مدارات

من أرشيف الكومنترن (6) رسائل في أرشيف الحزب الشيوعي العراقي في الكومنترن *

ترجمها عن الروسية د.عبد الله حبه
رسالة رقم (7)
سري 25 /12 /1936
الانقلاب على السلطة في العراقومهام الحزب الشيوعي العراقي
في مطلع عام 1935 انتفضت عدة قبائل شيعية في منطقة الهندية جنوبي بغداد، وكانت الانتفاضة موجهة مباشرة ضد حكومة جميل المدفعي، وقادها عبد الواحد آل سكر (الشيخ عبد الواحد آل سكر الشيخ العام لعشيرة ال فتلة والمولود في مدينة المشخاب عام 1880 وتوفي في عام 1956 وهو احد ابرز قادة ثورة العشرين التحررية – المحرر) الذي أعلن لرجال الصحافة في حينه.. اننا انتفضنا ضد الانكليز في عام 1920 وناضلنا من أجل استقلالنا، وتحسين وضعنا الاقتصادي، ولكن بعد انتظار طويل، اقتنعنا بأن الوعود التي قدمت لنا لا تنفذ – وقد ثرنا ضد الحكومة، وطردنا جباة الضرائب. ونزعنا خط السكة الحديدية احتجاجاً على سياسة الحكومة. وطالبنا بإلغاء الديون المتراكمة لنا الى الحكومة وبخفض الضرائب، وبإعادة النظر في اتفاقية النفط وزيادة الضرائب على الشركات الاجنبية وباستقالة حكومة جميل المدفعي وهلمجرا.
وقبالة هذه الاحداث وقبالة الاضطرابات العامة التي اجتاحت البلاد لم تجد حكومة المدفعي من مخرج آخر سوى الاستقالة.
وكلف غازي ملك العراق ياسين باشا الهاشمي بتشكيل الحكومة الجديدة. وبهذا كلف بتشكيل الحكومة لأول مرة في العراق رجل أعلن مراراً عن معارضته للمعاهدة العراقية – البريطانية والنظام السائد في البلاد. ولهذا قابل الشعب بارتياح تكليف الهاشمي بتشكيل الحكومة.
وشرعت حكومة الهاشمي باجراء مفاوضات مع قادة الانتفاضة من زعماء القبائل بهدف تهدئتها، كما ارسلت الجيش في الوقت نفسه لقمع هذه الحركة.
وبعد ذلك بدأ الهاشمي بغتة بالقول: "ان المعاهدة العراقية – البريطانية هي خطوة الى الامام". وقد أثارت هذه الاقوال خيبة الأمل بالحكومة في أوساط القوميين المعارضين والجماهير.
ولم يكتف الهاشمي باطلاق هذه التصريحات التي تركت انطباعاً سيئاً في أوساط الجماهير بل أضاف قائلاً: "نحن نطالب بالاستقرار، بغية أن تمضي البلاد قدماً نحو هدفها بخطوات واثقة".
وزاد هذا كله من السخط والادانة في أوساط الجماهير، وأصبحت الاضطرابات ظاهرة عامة في البلاد.
وبعد ذلك بدأ الهاشمي حملته الشهيرة ضد القوميين المعارضين والشيوعيين. فأغلق كافة الصحف والنوادي ومنظمات المعارضة. وزج بالكثير من القوميين والشيوعيين في السجن ووضعوا تحت رقابة الشرطة. ثم جرى حل البرلمان واستحدث مجلس نواب جديد من أنصار الهاشمي وحكومته. وتمت تصفية كافة الحريات الديمقراطية في البلاد. ثم عمد الهاشمي الى الاتفاق مع الانكليز على شراء السكك الحديدية، التي شيدوها في اثناء الحرب الامبريالية. وقد دفع ثمناً غالياً مقابل ذلك بينما بقيت الطرق نفسها تحت ادارة المدراء والخبراء الانكليز لمدة عشرين عاماً. واعتبر العراقيون هذه الاتفاقية اتفاقية جائرة. ووافق الهاشمي على تأجيل بناء مصافي النفط لمدة 15 سنة أخرى. وبموجب الاتفاقية الموجودة بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق، أن يتم انشاء هذه المصافي في عام 1936. كما قام الهاشمي بتوزيع الاراضي الأميرية على أقاربه وأذنابه وانصاره. كما جرى الشيء نفسه لدى توزيع المناصب في جهاز الدولة. ان هذه الافعال وغيرها قد أثارت غضب واستنكار الوطنيين والجماهير الشعبية.
