كبيرة على التنبؤ لكي يقول باستمرار دوامة العنف: جرائم ارهابية تتبعها مداهمات، تتبعها اعتقالات واسعة في صفوف الإسلاميين المتشددين والمواطنين المسلمين على حد سواء، وتجاوزات واعمال "انتقامية"