مدارات

من أرشيف الكومنترن (4) تقرير قاسم حسن (القسم الرابع) *

الحرب بين العراق وبريطانيا – (زهير نعيم)
ترجم التقرير عن الروسية: د.عبد الله حبة
في 26 أبريل 1941 نبهت الحكومة البريطانية عوائل المواطنين الانجليز في جميع انحاء العراق، الى وجوب السفر فوراً الى سن الذبان، وفي 28 - 29 ابريل، توجهت فرقة ميكانيكية من الجيش العراقي وطوقت سن الذبان، وكان يقود هذه الفرقة فهمي سعيد أحد قادة الجيش، فطلبت قيادة القوات البريطانية ان ينسحب الجيش من سن الذبان، فرد الجيش العراقي بأن هذه أرض عراقية، وله الحق التام في البقاء هناك، والقيام بتحركات حيث تجد ذلك ضرورياً.
وفي فجر 2 مايو فتحت القوات البريطانية في سن الذبان، النار على القوات العراقية وبدأت الحرب، ووجد أهالي بغداد في شوارع المدينة، الكثير من المناشير الموقعة باسم السفير البريطاني كارنيل تشاليس الذي وصف رشيد عالي الكيلاني، وقادة الجيش بانهم عملاء مأجورون لألمانيا، واعلن ان هذه الحرب ليس ضد الشعب العراقي بل انها حرب ضد رشيد عالي والعملاء الفاشست.
وفي الاسبوع الأول من الحرب سيطرت القوات البريطانية على بغداد والعشار في الجنوب، وفرض نظام سلطة محلية هناك، ونورد كمثال على السياسة البريطانية سلوك الانجليز في البصرة بعد دخول القوات البريطانية الى هناك، علماً ان القوات العراقية كانت موجودة هناك أيضاً، فاحتلت القوات البريطانية احياء سكن اليهود، واطلقت النار على القوات العراقية، وقد سعت بهذا الى استثارة الاشتباكات والعداء بين العرب واليهود، حاولت اثبات ان ما يحدث هو تمرد ألماني – فاشستي فقط، وأرغمت القوات البريطانية اليهود على افتتاح متاجرهم ودكاكينهم وأرغمت العرب على نهبها، وهو ما استغله العملاء الالمان فعلا، وبدأوا الدعاية ضد اليهود في بغداد.
في هذا الوقت أصدر الحزب الشيوعي نشرة سرية دعا فيها الناس الى عدم الانسياق الى خداع الدعاية البريطانية والفاشية لأن الهدف الرئيسي للسياسة البريطانية هو اضعاف القوى الداخلية للشعب، أما الهدف الرئيسي للدعاية الالمانية فهو السعي الى تزييف نضالنا وتحويله الى حركة فاشية، وبنتيجة ذلك تسلل الاستفزازيون باعتبارهم ابرياء، اما اليهود الشرفاء فقد تعرضوا الى هجمات الاهالي.
وقد احتلت القوات البريطانية منطقة البصرة، وفي 10 - 15 مايو هزمت القوات العراقية وكذلك في الجبهة الشرقية عند سن الذبان.
الشعب والدعاية البريطانية والفاشستية
لقد ناضل ابناء جميع طبقات المجتمع، وحتى رجال الدين، ضد الامبريالية البريطانية، وكان يأتي الى وزارة الدفاع يومياً آلاف الناس معلنين استعدادهم ورغبتهم في الذهاب الى الجبهة، ووقفت الصحافة كلها، كما في أي وقت مضى، ضد الامبريالية البريطانية موقفاً حازماً.
وفي هذه الفترة شددت دوائر التجسس البريطانية والألمانية نشاطها، ووضعت ألمانيا دعايتها التخريبية بشكل يبدو وكأنها تساعد العراق في نضاله التحرري، وكان الراديو الذي يبث باللغة العربية في المانيا يعلن ان المانيا تناضل سوية مع العراق، وحاولت استثارة الشعب للنضال ضد الامبريالية البريطانية ولكن عندما حل يوم 16 مايو وهزمت القوات العراقية في سن الذبان، تغيرت اتجاهات تفكير الناس حيال الدعاية الالمانية.
وقد استغلت العناصر الثورية هذا الوضع من أجل تشديد دعايتها ضد الرأسمالية والفاشية، وأرسلت المانيا في 6 طائرات بعثة سياسية وعسكرية الى العراق واسقط اريدو محمد وهو أحد المقاتلين الشيوعيين احدى هذه الطائرات التي كانت فيها بعثة عسكرية مؤلفة من 6 أشخاص، اما الطائرات الاخرى فقد عادت الى كركوك (منطقة استخراج النفط)، وبعد ذلك ارسلت 10 طائرات اخرى اسقطت القوات البريطانية بعضها.