وعمل الهاشمي كل ما في وسعه من أجل توجيه غضب الشعب ضد الاقليات القومية في العراق من آشوريين ويهود وغيرهم، وفاقم العلاقات بين مختلف الفئات والطوائف العربية على أساس ديني.
ومن الطبيعي أن يقود نشاط الحكومة هذا الى وقوع اضطرابات وانتفاضات. وفي غضون 16 شهرا أي خلال فترة وجود حكومة الهاشمي، قامت خمس انتفاضات للبدو والفلاحين في مختلف مناطق العراق أريقت خلالها دماء كثيرة وسقط العديد من الضحايا.
لقد تم اخماد جميع هذه الانتفاضات بقسوة شديدة. ورافق قمعها فرض الاحكام العرفية وفرض غرامات كبيرة على مناطق بأكملها وقتل العديد من الابرياء.
وزاد هذا سخط الناس، وحتى في الجيش نفسه، وأثار الادانة الشاملة لافعال الحكومة. وقاد هذا بدوره الى حدوث تقارب وتفاهم متبادل بين العناصر التقدمية في العراق والقوميين العراقيين والضباط. وعلى أساس هذا التقارب خلص الجانبان الى اسقاط حكومة الهاشمي بواسطة الجيش العراقي.
وتشكلت حكومة جديدة من المعارضة والعناصر التقدمية الوطنية على الاسس الآتية:
أولا- تعزيز الجيش الوطني.
ثانيا- توزيع الاراضي الاميرية على الفلاحين.
ثالثا- حرية الصحافة والاجتماعات والمنظمات والمظاهرات.
رابعاً- حرية النقابات والاضرابات.
خامساً- المساواة في الحقوق لجميع القوميات القاطنة في العراق.
سادساً- الافراج عن جميع المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين.
سابعاً- السعي الى وحدة الاقطار العربية ودعم حركة التحرير الوطني في الاقطار العربية.
ثامناً- الحفاظ على علاقات الصداقة مع الحكومة البريطانية، وتعزيز العلاقات الودية مع الجارتين تركيا وايران.
تلكم كانت المطالب الرئيسية الواردة في منهاج حكومة حكمت سليمان.
لقد حدث انقلاب 29 اكتوبر 1936 في العراق على أساس هذه المطالب. فكيف جرى ذلك؟ صباح 29 اكتوبر ألقى سرب من الطائرات مناشير فوق بغداد بتوقيع قائد "قوات الاصلاح" اشير فيها الى نفاد صبر الشعب من حكومة الهاشمي، وتطالب قوات الاصلاح الوطني باستقالة حكومة الهاشمي وترشيح حكمت سليمان لتولي منصب رئيس الوزراء. ونظراً لتباطؤ الحكومة في الاستقالة القيت 4 قنابل على مبنى الحكومة، علماً ان الملك غازي لم يكن متعاطفاً مع الهاشمي، ولم يكن راضياً عن عمله. وعندما وجه الهاشمي السؤال الى السفير البريطاني حول القوات الجوية البريطانية المرابطة في بغداد قاطعه غازي وقال: "ان العراق دولة مستقلة، ولا يحق للإنكليز التدخل في شئوننا الداخلية". ولم يبق أمام حكومة الهاشمي من خيار سوى الاستقالة أو الاختباء في السفارة البريطانية، خشية زحف قوات الجيش على بغداد. وحاول جعفر العسكري وزير الدفاع السابق المعروف بولائه للنظام السابق وللحكومة البريطانية ايقاف زحف الجيش لكن الثوار قتلوه.
