مدارات

المتظاهرون في رومانيا: إقالة ديناصورات الفساد

رشيد غويلب
تتواصل الاحتجاجات في رومانيا منذ 12 يوما للمطالبة باستقالة الحكومة برغم تراجع الاخيرة الأسبوع الفائت عن مرسوم أصدرته يحمي الفاسدين و يخفف العقوبات المتعلقة بجرائم الفساد، وكذلك استقالة وزير العدل.
واحتشد حوالي خمسة آلاف شخص في شوارع العاصمة الرومانية بوخارست مساء السبت الفائت رغم شدة البرد وبلوغه إلى عشر درجات تحت الصفر.
وشهدت مدن أخرى منها كلوي وسيبيو وبراسوف وتيميسوارا تظاهرات أيضا ضد الحكومة. ونظمت تظاهرات مناهضة للأولى ومؤيدة للحكومة أمام قصر الرئاسة في بوخارست، متهمة رئيس الدولة كلاوس يوهانيس بشق الصفوف في البلاد.
وكان وزير العدل الروماني فلورين يورداش قد أعلن الخميس الفائت استقالته بعد تظاهرات احتجاج حاشدة غير مسبوقة منذ انهيار التجربة الاشتراكية في عام 1989 . و الوزير هو احد معدّي المرسوم الذي أقرته الحكومة في 31 كانون الثاني ثم سحبته بفعل قوة ضغط المحتجين.
وأعلنت وزيرة العدل الجديدة التي عينت السبت بعد استقالة سلفها أنها لن تقترب من أي من قوانين مكافحة الفساد، ودعت إلى الحوار مع المتظاهرين.
ورفع المتظاهرون المحتشدون في ساحة النصر في العاصمة بوخارست شعارات منها "مكانهم السجن وليس السلطة". وعبر المتظاهرون عن عدم ثقتهم بتراجعات الحكومة التكتيكية وتصريحات رئيس الوزراء التي رافقتها. ويصرون على الاستمرار في الاحتجاج حتى إقالة الحكومة، وقد حملوا دمى تمثل الساسة المتنفذين وهم يرتدون ملابس السجن.
ويعتقد الكثير من المتظاهرين ان الحكومة ستعود في وقت آخر عبر تعديلات تشريعية، تقرها الأكثرية البرلمانية، إلى الالتفاف والعفو عن مدانين معينين لإنقاذ نفسها.
ويردد المتظاهرون أغاني شعبية محلية تشير إلى كشف سلوك الثعلب المحتال، وأمام متحف الطبيعة تجمع طلبة الجامعة وهم يهتفون " نحن مستعدون لمساعدة الديناصورات على الرحيل"، في إشارة منهم إلى ان الطبقة السياسية الحاكمة لم تعد تلبي متطلبات العصر. وفي الوقت الذي يتصاعد فيه قلق الكابينة الوزارية بشأن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، يتنفس المتظاهرون الصعداء وتنتابهم مشاعر الفخر.
وقدمت المعارضة البرلمانية طلبا بالتصويت على سحب الثقة من الحكومة، إلا ان فرص نجاحه تكاد تكون معدومة، نظراً لتمتع الحزب الاشتراكي الحاكم وحليفه الليبرالي الاجتماعي بأغلبية برلمانية مستقرة.
وتلقى أداء الحكومة الرومانية النقد من المفوضية الأوربية، ومن الحكومة الأمريكية ومن حكومات وسفراء البلدان الأوربية الكبيرة. والرسالة القوية القادمة من ساحات الاحتجاج تشير إلى ضرورة استمرار الكفاح ضد الفساد، ومن جانب آخر يؤكد الكثير من المعلقين والمتابعين ان حركة الاحتجاج توظف الدعم الأوربي بشكل مؤثر جدا.
وسبق لرئيس الجمهورية كلاوس يوهانيس، الذي يقدم نفسه، باعتباره الضمانة الأكيدة لمكافحة الفساد، ان شدد في كلمة له في البرلمان على انه على الحكومة إيجاد حل للأزمة التي تسببت في اندلاعها، وغادر أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم قاعة الجلسة، عندما أشار الرئيس إلى ان الوقت لا يزال مبكرا لإجراء انتخابات جديدة، ولكنه طالب باستقالة وزير العدل، وهو ما تحقق لاحقا، ويعد ذلك مطالبة ضمنية بتشكيل حكومة جديدة، والوقوف بشكل واضح إلى جانب المتظاهرين. أما كيف سينتهي الصراع بين الحزب الحاكم وخصومه داخل البرلمان وخارجه، فسيبقى سؤالا مفتوحا، ولكن المؤكد ان تجاوز الانقسام العميق في المجتمع يصبح يوما بعد آخر صعب المنال.
ومن المعلوم إن الحكومة الرومانية امتنعت حتى الآن، على الرغم من استمرار الحركة الاحتجاجية، عن مواجهتها بالعنف، ومن جانبها حافظت الحركة على سلميتها ووضوح شعاراتها.