مدارات

الأرجنتين.. تصاعد المقاومة لنهج الليبرالية الجديدة / رشيد غويلب

مرت ستة اشهر على تولي اليميني المحافظ مارسيو ماكري مهام رئاسة الجمهورية في الأرجنتين، ومعه عاد نهج الليبرالية الجديدة ليسود السياسة الاقتصادية في البلاد، ولتبدأ الحكومة في عملية اعادة هيكلة، وقد واجهت مقاومة شجاعة من النقابات العمالية والحركات الاجتماعية وقوى اليسار السياسية. ويقول المتابعون ان هناك العديد من مؤشرات التشابه مع حركة الاحتجاج التي سادت الارجنتين قبل وصول اليسار إلى السلطة، بدءاً من عام 2001، حيث انتقلت الحركة حينها من الدفاع الى الهجوم. لقد كان رد الفعل على الإجراءات الحكومية قويا، وخصوصا بعد التسريح الجماعي لعمال القطاع العام، وعلى الرغم من مواجهة الحكومة للحركة الاحتجاجية جزئيا بالعنف، الا ان نجاحا لافتا كان حليف المحتجين. لقد اعيد الكثير من المسرحين قسرا الى اعمالهم. ويعكس هذا استفادة النقابات وحركة اليسار من دروس تجربة 2001 التي اكدت ان وحدة الحركة وتضامن قواها وانتقالها الى الهجوم كفيل بتحقيق اهدافها.
وتتقدم الحركة الاحتجاجية النقابات العمالية لقدرتها الكبيرة على التعبئة، وخصوصا نقابة العاملين في القطاع العام، ولكونها الاكثر تضررا من اجراءات الحكومة. والى جانب النقابات تلعب الحركة الطلابية دورا داعما مؤثرا، ولم تشهد الأرجنتين منذ سنوات هذه القدرة التعبوية التي يطلع بها التلاميذ والطلبة اليوم، فهم يتضامنون مع مطالبات اساتذتهم في رفع رواتبهم لكي تستطيع مواجهة معدلات التضخم المرتفعة، ومن جانب آخر يطرحون مطالبهم الخاصة في ظروف تعليم افضل وتطوير في البنية التحتية، وخفض اجور النقل العام. ويشير المتابعون للتطورات في الحركة الاحتجاجية الى تداخل الاجتماعي بالسياسي مما يسهل على الحركة رغم اتساعها تبني استراتيجة مشتركة. ومن الضروري ان تستعاد الثقة بالأحزاب السياسية، وان تطرح الأخيرة بدائل توحد قوى وتشكيلات الحركة الاحتجاجية.
وتأتي السياسة الخارجية لليمين لتصعد حدة الصراع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في البلاد. لقد عملت حكومة مكري على توثيق علاقة الإرجنتين مع الولايات المتحدة وحلفائها من بلدان القارة، على النقيض من سياسة التعاون الاقليمي بين بلدان امريكا اللاتينية التي كانت تنتهجها حكومة اليسار قبل الانتخابات الأخيرة. بالإضافة الى توجه الحكومة إلى عقد اتفاقات تجارة حرة بين بلدان تحالف الباسيفك، الذي تتمتع فيه الأرجنتين،حتى الآن، بصفة المراقب ويضم البلدان المتعاونة مع الولايات المتحدة. وكذلك تدعم الحكومة المفاوضات الجارية عقد اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوربي وبلدان منظمة "السوق المشتركة لبلدان الجنوب". وعلى الرغم من ان تفاصيل مشاريع هذه الاتفاقيات غير معروفة حتى الآن، ولكنها سوف لم تبعد من حيث الجوهر عن اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي، وبين الاخير وكندا. ومن المعروف ان الاتفاقيات المذكورة تؤدي عمليا الى ثلم سيادة القرار الوطني، والغاء الكثير من الحقوق الأساسية للعمال، والتي حققتها الحركة العمالية بعد نضال عسير. واذا ما علمنا ان حكومات اليسار السابقة كانت قد اقرت سلسلة من القوانين والإجراءات التقدمية، فان التراجع المرتقب عنها سيمثل خسارة كبيرة للعاملين. بالإضافة الى خصخصة محتملة لقطاعت الصحة والتعليم وملف السيادة الغذائية.
وفي ضوء ما تقدم اطلقت الحركة المضادة للعولمة في الأرجنتين بالتعاون مع 50 منظمة اخرى حملة تحت عنوان "ارجنتين بلا اتفاقات تجارة حرة افضل". ويشترك في فعاليات هذه الحملة نشطاء عاشوا تجربة 2005، حيث استطاعت الحركات الاجتماعية وحكومات اليسار في امريكا اللاتينية قبر مشاريع اتفاقات التجارة الحرة في حينه، وقد شكل هذا النجاح احد عوامل صعود اليسار في القارة. وتسعى الحملة في مرحلتها الأولى الى طرح الحقائق للرأي العام وفي هذا السياق نظمت الحملة جلسة استماع في البرلمان الأرجنتيني، وستنشط الحركة في الجامعات والمدارس، وفي احياء المدن، وقواعد الأحزاب السياسية.
وكانت محكمة الاستئناف في العاصمة بوينس ايرس قد ردت دعوى حكومية للاستئناف ضد قرار قضائي بالغاء الزيادة في اسعار الغاز ومكونات الطافة الاخري بنسب تجاوزت 1000 في المائة. وكانت حركة احتجاج واسعة قد اجتاحت مختلف مدن البلاد مطالبة بالغاء هذه الزيادات الفلكية خلال فصل الشتاء الذي تعيشه الأرجنتين حاليا.