تشكلت حكومة حكمت سليمان من زعماء المعارضين القوميين وممثلي حزب الشعب وبعض العناصر التقدمية غير المنظمة الى الاحزاب المعارضة الموجودة. ووزير المالية جعفر ابو التمن زعيم الوطنيين المعارضين ورئيس "الحزب الوطني" المنحل سابقاً وهو تاجر معروف له نفوذ كبير ومكانة مرموقة في أوساط الجماهير العراقية وبالاخص الشيعية. أما وزير المواصلات كامل الجادرجي فهو من زعماء الشعبيين/ وهم جماعة من المثقفين العراقيين الذين يتمتعون بنفوذ في أوساط الطلاب والمثقفين والبرجوازية الصغيرة وقسم من العمال. ويتضمن تفكيرهم الكثير من الافكار الاشتراكية، العلمية والطوباوية. ونشأت في أوساط الشعبيين الحركة الشيوعية في بغداد. وفي عام 1934 انفصل الحزب نهائياً عن الشعبيين.
أما حكمت سليمان رئيس الوزراء فقد درس في الكلية العسكرية في اسطنبول، وكذلك في المانيا على حساب الحكومة العثمانية. وحاز رتبة ضابط في الجيش التركي. وشارك في الثورة العامة في العراق ضد الامبريالية البريطانية في عام 1920. وشغل منصب وزير الداخلية في حكومة الكيلاني في 1933 – 1934. ويعتبر لبرالياً وقومياً تقدمياً.
وبهذا فان الحكومة الجديدة ترتكز من جانب على قوة الجيش، ومن جانب آخر على الحركة الوطنية وجماهير الشعب. وجرت مظاهرات حاشدة بعد الانقلاب في كافة مدن ومناطق العراق للترحيب بالحكومة الجديدة ودعمها، وتعتبر خير دليل على ذلك. وشرعت الحكومة الجديدة بتنفيذ برامجها، فأعُيد صدور الصحف المحظورة سابقاً، وأفرج عن السجناء السياسيين، وسمح بتكوين النقابات، وبدأ بتوزيع الاراضي الأميرية على الفلاحين وعلى القبائل من أجل اسكان البدو. وايدت الحكومة حركة توحيد جميع القوميين والشعبيين والعمال وغيرهم في حزب سياسي واحد. وعلى هذا الاساس تشكلت "رابطة الاصلاح الشعبي". وكان بين منظمي هذا الحزب واعضاء اللجنة المركزية اثنان من الوزراء وبعض قادة الشعبيين وزعيم عمال بغداد – صالح القزاز وغيرهم. ولدى هذا الحزب برنامج وطني تقدمي واسع يتضمن الكثير من المطالب الرئيسية للعمال والفلاحين.
في الوقت نفسه بدأت الحكومة بتطهير البلاد من آثار الحكومة السابقة والرجعيين. وجرى قمع الصحافة الرجعية والنوادي الرجعية وغيرها. وأعلن احد زعماء الوطنيين "ان الاحداث في اسبانيا هي درس كبير لنا، وكل حكومة ديمقراطية لا تتخذ تدابير حازمة من اجل قمع الرجعيين والحركة الفاشية في البلاد، انما تساعد هذه الحركة في الواقع".
ان الإنقلاب على السلطة في العراق قد أدى في الواقع الى تكريس الاتجاهات الديمقراطية في الاقطار العربية، وبالاخص في اوساط البرجوازية الوطنية والمثقفين. واكد بجلاء كل أهمية الحركة الجماهيرية بصفتها ركيزة لحركة التحرير الوطني وكل حكومة ديمقراطية ووطنية.
ان مهام الشيوعيين وجميع العناصر الديمقراطية في المرحلة الراهنة في العراق هي ما يأتي:
أولا- دعم الحكومة الحالية في العراق، لأنها تضمن للشعب العراقي الحريات الديمقراطية، وتسهل نضاله من أجل تحسين وضعه المعيشي ورفع المستوى الثقافي والعمل بكل اخلاص من اجل تنفيذ برنامجها.
