- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 24 تموز/يوليو 2016 18:25

كان العشرون من تموز الجاري بالنسبة لضحايا مجازر عام 1965 في اندونيسيا يوما تاريخيا، حيث اعلنت "المحكمة الشعبية الدولية 1965 " قرارها بشان القضية، كانت المحكمة قد بدأت جلساتها في لاهاي في تشرين الثاني 2015 .
وسبقت ذلك حملة نظمها الناجون من المذابح في داخل البلاد وخارجها ونشطاء ومختصون بجمع شهادات ووثائق تخص ما حدث. وليس لقرارات المحكمة تبعات قانونية، ما عدا "رد الاعتبار الأخلاقي للضحايا" ، كما اشار رئيس المحكمة الجنوب افريقي زاك ياكوب. واعتبرت المحكمة العنف الممارس منذ عام 1965 جريمة ضد الإنسانية تتحمل الدولة الإندونيسية مسؤوليته . وأشارت إلى أن ما حدث في حينه، و بالاستناد إلى "اتفاقية الإبادة الجماعية" لعام 1948 يمثل " واحدة من أكبر جرائم الإبادة الجماعية في القرن العشرين". وان الحكومة مدانة "بجرائم قتل وحشية طالت قرابة نصف مليون ضحية"، حسب قرار المحكمة, في حين تصل تقديرات اخرى لمجموع ضحايا الانقلاب الى 3 مليون. وبالإضافة إلى ذلك ،اشار قرار الحكم الى الاعتقالات التعسفية التي طالت قرابة 600 الف مواطن، وكذلك الاسترقاق والتعذيب والعنف الجنسي "وحالات الاختفاء القسري". وشمل القرار ايضا ضحايا اسقاط الجنسية من المواطنين الذين انتقدوا الإنقلابيين وكانوا حينها خارج البلاد، ولم يتمكنوا من العودة الى موطنهم الأصلي. وحمل القرار حكومات الولايات المتحدة، وبريطانيا واستراليا مسؤولية التواطؤ مع الإنقلابيين. واعطى القرار اهمية لدور الأكاذيب ودعاية نشر الكراهية التي سعت الى نزع انسانية الضحايا وشرعنة العنف. وقدمت المحكمة ثلاثة نصائح لحكومة جاكارتا: الاعتذار للضحايا، وتقديم تعويض معقول لعوائلهم، التحقيق مع الجناة ومعاقبتهم.
الكاتب الإندونيسي والسجين السياسي السابق مارتن أليدا، واحد شهود المحكمة، شكر في جاكرتا المحاميين والقضاة: "بالنسبة لي هذه لحظة مشحونة بالمشاعر". وعبر عن خيبة أمله في خطاب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو امام القادة العسكريين مشددا "رفضه تقديم الاعتذار للحزب الشيوعي"، وقال اليدا "ان القضية لا تتعلق بالدفاع عن الحزب الشيوعي، بل بتقديم الاعتذار للضحايا".
واكدت الصحفية والسجينة السابقة "سيري لستيافالتي" اهمية الإعتذار الحكومي بالنسبة لإمكانية فهم التاريخ من قبل الأجيال الشابة. بالإضافة الى ذلك ذكرت بعواقب سياسة الانقلابيين الاقتصادية الراسمالية على اقتصاد البلاد الى اليوم: "ان "شعبنا يعاني من الفقر. وانتشار سلسلة السوبر ماركت الكبيرة في كل مكان، ادى الى موت الأسواق التقليدية في البلاد".
وبرزت اهمية مراجعة الماضي بالنسبة للشبيبة من خلال التعليقات التي صاحبت النقل المباشر لقرار المحكمة عبر الإنترنيت، وطالبت بعض التعليقات : "بضرورة ادراج هذه المعلومات في المناهج الدراسية".
والمحكمة الشعبية العالمية لمذابح 1965 تعمل على غرار ما فعلته محكمة الفيلسوف البريطاني المعروف برتراند راسل، الذي شكل مع عدد من الشخصيات الثقافية في بريطانيا عام 1966محكمة شعبية مختصة بالكشف وتوثيق جرائم الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية. وهذا الفيلسوف الانساني كان من ابرز الشخصيات التي ساهمت في فضح جرائم انقلابيي 8 شباط 1963 في العراق، بمشاركة فعالة من الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين المقيمين في بريطانيا حينها، وكان من ابرز من عملوا معه الشهيد الشيوعي خالد احمد زكي.
وحتى تنازل الدكتاتور سوهارتو في عام 1998 عن السلطة كان من المستحيل للناجين من المجزرة التحدث علنا عما حدث، ناهيك عن المطالبة بإعادة اعتبارهم، او التعويض عن ما لحق بهم من أذى. فقد كانت سياسة الدولة مضادة بالكامل لاي توجه لفتح ملفات الجريمة ومعاقبة المجرمين.
و كانت ذرائع تنفيذ الانقلاب والمذابح التي رافقته، تتمحور حول اتهام الشيوعيين باختطاف سبعة جنرالات في عام 1965 واغتيالهم (وهو اتهام كاذب). وعمل إعلام الانقلابيين على وصم الشيوعيين بالخيانة الوطنية، وبرر عمليات الإبادة الجماعية. واستمرت الحكومة طيلة ما يقارب خمسة عقود، في اثارة المخاوف من "شبح الشيوعية" حتى بعد توجيه ضربة كبيرة للحزب الشيوعي الاندونيسي وقوى اليسار في البلاد.