مدارات

أيام مفعمة بالحب والأمل ..(9) / فيصل الفؤادي

الإنتفاضات
اشترك الأنصار في الهبات الجماهيرية والإنتفاضات التي قامت بها الجماهير في مناطق كردستان، بصورة مباشرة وغير مباشرة ومن خلال التنظيمات المحلية في (رانية وجامعة صلاح الدين في اربيل وفي مدينة حلبجة وما جاورها من المدن في سيد صادق وسيروان وعربت وشهر زور).
(عاشت كردستان ستة اسابيع من النهوض الجماهيري والأعمال الثورية المقدامة، وإذا كان لهيب الإنتفاضة قد خفت مع بداية حزيران إلا ان روحها وجذوتها بقيت تجوب ارض كردستان الحبيبة وتردد صداها في معارك نوجول ووادي سما قولي – نازنين ودخول مدينة اربيل واقتحام قائمقامية شقلاوة وفوج بامرني ورباياه وعشرات العمليات الإقتحامية الأخرى).
وقد استخدمت الجماهير مختلف الأساليب في نضالها كتوزيع المنشورات والبوسترات ووضع اليافطات في اماكن مهمة وبث اغاني ثورية. وإنتقل العمل النضالي الى الاحتجاج والإضراب والتظاهر إضافة الى قتل كل من يعتدي على المواطنين العزل، حيث تواجدت مفارز خاصة تقوم بهذه المهمة التي اراحت الناس والجماهير من المجرمين ومن الابتزاز وفرض الخاوات والإعتراض على حياتهم في العيش الكريم. وقد استشهد عدد من الرفاق في مدينة رانية (بابكر محمد حسن وعبد الله سيروس وإسماعيل مامه) وفي قرية سنكه سر سقط الرفيق حسن إضافة الى استشهاد رمز الإنتفاضة الشابة صنوبر في 1982. وقد اصدر مكتب اقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي في اواخر حزيران 1982 تحليلاً للتظاهرات والإضرابات العامة والتي شملت جميع المدن والقصبات والمجمعات السكنية والتي تميزت بالشمولية. حيث هناك سخط شعبي وحقد على تصرفات النظام الفاشي. فقد كانت الإنتفاضة تجربة غنية ودرسا لجميع القوى الوطنية. لقد ارتبطت الحركة الأنصارية بالجماهير القريبة منها وبنضالها في القرى والأرياف والمدن في التصدي للدكتاتورية.
يمكن الحديث عن المعارك الداخلية اي بين الأحزاب المعارضة للنظام والتي أثرت سلباً على الإنتفاضة والجماهير وبشكل خاص هجوم الإتحاد الوطني على الأحزاب الاخرى (الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الإشتراكي الكردستاني)، هذا الهجوم الذي مثّل عربون التعامل مع السلطة الدكتاتورية وموافقتها على دعمه ماديا ومعنويا. وقد راح ضحيتها الكثير من الأنصار والبيشمه مركة، فخسر الحزب الشيوعي العراقي حوالي 70 نصيرا، إضافة الى الخسائر المادية من الأجهزة والمعدات كالاذاعة وأجهزة الإتصالات والأسلحة المختلفة والعتاد والآت الطباعة المختلفة والكتب والأوراق ومبالغ مالية كبيرة. كما ان هذا الهجوم اثر بشكل سلبي على الأنصار وحملوا مسؤولية هذا الهجوم قيادة الحزب لأنها لم تستكشف نوايا الإتحاد الوطني بالهجوم على مقرات الحزب مبكراً. (سنأتي على موضوعة بشتاشان في الصفحات القادمة).
كثر حديث بعض الأنصار عن مواقف الحزب وحملّوا قيادته والمكتب العسكري للأنصار (موعم) المسؤولية المعنوية عن الخسائر، إضافة الى عدم معرفة الإتصالات التي تجري بين الإتحاد الوطني وجلاوزة النظام الدكتاتوري في وقت مبكر، وكذلك عدم فهم طبيعة هذه الأحزاب البرجوازية وتذبذبها (وقد اشرنا لها وأسبابها وظروفها في كتابنا الحزب الشيوعي العراقي والكفاح المسلح). وكانت ردة الفعل كبيرة بسبب الخسارة الفادحة في الارواح.
وأخذت بعض ردود الفعل أشكالاً خطرة، تمثلت في التكتل في التنظيم وتعميم الأراء خارج الأصول التنظيمية، رغم إنها لم تكن غالبة.
على صعيد الحزب وتشكيلاته العسكرية وتنظيماته الحزبية فقد زاد تسريب الاخبار والتوجيهات الحزبية بشكل كبير، وأصبح في العمل الحزبي شيء من الفوضى وبعيدا عن اصول العمل التنظيمي المعروف لنا، وطلب البعض من الأنصار الخروج من كردستان، إضافة الى ان قيادة الحزب كانت تنوي اخراج المرضى وكبار السن والعوائل، حيث ثقل المقرات له تأثير سلبي في بعض الأحيان.
وللاسف فقد ساهم بعض القياديين ومنهم عضو المكتب السياسي باقر ابراهيم وأعضاء اللجنة المركزية عدنان عباس وماجد عبد الرضا في هذا النشاط لتحميل قيادة الحزب المسؤولية، خاصة وقد كان منهم من يرفض الكفاح المسلح كأسلوب نضالي.
بعض الموالين لهؤلاء وأفكارهم ومن لهم صلة وعلاقات اجتماعية وحزبية معهم ساهموا في هذه الحملة داخل كردستان. في الخارج مارس أخرون نفس النشاط ومنهم خالد السلام وعبد الحسين شعبان وأصدروا جريدة سميت بالمنبر، ونجحوا في التأثير على قيادين أخرين، ومنهم رموز مهمة، كعامر عبد الله. ولحسن الحظ تراجع هؤلاء عن مواقفهم، فيما تمادى أخرون حد السفر الى العراق والعمل في ظل الدكتاتورية وفي صحفها. على كل حال مرت الايام والأشهر بشكل صعب على جميع الأنصار والنصيرات، وادى الى تردي الأوضاع بصورة عامة، إضافة الى ضعف الثقة بكوادر وقيادة الحزب من بعض الأنصار الذي طالبوا بمحاسبة بعض القيادات الحزبية والعسكرية. ولكن وبمرور الايام وبعزيمة الشيوعيين المعروفة وتكاتفهم على انجاز المهام، نهض الحزب مرة اخرى من تداعيات معركة وجريمة بشتا شان، برغم ما تركته من جروح في روح الأنصار وقلوبهم الى يومنا هذا.
وكانت الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب مناسبة مهمة لانجاز العمل المطلوب وتوسيع النشاط العسكري وتطويره، حيث تبدلت قيادة العمل العسكري اكثر من مرة وتمت الإستفادة من التجربة السابقة وشرعت ببناء التشكيلات العسكرية بشكل افضل. وقامت هذه التشكيلات بأعمال عسكرية نوعية في المدن والنواحي القريبة من المدن الرئيسية والتي هزت مضاجع النظام وجحوشه المنتشرين في عموم منطقة كردستان.