ثانيا- العمل في سبيل توحيد جميع قوى الشعب العراقي على أساس شعار اقامة الجبهة الوطنية الموحدة. ويجب على الشيوعيين لهذا الغرض الانضمام الى رابطة الاصلاح الوطني. وهذا ضروري من أجل دعم الحكومة في تنفيذ الاصلاحات التقدمية وضمان الحريات الديمقراطية وحمايتها من الهجمات الرجعية. ويجب ان تكون الجبهة الوطنية الموحدة قوة جبارة لمكافحة الاتجاهات الفاشية والاخطار في الحركة الوطنية، ومن اجل فضح عملاء هتلر وموسوليني بصفتهم من أعداء التحرير الوطني.
ثالثا- العمل من أجل اقامة علاقات قوية وودية والتعاون المتبادل بين الشعبين العراقي والبريطاني على أساس تعزيز الحركات الديمقراطية في كلا البلدين وتوحيدهما في النضال ضد خطر الفاشية ومن أجل السلم العالمي.
رابعاً- العمل على تعزيز روابط الاخوة والعلاقات بين العراق والشعوب العربية الأخرى من اجل توحيد نضالها والمساعدة المتبادلة بينها، بغية تنفيذ مطالبها الديمقراطية، وكذلك ضد دسائس هتلر وموسوليني، باعتبارها من أكبر الاخطار التي تهدد الشعوب العربية، ونضالها من أجل الحريات الديمقراطية، وتعرضها للمزيد من العبودية.
خامساًـ العمل من أجل تحقيق المساواة التامة بين جميع القوميات في العراق وضمان الوحدة العاملة للشعب العراقي.
ويجب لهذا الغرض وبغية ان يكون القوميون التقدميون والشيوعيون قادرين على تنفيذ مهامهم وتحشيد الجماهير حول هذه المطاليب، العمل على تكوين منظمات وحركات وطنية وشعبية في كافة مدن وقرى العراق. كما ينبغي أيضاً العمل على توسيع وتوطيد الحركة النقابية بين العمال على أساس النضال في سبيل مطالبهم اليومية.
وتجب اعارة اهتمام كبير الى الحركة الفلاحية والعناية بمطالبهم الآنية مهما كانت صغيرة. ويجب العمل على نشر الثقافة والتعليم في أوساط جماهير الشعب العراقي.
 
رسالة رقم (7(
الوضع في العراق:
مهام الحزب الشيوعي العراقي بعد انقلاب 29 تشرين الأول 1936
بعد ان تخلت بريطانيا عن انتداب العراق في العام 1930 أقدمت على عقد ما يسمى معاهدة "التحالف والصداقة" مع العراق. وبموجب هذه المعاهدة ضمنت بريطانيا الحفاظ على مصالحها الرئيسية في العراق (الحق في الابقاء على قاعدتين جويتين في أراضي العراق، وحق حماية العراق من العدوان الخارجي، وحق استخدام أراضيه وموانئه وطرق مواصلاته وهلمجرا في حالة دخول بريطانيا في الحرب، والتزام العراق بتقديم الدعم الى الجيش البريطاني وتنسيق سياسته الخارجية مع بريطانيا باعتبارها حليفة له وهلمجرا)، ومنح العراق شكلياً وضع الاستقلال في شؤونه الداخلية وحق امتلاكه الجيش الوطني. وفي أعقاب ذلك وفي عام 1932 قدمت توصية لقبول العراق في عصبة الأمم.
لقد كان سبب استبدال الانتداب بالمعاهدة قبل كل شيء رفض الشعب العراقي الحازم لسيطرة بريطانيا على العراق، وتصاعد نضاله في سبيل الاستقلال. وقدم الامبرياليون البريطانيون التنازلات لأنه تولى قيادة العراق أشخاص كان الامبرياليون البريطانيون يثقون بهم ثقة كبيرة ويعتمدون عليهم (وهم الملك فيصل الأول ونوري السعيد وجعفر العسكري، وعموماً كافة الملتفين حول الطغمة الاقطاعية السنية ممثلة بحزب "العهد").
وتظاهر الامبرياليون البريطانيون لدى الغاء الانتداب انهم ينفذون لحد ما وعودهم الى العرب في اثناء الحرب باقامة الدولة العربية المستقلة.
