مدارات

اوروك في برلين ..اوروك في العراق/ حازم كويي

تنتشر البوسترات ومنذ عدة اسابيع شوارع وساحات برلين الرئيسية، وكذلك في عربات المترو الداخلية وبعنوان بارز (اوروك 5000عام،المدينة الضخمة)، والذي اقيم في متحف البرغمون الشهير (الذي يحتوي بوابة عشتار الاصلية).

 المناسبة هي الذكرى المئوية لقيام الجمعية الشرقية الالمانية في شتاء عام 1912و1913 بالبحوث الاثرية في جنوب العراق والتي اكتشفت خلالها بعد التنقيبات، مدينة اوروك التأريخية، كبدايات للحياة الحضرية ،هذا المعرض اقيم بالتعاون مع متحف انغيل هورن في مانهايم ومع المتحف البريطاني في لندن واللوفر في باريس، ولاول يتم عرض اعادة البناء الرقمي لتخطيط المدينة والعمارة الفردية لأقدم مدينة مزدهرة ومعروفة في العالم.

حفزني هذا الاعلان على زيارة المتحف لاخفف عن نفسي جزئياً وطأة الانفجارات والمذابح التي تطال ابناء شعبنا والتي تصاعدت في الفترة الاخيرة، فوجئت ان صفاً طويلا يصل بحدود مئتي متر، متحركاً كالسلحفاة كي نحصل على بطاقة الدخول اولاً، واستغرق الأمر حوالي الساعة حتى دخلت الباب الرئيسي والذي ارجعني الاف السنين وانا المنبهر لما رأيته ودخلت في تلك اللحظات الى حالة (قطع) في الذاكرة مقارناً بما يحصل الآن في هذا البلد من اذلال واهمال للتراث وكل ما يرتبط به.

اثناء التجوال صادف ان احد الالمان وانا استمع اليه متحدثاً الى زوجته باعجابه الشديد بهذه الحضارة العريقة قائلاً لها ، ياليتنا مشاهدة ذلك في موطنه الاصلي .

قلت له وبتدخل فضولي :نعم الافضل مشاهدته هناك في موطنه ،لكن اوروك وكل المواقع الاثرية في العراق ليس كما تتصوره، فهي تعاني غبار الوحدة والنسيان .

قال انتم اصحاب حضارة عريقة، هناك بدأت الكتابة وهناك وضعت اولى القوانين قاصداً حمورابي واضاف ان كلكامش بدأ رحلته هناك مع صديقه انكيدو باحثاًعن الخلود ،لكن يبدو ان هناك من يريد معاكسة كلكامش بالقتل والدمار والارهاب المروع وهذا لايناسب بلد الميسوبوتامين(بلاد النهرين) بكل ما تعنيه هذه الكلمة.

قلت له ان التراجع وتغييب وعي المواطن العراقي تتحمله السلطات الدكتاتورية التي حكمت العراق ومنذ عقود ، ما يحدث الآن مبني على المحاصصة الطائفية الاثنية والتي افرزت عن تبؤأ اناس ليسوا مؤهلين في الغالب لقيادة هذا البلد العريق ، فالفساد وسرقة اموال الشعب تجري على قدم وساق و تشجيع التخلف وبكافة اشكاله، للبقاء على كرسي الحكم،فاين هم من اوروك واين هم من آشور وبابل.

لاحظت ان وجه الرجل قد انكمش حزناً فلم يستطع مواصلة الكلام ،عدا تمنياته بالتخلص من هذه المحنة .