مدارات

تراجع احتياطي البنك المركزي العراقي واثره على استقرار الدينار

عادل عبد الزهرة شبيب
ان المعنى الحرفي لاحتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي هي الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط التي تحتفظ بها المصارف المركزية والسلطات النقدية ومعظمها من الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الاسترليني وغيرها وتستخدم في وفاء الديون , وان الاحتياطيات الدولية الرسمية هي وسيلة للمدفوعات الدولية الرسمية , وكانت سابقا من الذهب فقط وأحيانا الفضة لكن في نظام بريتون وودز اعتمد الدولار الأمريكي كعملة لاحتياطي النقد .
ان الاحتياطي الكبير من العملات الاجنبية يسمح للحكومة بالتحكم بأسعار الصرف لتحقيق الاستقرار في أسعار صرف العملات الاجنبية لتوفير بيئة اقتصادية مؤاتية. وطبعا هناك ثمن للاحتفاظ باحتياطي ضخم من العملات الاجنبية التي تتعرض للمكاسب والخسائر في القوة الشرائية للاحتياطي نتيجة تقلبات اسعار صرفها في الأسواق فقد تؤدي التقلبات الى خسائر ضخمة لذا يجب على المصرف المركزي باستمرار زيادة كمية الاحتياطي للحفاظ على نفس القدرة في التحكم بأسعار الصرف , كما يمكن استثمار الاحتياطي الضخم من العملات في الاصول ذات العوائد المرتفعة .
ان احتياطي النقد الاجنبي هو مؤشر مهم على القدرة على تسديد الديون الخارجية والدفاع عن العملة ويستخدم لتحديد التصنيفات الائتمانية للدول .
فقد أعلن البنك المركزي العراقي مؤخرا وعلى لسان محافظه تراجع احتياطاته من العملة الصعبة الى ( 49) مليار دولار بعد أن كان عام 2013 (80 ) مليار دولار ليتراجع الى (66) مليار دولار في عام 2014 وبلغ في عام 2015 (68 ) مليار دولار وتراجعه في عام 2016 الى (53) مليار دولار, فماذا يعني هذا التراجع والاستنزاف للاحتياطي النقدي من العملة الصعبة؟ ولماذا ؟
ان هذا الاستنزاف والتراجع يعني سوء ادارة الملف الاقتصادي وعدم وجود سياسة اقتصادية ونقدية واضحة المعالم. فما هي أسباب تراجع الاحتياطي النقدي للبنك المركزي العراقي؟
1. أول هذه الأسباب , انخفاض الايرادات المالية من مبيعات النفط العراقي بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية ما أدى الى قلة الايرادات المالية الداخلة الى البنك المركزي معرضا العراق الى أزمة اقتصادية حادة نتيجة ذلك .
2. سياسة الدولة الخاطئة القائمة على الاستمرار في الاقتصاد الريعي الاحادي الجانب المعتمد كليا على واردات النفط الخام والذي يعتبر سلعة متذبذبة في أسعارها , دون أن يسعى المتنفذون الى تنويع مصادر الدخل الوطني وتفعيل القطاعات الانتاجية غير النفطية.
3. تفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري في اجهزة الدولة المختلفة والتي أرهقت الموازنة العامة وساهمت في ارتفاع نسبة العجز فيها اضافة الى عدم تفعيل مصادر الدخل الوطني من غير النفط.
4. عدم جذب الاستثمار الاجنبي الذي يمكن أن يكون له دور في تطوير الاقتصاد الوطني وزيادة موارد العراق المالية من خلال زيادة الصادرات.
5. سوء ادارة مرافق البلاد الاقتصادية بسبب اعتماد نظام المحاصصة المقيت وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
6. عدم وجود الاستراتيجية الاقتصادية التي يمكن أن تنهض بالبلاد اقتصاديا واجتماعيا.
7. مزاد العملة سيئ الصيت الذي له دور في استنزاف أموال العراق والذي أصبح نافذة للفساد وغسيل الأموال بالاتفاق بين دول ومصارف أهلية وموظفين فاسدين .
