مدارات

ما الذي تحقق؟ / محمد شريف أبو ميسم

من المهم أن تجيب وزارة التخطيط عن السؤال الذي يردده عموم الناس في أحاديثم ، (ما الذي تحقق بعد عشر سنوات من سقوط الدكتاتورية ؟ ).. ليس لأن الناس لاتعي ما تحقق على الصعيد القطاعي فحسب أمام حجم الأموال التي أنفقت، بل لأن الكثير من المراقبين قد لا يستطيعون الاجابة على مثل هذا السؤال بشكل علمي بسبب غياب الأرقام والاحصائيات المتعلقة بما حققته قطاعات الاعمار والاسكان ، النقل ، الزراعة ، الصناعة ، التعليم، والصحة ، والطاقة .. ومن المهم أن تكشف لنا الجهات الرقابية وفي مقدمتها هيئة النزاهة عن حجم الأموال التي أهدرت خلال العشر سنوات الماضية جراء الفساد وسوء الادارة لندرك ومعنا المسؤولون حجم الكارثة التي تعانيها البلاد جراء المحاصصة السياسية التي رعت الفساد .. ومن المهم أيضا أن تكشف لنا وزارتا الداخلية والصحة عن عدد العمليات الارهابية التي تعرضت لها البلاد وعن عدد الضحايا الذين غيبهم الارهاب، لكشف حجم التحدي الذي لا يضاهيه تحد لشعب يعشق الحياة ازاء خفافيش لا تعيش الا على دماء الأبرياء بهدف تعطيل مسارات الحياة.. ومن ثم من المهم معايرة ما تحقق على الصعيد القطاعي مع حجم التحدي الناجم عن الارهاب والفساد .
هذه المعايرة (التي نرى انها مهمة لكشف عورة الفساد ووضع المرآة أمام المسؤولين لمراجعة الأداء ، وتحدي الارهاب بالنجاحات التي حققتها بعض القطاعات) ستختزل الكثير من الجدل العراقي في خضم محاولات تسويق العقل الجمعي باتجاه بوصلة هذا التوجه أو ذاك، وتسقط الكثير من القصدية في السؤال الذي يطرحه الجدل اليومي «ما الذي تحقق؟» وتقلل من عوامل الفرقة بين هذا الشعب التي كرستها بعض وسائل الاعلام ، وتساهم الى حد ما في وضع حد لآفة الفساد التي تجاوزت حدود الظاهرة الى السلوك المجتمعي، وتعيد بعض خيوط الثقة بين الناس والأجهزة التنفيذية ، وبالتالي فان المكاشفة والشفافية ستنسحب الى حد المساهمة في معالجة حالة التمايز الناجمة عن الانتماءات والولاءات الحزبية للأحزاب المتنفذة وما تفرزه من سلوكيات موروثة عن عقود الحكم الدكتانوري .
ان معايرة ما تحقق ازاء عوامل التحديات التي واجهتها البلاد سيضع حدا لتسويق القصدية بهدف الاطاحة بالآخر وسيكشف عن جدية التساؤل «ما الذي حققته الحكومة ؟» وليس عن سطحية الاجابة التي تأتي كذيل الظل بـ»لا شيء». وهي اجابة ناجمة في العادة عن شعور بالعزلة ، أو الاقصاء ، أو ربما الغبن ، أو الفاقة، على الرغم من القناعة بحصول الكثير من المتغيرات في أجواء الهجمة الارهابية الشرسة التي واجهها ويواجهها هذا البلد جراء سيره على طريق البناء الديمقراطي للدولة الذي لا ينسجم مع توجهات النظم السياسية القبلية والطائفية في دول المنطقة ..
اذن نحن بأمس الحاجة لكشف المستور في شقيه السلبي والايجابي بهدف الاقتراب من الحكم الرشيد ولردع الجدالات التي تفضي الى المزيد من الفرقة في أجواء الفضائيات والمقاهي والبيوت والمؤسسات والشوارع وحتى في حافلات النقل لمجرد الحديث عن أي ظاهرة اجتماعية أو امنية أو اقتصادية، ولكشف مدى الرؤية التي تعمل بها الحكومة الحالية وامكانية تحقيقها للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ، وتقليل الفوارق بين أبناء هذا الشعب بجانب أهمية عرض الأرقام المتعلقة بالنجاحات والاخفاقات والتي بموجبها يتحقق معيار الشفافية الذي يقام عليه الحكم الرشيد في المشروع الديموقراطي.