مدارات

خيار فرنسا المقبل بين الليبرالية الجديدة والفاشية

رشيد غويلب
شهدت فرنسا يوم الأحد الفائت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهي أول انتخابات في البلاد تجري في ظل إعلان حالة الطوارئ. وقد جاءت النتائج المعلنة حتى ساعة إعداد هذا التقرير متطابقة إلى حد بعيد مع استطلاعات الرأي التي سبقت يوم التصويت: فاز إيمانويل ماكرون بالجولة الأولى، وحصل على 23,75 في المائة، وجاءت بعده مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين بـ21,53 في المائة.
وبحصوله على 19,9 في المائة شغل اليميني المحافظ فيلون المرتبة الثالثة، وحل رابعا مرشح اليسار جان لوك ميلينشون الذي حصل على19,64 في المائة، بزيادة اكثر من 8 في المائة على ما حصل عليه في انتخابات 2012 . اما المرتبة الخامسة فقد كانت من نصيب مرشح الحزب الاشتراكي الحاكم هامون، والذي اكتفى بـ 6,35 في المائة فقط، وهي اسوأ نتيجة في تاريخ الحزب الاشتراكي الفرنسي المعاصر. وبلغت نسبة المشاركة في التصويت 78,69 ، مقابل 80,42 في المائة في الانتخابات السابقة.
وعد متابعون يساريون نتيجة الانتخابات خيبة امل كبيرة لكل الذين يريدون سياسة اجتماعية معادية للعنصرية وداعمة للسلام. وان على الفرنسيين إن يختاروا في جولة الانتخابات الثانية التي ستجري في 7 ايار المقبل بين الطاعون والكوليرا، في اشارة إلى التنافس سيجري بين ماكرون الذي يتبنى اجندة الليبرالية الجديدة ولوبين التي تطرح في الجوهر بديلا فاشيا.
من جانب آخر حيا الكثير من قوى اليسار في العالم النتيجة التي حققها المرشح اليساري المدعوم من الحزب الشيوعي جان لوك ميلينشون، الذي كان يملك فرصة دخول الجولة الثانية، لولا تشبث مرشح الحزب الاشتراكي بالاستمرار في خوض السباق الانتخابي مع إن فرص نجاحه كانت معدومة. ولهذا فقد ضيعت الحزبية الضيقة فرصة ثمينة لقوى اليسار، وبحساب بسيط تكون مجموع الأصوات التي حصل عليها المرشحان اليساريان 26،34 في المائة. ويجمع الكثير من المراقبين على إن فرص فوز ميلينشون في الجولة الثانية كان يمكن إن تكون مضمونة. ومعلوم إن اعدادا كبيرة من الشبيبة الفرنسية صوتت لميلينشون واصفين اياه بـ "بيرني ساندرز فرنسا"، الذي كان بإمكانه حرمان مرشحة اليمين المتطرف من الوصول إلى جولة الانتخابات الثانية.
ومرة اخرى تزكي الحياة رؤية الحزب الشيوعي الفرنسي الذي عمل طيلة الشهور التي سبقت الانتخابات جاهدا للتوصل إلى مرشح واحد مشترك لليسار، كان بإمكانه إن ينقل سياسة الدولة الفرنسية إلى مستوى جديد، ويجنب الاشتراكيين، الذي كرروا مرة اخرى سلوكهم المعروف، الهزيمة النكراء التي مني بها مرشح الجناح اليساري، والذي تخلى عنه يمين الحزب الاشتراكي على الرغم من تسميته لخوض السباق الرئاسي تمت بشكل ديمقراطي
الخيار بين الليبرالية الجديدة والفاشية
إن نتائج الجولة الأولى فرضت خيارا واحدا على جميع المعادين للفاشية وهو التصويت لممثل الليبرالية الجديدة ماكرون،الذي يتبنى سياسة معادية للنقابات، والمزيد من اجراءات التقشف، وخصوصا في قطاع الخدمات العامة، فضلا عن تقديم تسهيلات ضريبة إلى الشركات الكبرى والأغنياء . وهذه السياسة بالضبط هي التي ادت إلى تدهور الظروف الاجتماعية، وبالتالي صعود اليمين الشعبوي المتطرف.
وجرت الانتخابات الفرنسية تحت إجراءات أمنية مشددة شارك فيها 50 ألف شرطي و7 آلاف جندي. وقدَّم اعتداء إرهابي في جادة الشانزلزيه الشهيرة في باريس، نفذ قبيل يوم التصويت، خدمة مجانية لليمين المتطرف. الذي يسعى إلى توظيف الأعمال الإرهابية لتصعيد الكراهية العنصرية ضد الأجانب عموما ، ومواطني البلدان الإسلامية بشكل خاص.