مدارات

أوربا .. منتدى مارسليا للقوى اليسارية والتقدمية خطوة على طريق النجاح

رشيد غويلب
شهدت مدينة مرسيليا الفرنسية يومي 10 -11 تشرين الثاني الجاري انعقاد "منتدى مرسيليا الأوربي"، بدعم من الحزب الشيوعي الفرنسي وحزب اليسار الأوربي، وشارك في اعماله المئات من ممثلي الاحزاب اليسارية والتقدمية في العديد من البلدان الأوربية والنقابات والمبادرات ومنظمات المجتمع المدني.
وانحصر الهدف من المنتدى في تبادل وجهات النظر والتجارب العامة للاحزاب الشيوعية والاشتراكية،ولكن متابعين حضروا جلسات المنتدى اكدوا ان القوى المشاركة فيه وضعت حجر الأساس لعمل مشترك على اساس القواسم المشتركة التي تم التوصل اليها.
ونقل ممثلو قوى اليسار الامريكي اللاتيني تجربتهم في "منتدى ساو باولو" الذي استطاع تجميع القوى اليسارية والتقدمية في القارة. وراى القسم الأكبر من المشاركين في مرسيليا في منتدى ساو باولو نموذجا يحتذى به لخلق اطار اوربي قادر على خلق تنسيق وتعاون طويل الأمد للقوى البديلة في اوربا.
وبطبيعة الحال اتفق الحضور على المشتركات الأساسية وهي: إن الاتحاد الأوروبي هو في الأساس بناء ليبرالي جديد، يعتمد سياسات غير اجتماعية يلمسها السكان بشكل ملحوظ. ولا يجري فقط انتهاك حقوق الانسان الى مديات بعيدة، بل ان تصدير السلاح يجري على قدم وساق، وبما يتعارض مع السلام. ويجب التركيز والعمل لتحقيق تنمية مستدامة. وحالة الاتحاد الأوربي الراهنة حرجة، ففي بلدان مثل فرنسا وهولندا والنمسا والجمهورية التشيكية، يظهر الملف المتعلق بالقضايا الأوربية في الحملات الانتخابية في احسن الأحوال بموازاة القضايا المتعلقة بالهجرة. ان تكون يساريا في اوربا عليك ان لاتكتفي بالمسلمات والمنطلقات الفكرية، وانما ينبغي وضع اجابات عملية للاسئلة الراهنة. وفي حين حذر ممثلو دول مثل تركيا من إهمال التأثير الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي، دعا ممثل "كاتالونيا كومو" الى المزيد من مشاركة الأوروبيين من خلال منحهم سلطات صنع القرار على مستوى المدينة والمستوى الإقليمي. ومن شأن تعزيز المشاركة أن تعمق الثقة والوعي في الاتحاد الأوروبي، وتخلق تضامناً حقيقياً بين الدول الأعضاء.
وعكست جلسات لقاء مختلف شبكات حركات الشبيبة، ومنظمات الشبيبة المرتبطة بالاحزاب، بشكل سريع، ان المنتدى الأوربي يحتاج الى مزيد من العمل: فهناك قوى لازالت تركز على تحقيق تقدم اجتماعي وتصعيد المقاومة داخل حدود دولها الوطنية. ونقل بعض البرلمانيين الأوربيين صورا عن الصعوبات التي تواجههم في التركيز على الأسئلة الأوربية في مواجهة الجمود على ماهو محلي. وساد اتفاق في مرسيليا على ان قوى اليسار والتقدم في اوربا قادرة على ممارسة الحكم، لكي تصبح ناجحة عمليا.
لقد نجح منتدى مرسليا في وضع ارضية للتنسيق والتعاون بين القوى التقدمية، الى جانب تبادل وجهات النظر والتجارب. واكدت المشاركة، مرة اخرى، انه يمكن رؤية مستقبل العمل المشترك بين هذه القوى في هذا المنتدى.
وبهذا فان اللقاء الأول لمنتدى مرسيليا وضع تصورا ملموسا، طال انتظاره،لموقف اوربي يساري عابر للحود الوطنية وذا مصداقية: واخيرا جري البحث أكثر عن المشتركات، بدلا من البحث عما هو مختلف عليه، وسيبدأ العمل لوضع برنامج تقدمي لاوربا، بدلا من "المواقف المضادة"، ارتباطا بالتوجه لانتخابات البرلمان الأوربي في عام 2019 . وسيتم انطلاقا من منتدى مرسيليا تشكيل شبكات، واشكال تنسيق تناقش نماذج اجتماعية مشتركة جديدة.
ولم يتم، حتى الآن، تحديد طبيعة مشاركة الحركات ومنظمات المجتمع المدني. وسيكون ذلك بالإضافة الى اليات صنع قرارات مستقرة للمنتدى وهيكليته من مهام الدورة القادمة للمنتدى في عام 2018 . لقد آن أوان صياغة إجابات ملموسة على الأسئلة الحارقة في أوروبا،فتبادل وجهات النظر والتجارب كان موجوداً في اشكال التنسيق السابقة.
وكان بيير لوران السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي، ونائب رئيس حزب اليسار الأوربي قدد شدد قبيل انعقاد المنتدى بقوله: " لقد كان تأسيس حزب اليسار الأوربي خطوة اولى. ولكن يجب علينا المضي قدما. فهناك قوى في البرلمان الأوربي، وفي مجموعة البرلمانيين اليساريين، وهناك قوى سياسية مجتمعية جديدة ظهرت، وهناك قوى مجتمعية، وحركات جديدة على الصعيدين السياسي والاجتماعي. ويجب ان تعمل جميع هذه القوى سوية. وهذا ما نريد ان نخلقه في منتدى مرسيليا. وفي هذا السياق فان تجارب امريكا اللاتينية،في هذ المجال، ذات قيمة بالنسبة لنا،لانهم يمارسون، منذ زمن طويل، هذا التنسيق السياسي بنجاح. ونحن في حاجة إلى هذا التعاون إذا أردنا أن نخفف من شدة الكماشة التي ترزح فيها أوروبا - بين قوى الليبرالية الجديدة من جهة، والقوى الشعبوية، قوى اليمين المتطرف من جهة أخرى. نحن في حاجة الى تنسيق وتعاون قوى اليسار الأوربي والقوى الايكولوجية، إذا أردنا أن نفتح مسارا مختلفا".