لكن المعاهدة لم تلق الارتياح من جانب الشرائح الرئيسية من البرجوازية الوطنية العربية ولا الجماهير الشعبية الواسعة. وتحول الى المعارضة كل من البرجوازية الوطنية الفتية والاقطاعيين الشيعة. وظهر في العراق الى جانب حزب "العهد" الذي اعتبر بصفته حزب الملك، والذي دعا جهاراً الى الوفاق والمصالحة مع الامبريالية البريطانية، أحزاب اخرى هي: حزب الاخاء الوطني وحزب الوحدة العراقية وحزب التقدم والحزب الوطني. والاحزاب الثلاثة الاولى تمثل في الواقع الزمر البرجوازية الاقطاعية بدون وجود عضوية جماهيرية فيها، وبدون فروع محلية (باستثناء حزب الاخاء الوطني الذي وجدت له تنظيمات في البصرة والموصل) وبدون برامج محددة.
وكانت غالبية هذه الاحزاب عبارة عن زمر تصبو لنيل المناصب الوزارية والمناصب في دوائر الدولة وكان زعماء هذه الاحزاب ومنها حزب "العهد" المؤلف من حوالي 40 شخصاً، يتولون المناصب بالتوالي كوزراء في جميع الحكومات الست عشرة خلال 16 عاماً من وجود المملكة العراقية. وكانت جميع هذه الاحزاب باستثناء حزب "العهد" تقف في صف المعارضة للمعاهدة وتوجد في مراحل مختلفة حولها جماعات كبيرة من العناصر الساخطة من البرجوازية الوطنية والاقطاعيين.
بيد ان الفساد والانحلال وجدا لهما اعشاشاً وطيدة في أوساط زعماء هذه الاحزاب لدرجة أنهم لدى تولي رئاسة الحكومة يتحولون من المعارضة حتماً ويفقدون انصارهم الشرفاء جميعاً من المعارضين، ولذلك يهتمون فقط بالاثراء الشخصي عن طريق نهب املاك الدولة وتلقي الرشاوى. وقد شجع الامبرياليون البريطانيون بكل السبل سرقات الوزراء والموظفين ويجعلونهم في وضع التبعية لهم أكثر فأكثر. فمثلاً ان ياسين الهاشمي الذي تم اسقاطه كان لدى عمله كرئيس وزراء أصبح من أكبر ملاك الاراضي في البلاد، علاوة على ذلك منح الأراضي الأميرية الى اقاربه واتباعه جميعاً.
وبخلاف هذه الزمر الفاسدة كان الحزب الوطني برئاسة الديمقراطي الثوري النزيه جعفر ابو التمن كمنظمة يوحد الجماهير الواسعة للبرجوازية الصغيرة والانتليجنسيا الوطنية والعناصر التقدمية من البرجوازية الوطنية. وكانت لهذا الحزب منظمات محلية ويضم في صفوفه حتى 3000 عضو.
ووجدت الى جانب هذا الحزب جماعة ملتفة حول الجريدة اليسارية "الاهالي"، وحلقات الشعبيين. وانبثق الحزب الشيوعي العراقي من أوساط الشعبيين بالذات في العام 1934.
وشغل الحزب الوطني والشعبيون والحزب الشيوعي المواقع اليسارية وبفضل نضالها ضد الامبريالية وكذلك بفضل شخصياتها القيادية، حظيت هذه الاحزاب بمكانة مرموقة في أوساط فئات كبيرة من الشعب.