عندما جاء السفير الالماني غروبه (رئيس مركز التجسس الالماني في الشرق الاوسط) الى العراق وقعت في يده خارطة هي النسخة الوحيدة لخارطة سن الذبان فأرسلها الى المانيا.
عندما رأى الضباط في الجيش العراقي ان قواتهم العسكرية هزمت أمام القوات البريطانية، بينما ارسلت المانيا خبراءها بغية السيطرة على النفط العراقي، فانهم ادركوا عندئذ فقط مدى خطورة الوضع والتهديد الخطير الذي كان يشكله احتمال احتلال المانيا للعراق.
ونحن نرى الآن، مهما قيل عن استغلال الفاشست الالمان المعسكرات السياسية المختلفة الموجودة في العراق، وكذلك خصائص البلاد ومنها جهل وتخلف الشعب واتجاهات التفكير ضد الامبريالية البريطانية، وخيانة بعض العناصر البرجوازية التي أصبحت من عملاء الفاشية الالمانية، فان الحركة في العراق بقيت مع هذا حركة جماهيرية ونضالا جماهيريا من أجل التحرر الوطني، وحركة ضد الحرب.
لا ريب في ان وعي الجماهير كان ثورياً، انها كانت ضد الامبريالية والافعال القمعية للحكومة، ولم يكن هذا الوعي الجماهيري نتيجة الدعاية الالمانية، بل انبثق بنتيجة السياسة الاستعمارية البريطانية التي كانت تمارس في الاقطار العربية، لقد كان ذلك نتيجة تاريخية طبيعية لتقدم البشرية ووعيها.
ومن الطبيعي تماماً ان توجد في كل مجتمع اقطاعي ورأسمالي عناصر طفيلية في اوساط الطبقة المتوسطة والطبقة العليا، تكون مستعدة لخدمة الدول الامبريالية الأجنبية، بهدف المحافظة على امتيازاتها، ان نشاط هذه العناصر يجب ألا يزوّر الحركة الجماهيرية الثورية.
حينما بدأ الجيش العراقي الانسحاب، شكلت جميع العناصر التقدمية والشيوعية فصائل أنصار بدأت تقاتل بالقرب من مدينة الفلوجة، على نهر الفرات، التي احتلتها القوات البريطانية، وتشكلت عدة تنظيمات في بغداد بهدف توفير السلاح الى الأنصار، وانضم آلاف المقاتلين في الجيش الى صفوف الانصار، لكن الجيش البريطاني غير اتجاهه بهدف تطويق بغداد.
في 22 مايو كانت القوات في طريقها الى بغداد، وفي هذه الاثناء هرب أربعة وزراء الى خارج البلاد، ومنذ ذلك اليوم اتخذت الحركة طابع ثورة، وتوقفت جميع العناصر الموالية للفاشية والرجعية عن القتال وهربت، وقررت جميع العناصر الثورية بقيادة يونس السبعاوي مواصلة القتال وطلبت المساعدة من الاتحاد السوفيتي، وليس من المانيا الفاشية، وبدأ الشعب يحمل السلاح لدعم الحركة.
في هذه اللحظة أصدر الحزب الشيوعي منشورا، وضّح فيه المهمة الثورية الجديدة، ودعا الى تعيين وزراء جدد بدلاً من المعادين، والى تحسين الوضع الاقتصادي للشعب، ودعا الحزب الى تطهير البلاد من العناصر الفاشية التي أرادت تنظيم حركة رجعية ضد الاقليات القومية، ودعا العمال والفلاحين الى ايجاد حركتنا، في هذه اللحظة الحرجة، هي حركة وطنية – ثورية ضد الفاشية والامبريالية، وانها ضد العدوان البريطاني على بلادنا.
لقد أظهر زحف القوات البريطانية على بغداد وقصفها المستمر من الجو بأنه توجد في البلاد مجموعة كبيرة، موالية لبريطانيا، تعمل ضد الحركة الثورية، وتساعد الجيش البريطاني في الزحف على بغداد.
