مدارات

فنزويلا.. صراع مفتوح حتى انتخابات 2018

رشيد غويلب
منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في كانون الأول 2015 ، تصاعد الصراع بين اليمين الذي هيمن على أكثرية مقاعد البرلمان الوطني، وحكومة تحالف "القطب الوطني" اليساري بزعامة الرئيس مادورا. ويحفل الأعلام التقليدي بمانشيتات مثل: "فنزويلا في الطريق إلى الدكتاتورية"، "مادورا يريد إقامة الدكتاتورية"، "المعارضة الفنزويلية تحذر من الدكتاتورية"، يبدو إن قوى اليمين المحافظ في داخل البلاد، وعموم قوى اليمين في أمريكا اللاتينية والعالم، متفقة على ترسيخ هذه الصورة في ذهن المتلقي
وما يؤكد نفاق هذا الأعلام وكيله بمكيالين هو استخدامه وبلا حرج مفردات "الدكتاتورية" والانقلاب البرلماني" التي رافقت عزل ديلما روسيف رئيسة الجمهورية المنتخبة ديمقراطيا في البرازيل، والتي أطاح بها اليمين المحافظ بانقلاب برلماني مكشوف.
ولعل إحدى المحطات المهمة في الصراع الدائر هناك كانت انتصار جلي للديمقراطية، ولكن الأعلام المحافظ، عمل على إخفاء معالم أسباب الحدث والخلفية التي أدت إلى اندلاع الأزمة.
ومعلوم إن المحكمة العليا في البلاد كانت قد حلت قبل أسابيع البرلمان ورفعت الحصانة عن أعضائه. وبعد اعتراضات جدية من داخل الحكومة و معسكر اليسار، تم إلغاء قرار المحكمة المثير للجدل. وجاء ذلك بعد احتجاج النائبة العامة لويزا اورتيجا دياز المقربة من الحكومة التي اتهمت المحكمة العليا بقيامها بـ: "انتهاكات مختلفة للنظام الدستوري وعدم احترام المبادئ المنصوص عليها في نموذج دولتنا الدستوري". بعد ذلك اجتمع مجلس الأمن الوطني بدعوة من الرئيس مادورا، وطالب المحكمة بإعادة النظر في قرارها.
ولم يغير هذا الحدث من سلوك المعارضة، التي أصرت على إن الرئيس يحكم بالمراسيم التنفيذية. واتهم رئيس البرلمان خوليو بورخيس الحكومة بان الغرض من المراجعة هو "إخفاء القيام بانقلاب على دفعات"، مستمرا في ممارسة سياسة التصعيد.
ومنذ الانهيار في أسعار المواد الخام في السوق العالمية، وتقلص عائدات النفط من العملة الصعبة، دخلت فنزويلا أواخر عام 2013 في أزمة توفير الاحتياجات الأساسية ، حتى قبل وفاة رئيسها الأسطوري هوغو شافيز . وحتى ذلك الحين نجح شافيز في بناء نموذج التوزيع البوليفاري المعتمد على الصادرات النفطية، واستطاع مكافحة الفقر باعتماد برامج اجتماعية. ولكن احتياطي فنزويلا وصل في عام 2016 إلى 14 مليار دولار، وهو أدنى مستوى له منذ 21 عاما.
وكان من المفترض إن تقوم الحكومة بعد وفاة شافيز بتغيير نهج الاقتصاد الريعي الذي عفا عليه الزمن. لكن خليفة شافيز، الرئيس نيكولاس مادورو ضيع فرصة القيام بتدابير جذرية عاجلة، لتعزيز تنمية زراعة وإنتاج الغذاء ولبناء صناعة محلية وإنتاج الأدوية.
لقد عملت المعارضة والقوى الفاعلة اقتصاديا الداعمة لها، على تعميق الأزمة، وفق ذهنية انقلابية، قائمة على إفراغ السوق من المواد الأساسية، وبيعها في السوق السوداء إلى البلدان المجاورة، وتحميل الحكومة مسؤولية شح الغذاء والدواء، في مسعى منها للإطاحة بالرئيس الذي تدنت شعبيته في نهاية العام الماضي ووصلت إلى 20 في المائة فقط.
ودقت نتائج الانتخابات البرلمانية، التي سيطرت المعارضة البرلمانية بموجبها على ثلثي مقاعد البرلمان، ناقوس الخطر للرئيس وقوى اليسار الداعمة له. ولم يكن انتصار المعارضة شرعيا بالكامل، فقد ألغت المحكمة العليا عضوية ثلاثة نواب، بعد إن ثبت تزوير النتائج في دوائرهم الانتخابية. ولم تلتزم المعارضة بتنفيذ قرار القضاء، إلا بعد انتخاب رئيس البرلمان اليميني الشعبوي خوليو بورخيس بريميرو بمشاركة النواب المعزولين. وقد أدى الحدث إلى اندلاع أزمة بين السلطة التشريعية والقضاء، وعمدت المحكمة العليا إلى اعتبار جميع قرارات البرلمان غير شرعية، انطلاقا من إن ما بني على باطل هو الآخر باطل.
وليس هناك شك في أن تجاهل آليات العمل في البرلمان وأحكام الدستور وقرارات المحكمة هي واحدة من الاستفزازات المحسوبة لتحالف اليمين المعارض. الذي منحته عودة اليمين إلى السلطة في الأرجنتين، والانقلاب البرلماني في البرازيل زخما إضافيا.
وتشهد شوارع وساحات المدن الرئيسة في البلاد تظاهرات، معارضة وأخرى مؤيدة للحكومة، وتصاعد واتساع للعنف بين الفريقين المتصارعين، وقد خلفت أحداث العنف التي ابتدأها اليمين اكثر من 20 ضحية. ما زالت التحقيقات جارية في تحديد هوية الجناة. وتتبادل الحكومة والمعارضة الاتهامات بالمسؤولية عما حدث. وقد منعت قوى الامن المتظاهرين من الدخول إلى المربع الحكومي، لمنع تكرار توظيف التظاهرات كغطاء لتنفيذ انقلاب مشابه للانقلاب الفاشل ضد الراحل شافيز.
وكان الحزب الشيوعي الفنزويلي قد دعا قوى اليسار إلى عدم ترك الشارع لليمين، مهيبا بكادحي فنزويلا الوقوف صفا واحدا لمواجهة الهجمة الامبريالية والدفاع عن التجربة التقدمية، ولم تمنع الحزب من اتخاذ موقفه هذا انتقاداته المستمرة لأداء الرئيس مادورا. وتشير الانباء الواردة من كركاس أن قوى اليسار على اختلاف مشاربها تتكاتف الان لمواجهة هجوم الثورة المضادة. إن الصراع الدائر سيظل مفتوحا حتى اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2018 .