مدارات

الحركة الاحتجاجية في تركيا إلى أين؟ / رشيد غويلب

منذ اقتحام ساحة "تقسيم" وسط اسطنبول في حزيران الفائت، بدا الهدوء هو السائد في الساحات والشوارع التي كانت ميدانا للتظاهرات الحاشدة والصدامات بين قوات الشرطة والمحتجين. ومنذ بداية أيلول الفائت، بدأت مجددا التظاهرات، والمواجهات، وهذه المرة بدءا من أنقرة ومحافظة هاتاي على الحدود السورية، وأيضا في اسطنبول، التي شهدت تظاهرات وأعمال عنف أدت الى سقوط قتيل وعدد كبير من الجرحى.
وفي بداية تشرين الأول الفائت نشطت وحدات مكافحة الإرهاب في اسطنبول. ويقول نشطاء يساريون: لقد توزع المحتجون على 60 حديقة وموقع في اسطنبول، حتى قبل أن يتم اقتحام ساحة "تقسيم" من قبل قوات الشرطة، وارتفع عدد الساحات التي سيطر عليها المحتجون بعد اقتحام مركزهم الرئيسي، الى المئات، وبهذا فان الحركة الاحتجاجية أعادت تنظيم نفسها وانتشرت في جميع أحياء اسطنبول الكبرى.
وبهذا وصلت الحركة الاحتجاجية الى أوسع فئات الشعب، وأصبحت جزءا من حياة الناس اليومية. ويعتقد هؤلاء النشطاء أن اقتحام ساحة "تقسيم" تحول إلى هزيمة لحكومة أردوغان وأجهزتها الأمنية، اللتين افترضتا أن المحتجين تفرقوا وعادوا الى منازلهم، وان فكرة الاحتجاج وصلت إلى نهايتها.
وفي هذه الأثناء تحولت المنتديات العامة التي شكلها المتظاهرون الى نوع من المجالس الشعبية، وأصبحت وسيلة جديدة من النضال لم تكن موجودة من قبل. لقد تعلم الناس من التجربة التي اكتسبوها خلال المقاومة في حديقة غيزي، وتوصلوا الى وسائل احتجاج بسيطة، ولكنها فعالة، أعطت الحركة الاحتجاجية صفة الديمومة. وتحولت هذه المنتديات إلى مراكز للحوار وتبادل الخبرة واتخاذ القرارات.
وتبعا لذلك تراجع دور "لجنة تضامن تقسيم"، التي أدارت الاحتجاجات في مرحلتها الأولى الى الموقع الثاني، وبدأت المناقشات تأخذ طابعا شعبيا عاما، وهذا لا يعني أن اللجنة اختفت، وما تزال دورا تعبويا مؤثرا، ولكن الجديد أن المساهمين في المنتديات الصغيرة، ما عادوا ينتظرون النداءات المركزية، ويبادرون كلما استجد تطور يستحق التفاعل معه.
وخلق الشكل الجديد صعوبات لأجهزة القمع الحكومية، التي كان بامكانها ملاحقة واعتقال لجنة التضامن المركزية، أما الآن فان هذه الأجهزة تجد صعوبة في رصد وملاحقة تجمعات الاحتجاج اللامركزية. وشكلت المنتديات أيضا هيكليتها الخاصة، ففي اسطنبول هناك منتديان كبيران لأحدهما 173 فرعا ومجموعة عمل، وهذه التجمعات الصغيرة هي التي حافظت على الحركة الاحتجاجية وأكسبتها مضامين جديدة، ففي منتديات المحلات السكنية هناك عدد من المطالب المحلية تضاف الى مطالب الحركة العامة.
وتضم المنتديات في الأحياء ما بين 50 100 مشارك، وكانت المشاركة نشطة خلال أشهر العطلة الصيفية، ولكنها أصبحت اقل نشاطا مع بدء الموسم الدراسي في المدارس والجامعات، فضلا عن متطلبات المعيشة والحياة اليومية، التي تجبر الكثيرين على عدم المشاركة المتواصلة.
وتبحث حركة المنتديات حاليا عن أشكال ووسائل جديدة، منها عدم الاقتصار على اللقاء بالحدائق، وإنما البدء باحتلال بعض المباني، وبناء أشكال تقترب من المجالس الشعبية. ويجري البحث عن طرق تجعل الحركة أكثر تأثيرا.
لقد حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية تمزيق الحركة الاحتجاجية من خلال تبني استراتيجيات مختلفة، ولكنها لم تنجح، وسوف لن تنجح في المستقبل أيضا، لان منتديات الحركة الاحتجاجية تأخذ أشكالا متعددة، وتتبع أساليب متنوعة تمتد من النضالات السلمية الى المواجهات المباشرة مع شرطة النظام. وكان التخويف أقوى سلاح في يد الحكومة، وكان الخوف ينتاب الناس لفترة طويلة وبالتالي لم يتحركوا. ولكن حركة الاحتجاج أطلقت قطار المحاصرين الطويل، ولم تعد الحكومة تمتلك هذا السلاح. لقد تحقق تقدم ملحوظ "ولا عودة الى الوراء".
ويعلم الناس أنهم هدف مباشر لشرطة الحكومة، ويعلمون أيضا أنهم ربما يضربون أو يقتلون في الشوارع، ومنذ حزيران الفائت قامت الشرطة بقتل ستة نشطاء، ومئات تعرضوا الى إصابات قاسية، بعضهم فقد بصره، وطالت الاعتقالات 5 آلاف، ما زال 90 منهم خلف القضبان. وعلى الرغم من الملاحقة المستمرة، فان الحركة مستمرة، والحركة تحاول استعادة الأماكن التي تم إخلاؤها بالقوة، وتلك التي شملها قرار المنع.