مدارات

أجلس الآن معه وجهاً لوجه ولا أعرف ماذا أفعل . أكتب عنه أو أعتذر منه؟ / زهير الجزائري

احتاج أن أبتعد أو أبعده لأتحدث عنه في صيغة الغائب، لكن حضوره كثيف أمامي . يغادر كرسيه ليقدمه إلى الآخرين كما هو دائماً ، لا يريد ان يمتلك شيئا يريده الآخرون .
هل هو كرم ، أم تخل عن كل ما يملكً؟ ففي سوريا وضع ما يملكه من مال جمعه خلال فترة التدريس في الجزائر لمساعدة كل من يحتاج المال للسفر ، او للمعيشة، وحين اسأله سيكون جوابه جاهزا ، ليس لدي أولاد لأورث.
تعرفت عليه أكثر في لندن ، فقد كان بيتنا محطته الأولى . كان لي أبا بعد ان فقدت ابي ، وكان لابنتي أوس جدا لم استطع ولم أتعلم منه سهولة التخلي عن الأشياء للآخرين ، فقد تخلى وهو بهذا العمر عن سريره الخاص لصديقه علي الشوك. لم استطع تعلم زهده في الحياة ومساعدة الآخرين ولا نفوره من كلمات الامتنان والمديح.
كنت ألح عليه أن يكتب مذكرات او نوع من السيرة، لكنه ينفي الفكرة بيده (ليس في حياتي ما يستحق ان يكتب مع انني اجد الكثير. كنت أستشيره في كل الأمور وهو اول من يقرأ كتاباتي قبل النشر . أحب صراحته التي لا تداهن والتي كانت سببا في خسارة بعض أصدقائه. في المرات الأخيرة أردت ان أزوره، قال لي أفضل أن لا تأتي لأن بيتي مظلم لأن نور الشمس يسبب له حساسية جلدية وفي واحدة من حفلات الجالية العراقية قال لي وسط ضجيج الموسيقى انه بدأ يعود نفسه على فكرة، بالأحرى حقيقة الموت ، وصارت بالنسبة إليه أليفة. ذهب غانم بهدوء وربما سيستغرب كتاباتنا عنه، فهو دائم الاعتقاد بانه لم يقدم شيئا ذا أهمية للثقافة، للحزب، وللوطن في محنته.