لقد حذر عدد من الخبراء من دخول العراق دائرة الخطر مع استمرار سحب الحكومة العراقية من احتياطي البنك المركزي لمواجهة العجز في الموازنة الاتحادية في ظل انخفاض أسعار النفط عالميا واستهلاك البلاد نحو ثلث الموازنة على المرتبات الشهرية والثلث الآخر على الحرب ضد داعش والارهاب منذ سنوات .وبهذا الصدد فقد سبق وان حذر محافظ البنك المركزي الاسبق د. سنان الشبيبي عام 2011 وكانت نقطة خلافه مع حكومة المالكي هي مسألة اقراض الحكومة خمسة مليارات دولار من البنك المركزي لغرض تكملة موازنة عام 2011 مبينا ان اقراض الحكومة من قبل البنك المركزي فيه اضرار ومخاطر كبيرة على سمعة واداء البنك المركزي كما انه سيساهم في اضعاف قدرته داعيا الى استخدام الفائض في الموازنات السابقة لتكملة الموازنة وقد عارض بشدة اقراض البنك المركزي للحكومة مستندا بذلك الى المادة (26) /1 من قانون البنك المركزي العراقي رقم (56) في 2/8/2004 والتي نصت على : (( لا يجوز للبنك المركزي العراقي منح ائتمانات مباشرة أو غير مباشرة للحكومة أو أي مؤسسة عامة أو كيان حكومي عدا ما يقوم به البنك المركزي العراقي من توفير دعم للسيولة وفقا للمادة 31 الى المصارف التجارية العائدة إلى الحكومة والخاضعة إلى البنك المركزي ......)).
فالمادة 26 من قانون البنك المركزي العراقي صريحة وواضحة تمنع اقراض البنك المركزي للحكومة سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة . فكيف تجيز الحكومة لنفسها استنزاف الاحتياطي النقدي خلافا للقانون؟
في حين أكد مستشار مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية د. مظهر محمد صالح في حديثه للمدى برس في التاسع من كانون الثاني 2016 على أنه بمقدور الحكومة اقتراض جزء من أموال البنك المركزي للمساعدة في الأزمة المالية شرط أن يكون الاقتراض مبوبا بقانون لكون المادة 26 من قانون البنك المركزي قد منعت البنك من اقراض الحكومة , مؤيدا تعديل المادة اعلاه بما يسمح بإقراض الحكومة جزءا من اموال الخزينة .
أما مستشار البنك المركزي العراقي السيد وليد عيدي في تصريحه للإخبارية (SNG) في الثالث والعشرين من شباط 2017 فقد بين بأن احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة يكفي لثمانية عشر شهرا وهو في نظره يدل على استقرار احتياطي العراق من العملة الصعبة حيث أن الاحتياطي حسب المقاييس الدولية يجب أن يكفي لستة أشهر كمقياس لأية دولة وهو يكفي لتسديد الدين ومراعاة التنويع الجغرافي ويقضي حاجة السوق المحلية من السلع والخدمات والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية ودفع رواتب المتقاعدين.
لقد أكد الحزب الشيوعي العراقي من خلال تقريره السياسي الصادر عن المؤتمر العاشر للحزب على أن السبب الرئيس للازمات المتتالية التي يمر بها العراق هو اعتماد المحاصصة الطائفية – الاثنية الذي ساهم المحتلون في ترسيخه والمستفيدون منه في ادامته , مشيرا الى دور الفساد في اهدار المال العام واخفاق المنظومة الرقابية في محاربة الفساد والحد منه ومبينا ان سوء الادارة وغياب الرؤية لدى راسمي السياسة الاقتصادية واستشراء الفساد قد ادى الى تبديد موارد مالية واقتصادية هائلة . كما اكد على عدم كفاية ايرادات الموازنة وارتفاع نسبة العجز قابلها ارتفاع في المديونية الخارجية والداخلية وانخفاض في الاحتياطي الرسمي من العملة الاجنبية , كما اكد ايضا على ضرورة اتخاذ الدولة اجراءات فعالة من خلال ادوات ضريبية او باستخدام ادوات السياسة المالية لتضييق الفرق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق ولكي تذهب النسبة الاكبر من الارباح الى الخزينة العامة للدولة والعمل على وضع ضوابط فاعلة وتطبيقها على بيع وشراء العملة ومنع تهريبها . مؤكدا على ضرورة بناء استراتيجية تنمية صناعية وطنية قادرة على تنويع بنية الاقتصاد والصناعة وتنويع الصادرات ليتخلص الاقتصاد من تبعيته لتصدير البترول وزيادة موارده المالية .