مدارات

متحف لمؤسس الحزب الشيوعي العراقي..! / نعيم عبد مهلهل

جاء فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي إلى الناصرية في ثلاثينيات القرن الماضي من البصرة بناء على دعوة من آل طوبيا وهي عائلة مسيحية سكنت الناصرية منذ أوائل القرن الماضي ليُركب أول ماكينة حديثة للثلج في المدينة ، ويبدو أنه وجد في المدينة مناخاً صالحاً للاستقرار ونشر أول الأفكار الشيوعية المنظمة ، وبالفعل نجح في إقامة الخلايا الأولى في المدينة والتي كانت ترتبط ارتباطاً مباشراً بخلايا البصرة وأغلبها من طبقة مثقفة، من مسلمين ويهود ومسيحيين، وكل هذا يمتلك سرداً تاريخياً في أدبيات الحزب والسيرة الذاتية للأوائل من مؤسسي التنظيمات الأولى، وقد استمعت شخصياً إلى شهادات كثيرة عن أخلاق فهد وطباعه من المرحوم حميد كسار الذي كان من الأوائل الذين انتموا للحزب وكان موظفاً في دائرة البريد. وكان يصفه بدماثة خلق كبير وكتمان لا مثيل له وطباع هادئة وحزم في تطبيق الخطوات التي بدأ فيها فهد تأسيس الخلايا الشيوعية الأولى، وحتماً النهاية المأساوية التي انتهت بصانع الحلم الشيوعي العراقي هي ما كان يتوقعه ويذكر به دائما كما اخبرني المرحوم حميد كسار عندما ذكر انه ذات مساء وكان بيته ومازال قريباً من ماكينة ثلج طوبيا والواقعة على بعد 8 أمتار من ضفاف نهر الفرات الخالد الذي يشطر مدينة الناصرية إلى شطرين. أن فهد كان دائما يتوقع نهايته كهذه وكان يقول :هكذا هو طريق الشرفاء خُدام الشعب.
تذكرت عبارة ( خُدام الشعب) وأنا أرى فوران الحملات الانتخابية للمجالس المحلية، وتمنيت أن يعود الناس إلى ذاكرة التاريخ ليقرأوا السير الذاتية لأولئك الذين صنعوا بقاء أحزابهم مهما اختلفت اجنداتهم وثقافاتهم وتوجهاتهم. وحتما الحزب الشيوعي العراقي يمتلك الكثير من بياض تاريخ ذلك الرجل العصامي الذي ظل يعيش مع الشغف والعمل وفي ذات الوقت يؤسس لواحد من التنظيمات الوطنية التي عاشت المخاض العراقي في اكثر من موقف وتاريخ تأرجح وثبات وعانى وعاش بعض عصور الهدوء ثم نفيَّ وهُجر وطُردَ واليوم يعود إلى الساحة وبقوائم تحمل صفات النزاهة والفقر والثقافة وهو ما نحتاجه اليوم كثيرا بعد مرحلة من فساد إداري جعل منظمة الشفافية العالمية تعطينا سبق الفوز الثاني فيه بعد الصومال. هذا الرجل الذي صنع بأسمه المستعار تأريخاً مشرفاً لليسار العراقي. حري بالحزب أن يفكر كيف يؤسس له متحفاً أسوة بما تفعله الأمم مع عظمائها وساستها ومبدعيها من اللذين يشاركون في دفع عجلة الحياة إلى الأمام وتطوير شعوبهم ، وبالتالي فهي تبحث عن ابسط مقتنيات ذلك العظيم حتى الإبرة التي كان يخيط فيها ثيابه لتضعها في صندوق زجاجي في متحفه الخاص. فمثلا في متحف بوشكين توجد كل الأقلام التي كان الشاعر يكتب بها قصائده. وفي متحف ماو تسي تونغ هناك حتى الورق المعطر بالزنبق الذي كان ماو يستخدمه في عطاسه.
وعليه فعلى الحزب أن يفكر جديا في تأسيس متحف لمؤسسه وامينه العام الأول وأتمنى أن يكون في ماكينة ثلج طوبيا التي هي بعض من تراث المدينة وتلتصق على جدرانها ذكريات أجيال المدينة أيام القيظ والزحام على الثلج أو عندما كانت تطحن للفقراء الدقيق. ولكنها الآن تحولت إلى ورش للنجارة ولا ادري لمن تكون عائديتها الآن وهل ما زالت لعائلة طوبيا التي لم يبق منهم سوى عالة واحدة على ما أظن .
وإذا كانت لم تزل لها ملكية البناء فربما لن تمانع في تأسيس هكذا مشروع وطني. إنها دعوة ، لتأسيس نواة صناعة المتاحف للذين صنعوا تاريخ العراق واثروا فيه أية كانت انتماءاتهم ومشاربهم، ومنهم ملوك العراق ورؤساؤه في العصر الحديث، وشعراءه وكتابه وفنانوه الكبار كالسياب والجواهري والبياتي وغائب طعمه فرمان وناظم الغزالي والقائمة تطول. هؤلاء هم صناع حلم وحرية فلنحتفي بهم في خلودهم الأرضي من خلال متحف بحجم المنجز ، فالأجيال لكي تعرف عنهم عليها أن ترى ما تركوا من اثر ومقتنيات وتراث.