مدارات

الولايات المتحدة: حملة تبرعات لتسديد ديون الفقراء / رشيد غويلب

تثقل الديون الشخصية على العديد من الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الغالب تعود هذه الديون الى عدم قدرة هؤلاء على تسديد فواتير الأطباء والأدوية، أو تكاليف نظام التعليم الخاص. وفي الأشهر الأخيرة تلقت 2693 عائلة فقيرة في مناطق مختلفة من البلاد رسالة تقول: "لقد تم إعفاؤك من تسديد هذه الديون لدائنك، أو الجهة التي أصدرت الفواتير". وقد قابل المئات من الأمريكان هذا الخبر بكثير من الارتياح.
ويعود الفضل بذلك الى مبادرة Rolling Jubilee غير الحكومية، التي أسسها في نهاية العام المنصرم نشطاء في حركة "لنحتل". وجوهر فكرة المبادرة تحرير اكبر عدد ممكن من العوائل الأشد فقرا من ديونها الخاصة، بواسطة شراء سندات الديون في ما يسمى بـ"سوق الديون الثانوية": وبالملموس تبدأ العملية، بقيام المبادرة بجمع التبرعات، وتشتري سندات الديون مقابل جزء بسيط من قيمتها الأصلية 2 سنت مقابل الدولار الواحد، لان البنوك ترفض شراءها لعدم قناعتها بإمكانية تسديدها.
ونجحت المبادرة في شراء عدد من سندات الديون. وفي الأصل توقع نشطاء المبادرة شراء سندات الديون بنسبة 1.20، كما يقول اندرو روس أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك، واحد الأعضاء المؤسسين للمبادرة، وفي الواقع استطاعت المبادرة شراء هذه السندات بسعر ارخص بكثير مما كان متوقعا. لقد استطاعت المبادرة شراء سندات بقيمة 15 مليون مقابل 400 ألف دولار جادت بها حملة التبرعات، هذا ما تضمنه التصريح الصحفي الذي وزعته المبادرة في يوم 15 تشرين الثاني الحالي، بمناسبة مرور عام على تأسيسها، وتضمنت السندات المشتراة على ثلاث مراحل، فواتير بقيمة 13,5 مليون دولار عن تكاليف خدمات طيبة وأدوية، وصرحت "لورا حنا" إحدى نشطاء المبادرة لجريدة "الغارديان" البريطانية: "لا ينبغي لأحد ان يكبل بالديون لأنه مريض".
إن 62 في المئة من الديون الشخصية تنجم عن تكاليف الإقامة في المستشفيات، وتشير دراسات أنجزت مؤخرا ان مجموع الديون المتحققة لهذه الأسباب بلغ 1.2 تريليون دولار، ويبلغ مجموع الديون الشخصية، وفق معطيات البنك المركزي الأمريكي لهذا العام 11 تريليون دولار.
ويطلق نشطاء المبادرة على حملة شراء سندات الديون تسمية "التوعية العامة"، لأنهم يعلمون ان شراء سندات تبلغ قيمتها الأصلية 15 مليون دولار تمثل قطرة على حجر ساخن، ولكنهم يأملون ان تتحول مبادرتهم، التي جمعت خلال عام واحد تبرعات بلغت قيمتها 631 ألف دولار، الى تقليد.
وبالرغم من ان المشروع ينمو ببطء، فان الكاتب الماركسي والمنتج الإذاعي دوغ هينوود من مدينة نيويورك، ينتقد بحق التركيز الحصري على الديون وسبل تسديدها، ويدعو الى جعل مناقشة مشكلة الديون مدخلا لمناقشة عامة لمسببات الأزمة الجذرية، كركود مستوى الأجور، وارتفاع تكاليف المعيشة. وان القروض العقارية الهائلة، هي نتيجة لتملك المساكن الممولة من أموال الضرائب، والتي "تحولت عمليا الى ديانة أمريكية"، فضلا عن الديون الضخمة المتحققة عن خصخصة التعليم.
ويشارك دوغ هينوود حركة "لنحتل" هدفها في مجتمع خال من الديون، إلا انه يرى ضرورة البحث عن أصل الشرور "في النقود والنظام المالي"، ودون ربط ذلك مع طبيعة النظام الرأسمالي، ستبقى المشكلة شعوبية أمريكية، "ما دامت الحركة تحصر اهتمامها بمشكلة الديون، دون جعلها منطلقا لمناقشة شاملة وعميقة"، وسينحصر تأثيرها في بضع تقارير إعلامية.