وفي آذار عام 1935 اندلعت انتفاضة فلاحية كبيرة في جنوب العراق، وجاء الى السلطة حزب الاخاء الوطني الذي عارض المعاهدة والحكومة السابقة وعمل زعماء هذا الحزب في خضم الصراع على السلطة على انهاض الفلاحين بانفسهم للقيام بالانتفاضة، لكنهم عندما تولوا السلطة قمعوا الانتفاضة بقسوة. وهكذا تشكلت حكومة ياسين الهاشمي التي تم اسقاطها الان. وبالرغم من قمع انتفاضة الفلاحين فقد تنامى السخط في البلاد. واجتاح الغضب كردستان، اذ لم تفكر أية واحدة من الحكومات بحقوق وأماني الاكراد وتنامى سخط الفلاحين لقيام حكومة تمثل حزب الاخاء الوطني باصدار قوانين جائرة في أواخر عام 1933 جعلت الفلاحين تابعين للأرض في الواقع. وعبثاً كان العمال ينتظرون صدور القوانين العمالية الموعودة. فقد كانت مشاريع القوانين تتعثر في أروقة الدوائر في مختلف الوزارات. واحتدم الوضع أكثر فأكثر لقيام حكومة الهاشمي أيضاً، كالحكومة السالفة لها، بتجاهل قضية تحسين الوضع في البلاد كلياً. وكانت عوائد النفط تشكل أقل من نصف مليون جنيه استرليني سنوياً. علماً ان النفط الخام في الغالب يصدر الى حيفا وطرابلس. وبهذا يحرم العراقيون من كسب الرزق لدى وجود مصافي النفط في العراق. وكانت الحكومة تنفذ مطيعة ارادة الانكليز وتعقد الصفقات والاستثمارات غير المربحة أبداً.
عمدت حكومة الهاشمي الى المضي في طريق الارهاب الجائر من أجل قمع السخط المتنامي والاستنكار لدى الناس. وأغلقت جميع صحف المعارضة. وزج الناس بالسجون لدى ابداء أية معارضة وبقيت مناطق فلاحية كبيرة تحت الحكم العرفي. وتم خلال 18 شهراً قمع 6 انتفاضات فلاحية باستخدام قوات الجيش ومنعت الصحف الرجعية المحلية من كتابة اي شيء عن الوضع في البلاد. وتم شراء ذمم أصحاب الصحف العربية في مصر وفلسطين وسورية جزئياً فأخذت تروج الدعاية لحكومة الهاشمي.
وأغلقت النقابات حيث أكدت وزارة الداخلية، ان "وجود هذه المنظمات يخلق مصاعب كبيرة للمسؤولين في الحكومة الذين يواجهون صعوبات، ويترددون بين مطالب الشعب، وتأثيره، وصعوبات السياسة الخارجية".
في ظروف الارهاب هذه عمد الحزب الوطني الى حل نفسه. أما الحزب الشيوعي والشعبيون فقد تمت مطاردتهم وزجهم بالسجون.
وفي الواقع تم حل الحزبين الحكوميين وهما حزب العهد وحزب الاخاء الوطني من قبل الهاشمي بذريعة ان "الوطن في خطر" ويجب ان يعمل الجميع في كتلة واحدة.
لكن الارهاب ساعد على تقارب جميع قوى المعارضة. وترأس المعارضة حكمت سليمان الذي خرج من حزب الاخاء الوطني وجعفر أبو التمن زعيم الحزب الوطني وجماعة الشعبيين المرتبطين بالحزب الشيوعي ارتباطاً وثيقاً.
بقي الجيش بصفته الساحة الرئيسية للنشاط العلني بالنسبة الى الوطنيين، فقد ضم العناصر الفلاحية الذين تم تجنيدهم في الجيش بموجب قانون الخدمة الاجبارية، والضباط وأكثرهم من البرجوازية المتوسطة والصغيرة من المعارضين للامبريالية البريطانية. وكان قادة الجيش العراقي من ذوي النزعة الوطنية والديمقراطية غير راضين عن النظام الموجود في البلاد وعن سياسة حكومة الهاشمي.
ونظراً لتواصل العمليات ضد الفلاحين والعشائر فقد ضعف الانضباط في الجيش وازدادت حوادث انضمام الجنود الى الثوار. أما حكومة الهاشمي فقد كانت تنفذ ارادة الانكليز وتعرقل بكل السبل تنامي وتعزيز الجيش الوطني العراقي. كان لا بد ان يقف قادة الجيش ضد هذه السياسة لكونهم من ذوي روح التحرر الوطني. واحتدم الجو أكثر بسبب الاحداث في فلسطين.
كما وتأثر بحركة التحرير الوطني العربية ملك العراق الشاب الملك غازي الذي لم يكن الانكليز يثقون به وأرادوا السيطرة عليه بمعونة الهاشمي.
وفي النتيجة اتصل قادة المعارضة العاملين سراً مع العناصر الوطنية في قيادة الجيش وحدث الانقلاب في 29 تشرين الأول، وأدى الى تشكيل الحكومة برئاسة حكمت سليمان.