حدث هذا في الوقت الذي أظهر فيه أعضاء الحكومة ضعفهم وخاف الخونة من تنامي الحركة الثورية.. ان هذه الفئة من الخونة حين رأت تردد بعض أعضاء الحكومة أصدرت أمراً بنزع جميع سلاح الشعب، عندئذ قررت جميع العناصر الثورية التي يقودها الحزب الشيوعي تشكيل حكومة ثورية برئاسة يونس السبعاوي، وكان هدفنا الأول هو تطهير البلاد من العناصر الفاشية، وتنفيذ عدد من التدابير الاقتصادية التقدمية في البلاد، وابتغاء استقلال العراق التام والوقوف بعيداً عن الحرب، واعلن بواسطة الراديو ان يونس السبعاوي هو رئيس الحكومة، وكنا على استعداد لبدء المفاوضات مع الحكومة البريطانية بشرط الابقاء على استقلال بلادنا،
وفي اليوم نفسه شن الخونة حملة اعتقالات للعناصر التقدمية والثورية في البلاد، فاعتقل أكثر من 1000 شخص، وتم حل المنظمات الشعبية التي تأسست في فترة الحرب، ودعا الخونة يونس السبعاوي وقادة الحركة الثورية والفدائية الى المفاوضات، ثم جرى اعتقالهم جميعاً، وتم نفيهم الى ايران، وقبل يومين من ذلك، هرب الى ايران رئيس الوزراء والوصي وعدد من الوزراء وأربعة جنرالات في الجيش.
الاجراءات الاقتصادية لحكومة الكيلاني التي نفذت في مايو 1941
اننا كنا دائماً نؤكد للحكومة في صحفنا وفي بعض المقالات، ضرورة تصفية البنوك الاجنبية وتأسيس بنك وطني برأسمال وطني يمارس دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية للبلاد، وقد توفرت في مايو الفرصة لتنفيذ هذه المهمة، فتأسس بنك وطني برأسمال أهلي وحكومي، وبهذا تم اضعاف مواقع الرأسمال الاجنبي في العراق.
وبما انه يتولى المناصب القيادية في الجمارك العراقية موظفون انجليز، فانهم كانوا يضعون شتى العقبات أمام التجارة مع سوريا، وفي مايو 1941 تم تسريح جميع الموظفين الانجليز وبهذا ازيلت الصعوبات في هذا المضمار.
كانت أسعار الخبز قبل مايو، قد ارتفعت لدرجة أثرت كثيراً في وضع الجماهير، واستحدثت الحكومة عدة دوائر تولت الاشراف على كثير من المحلات التجارية واشترت الحبوب والزيوت بنصف السعر وبدأت ببيع هذه السلع الى الفقراء بأسعار منخفضة، كما أخذت في الحسبان كافة احتياطيات السكر في البلاد، وبدأ توزيعه على السكان بموجب كوبونات، وبهذا توفر السكّر للجميع بأسعار منخفضة.
لقد وجدنا ان من واجبنا تهديم احدى الركائز الرئيسية للامبريالية البريطانية في العراق وهي السيطرة على النفط، وفرضنا في مايو سيطرتنا على جميع شركات النفط مثل "مابين النهرين" (شركة ميسوبوتاميا) وشركة نفط العراق وشركة النفط البريطانية.
وكانت المنطقة الخاضعة لشركة نفط العراق تبلغ 35 ألف ميل مربع، والمنطقة التابعة لشركة النفط البريطانية تبلغ 42,968 ميل مربع، ومنطقة شركة الرافدين تبلغ 753 ميل مربع.
وكانت شركة نفط العراق تصدر ما يربو على مليون طن من النفط سنوياً، وتبين ان الشركة كانت تعطي الحكومة معطيات غير صحيحة، فكانت تعلن انها تنتج مليون طن، في حين انها كانت تنتج في الواقع مليونين، أما شركة النفط البريطانية فكانت تنتج ما يقرب من مليون ونصف المليون طن من النفط سنوياً، ويمكن الحكم بموجب هذه المعطيات على الأهمية الكبيرة لمصادر النفط بالنسبة الى البلاد.
عندما وضعت الحكومة يدها على هذه الشركات في مايو لم يتوفر لديها عدد كبير من الخبراء في هذا المجال، وتوقف العمل في حقول النفط، وكان يستخرج ذلك القدر من النفط الذي تحتاجه البلاد، ووجه للعمل في حقول النفط ممثلو الانتلجنسيا ذوي النزعة الثورية، الذين تولوا الاشراف على العمل في حقول النفط.
عندما ارسل الفاشيون الالمان خبراءهم في النفط الى بلادنا، قمنا سوية مع العناصر الثورية والتقدمية، وكذلك مع مدراء شركات النفط بأن من الأفضل تدمير غالبية ابراج استخراج النفط بدلاً من تسليمها الى عملاء الالمان، وهذا ما فعلناه.
(زهير)
سبتمبر 1941
* من وثائق الكومنترن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "الثقافة الجديدة"
العدد 382
آيار 2016