واقامت هذه الحكومة النظام الديمقراطي في البلاد وطرحت برنامجاً واسعاً من الاصلاحات التقدمية، يتجاوب مع مصالح الجماهير الشعبية الواسعة. وكانت في الوقت نفسه حكومة وطنية عربية تقف ضد الامبريالية البريطانية. وتدل على ذلك بيانات وتصريحات وأفعال هذه الحكومة. ومما يدل على ان الانقلاب العراقي تم بنتيجة حركة شعبية وليس بدسائس الفاشست الالمان والايطاليين، وقائع مثل مكافحة الصحف الرجعية الممولة من قبل الفاشست في العراق، وتعاطف الحكومة مع الشعب الاسباني ووقوفها ضد العدوان الفاشستي عليه.
لقد تأسس حزب سياسي جديد باسم "اتحاد الاصلاح الشعبي". وبادر الى تأسيسه الشعبيون (وبينهم إثنان من الوزراء في الحكومة الحالية) وبعض الشخصيات اليسارية (منهم صالح قزاز رئيس النقابات العراقية – محمد صالح القزاز – المحرر).
بما ان جعفر ابو التمن زعيم الحزب الوطني لم يكن بين مؤسسي "اتحاد الاصلاح الشعبي" فيبدو انه سيجري اعادة تأسيس الحزب. وهذا شيء مفهوم تماماً لأن برنامج اتحاد الاصلاح الشعبي يتضمن الكثير من المطالب الراديكالية واليسارية، لذا لا يمكن أن ينضم إليه حتى العناصر الديمقراطية من البرجوازية الوطنية.
ان المهمة الرئيسية للشيوعيين في العراق هي الانضمام الى اتحاد الاصلاح الشعبي والعمل هناك في اعداد برنامجه وإظهار انفسهم بصفتهم خير المناضلين في سبيل مصالح الشعب. وعندما ينضم الشيوعيون الى الاتحاد سيجدون، أولا، انفسهم في خضم الجماهير، وثانياً، إنهم لن يخافوا أي قمع، أية حالة اضطهاد الشيوعيين تحت ضغط الامبريالية.
في الوقت نفسه يجب على الشيوعيين العمل على تنظيم وتعزيز النقابات بمساعدة العمال في نضالهم الاضرابي الاقتصادي.
ويرتكب الشيوعيون خطأ كبيرا بطرحهم مطلب "ثورة التحرير الاجتماعي" كشرط لدعمهم حكومة حكمت سليمان.
يجب على الشيوعيين أن يتولوا مبادرة تنظيم وتأسيس جبهة موحدة لجميع المنظمات الديمقراطية (اتحاد الاصلاح الشعبي، الحزب الوطني، النقابات، المنظمات الاجتماعية والسياسية للأكراد واليهود وغيرهم)، وذلك من أجل دعم الحكومة الديمقراطية الحالية وإجراءاتها. كما يجب على الشيوعيين أن يكونوا خيرة المناضلين من أجل الوحدة، والمساعدة في ابعاد البرجوازية الصغيرة من الشعبيين الثوريين عن الانحرافات اليسارية الضارة.
اذن يجب أن يقتصر نشاط الشيوعيين في الفترة القريبة القادمة على العمل ضمن "اتحاد الاصلاح الشعبي" وفي النقابات، والعمل على أساس برنامج الاتحاد وأن يكونوا خيرة منظمي وحدة جميع العناصر الديمقراطية من أجل دعم حكومة حكمت سليمان.
وينبغي تجنب الانحرافات اليسارية. ويجب ابداء أقصى اليقظة حيال العناصر الرجعية والفاشية، حيث ان جميع مساعي الامبريالية البريطانية في البلاد ستكون موجهة نحو تنظيم القوى الرجعية من أجل اسقاط حكومة حكمت سليمان. من جانب آخر يجب ابداء اليقظة حيال دسائس الفاشيين الالمان والايطاليين في البلاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من وثائق الكومنترن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "الثقافة الجديدة"
العد 385
تشرين الثاني 2016