مدارات

مناضلتان شيوعيتان برقة النسيم، وصلابة الفولاذ (2-2) / كوريا رياح , احمد الغانم ,سالم الحميد

كل الكلمات تموت على الشفاه، ونحن نقف أمام شيوعيتين بطلتين قدر لهما أن تعيشا في زمن صعب، حاول فيه البعث الفاشي إنعاش ساديته المتأصلة ودمويته وسعيه لإخضاع إرادة القوى الخيرة لإرادته من خلال موروثه الوحشي الذي ظل ملازما له حتى دالت دولة ظلمه. لكنه رغم كل أفعاله الإجرامية لم يقدر على قلع جذور حب الوطن وحب الحزب الشيوعي العراقي من داخل قلوب مناضليه.

مناضلتان حملتا أمانة في عنقيهما لايقدر الكثير من الرجال على حملها، امانة حبهما لمبادئهما وإيمانهما بعدالة نضالهما، وحرصهما على إبقاء راية الحزب خفاقة عالية حتى وإن كلفهما ذلك حياتهما، عشقتا الحزب كعشق الحبيب لحبيبه لا بل أكثر، وآمنتا به سلوكا ومنهجا، ولم يوهنهما كل ما جرى من تشريد وملاحقة واعتقال، وتغريب وتعذيب، بل زادهما إصرارا على متابعة الطريق الذي سلكتاه، بقيتا كشجرة سنديان لم تهزهما الريح الصفراء للبعث .
هاتان الشجرتان الوارفتان للعطاء استقبلتانا نحن موفدي طريق الشعب بحفاوة صادقة وبعفوية نابعة من طيبة العراقي الأصيل، وفيض من الكرم، في عينيهما يطفح حب حقيقي لكل من سار على درب لم تكن مسالكه معبدة وآمنة .. بل كانت محفوفة بالمخاطر ..وحب مقروء في عيونهما لكل من نهل من هذا النبع العظيم، ربما يتصاغر الكثير من الجبابرة العتاة والذين توهموا أنهم يستطيعون أن يطفئوا نور الشمس أمام عظمتهما ،
مناضلتان من طراز خاص مهما كتبنا لا نفيهما حقهما ..هما .المناضلة الشيوعية رقية عبد الله جميل خريجة معهد الفنون الجميلة، والمناضلة الشيوعية سناء عبد الله جميل ..خريجة كلية الآداب في بغداد فرع اللغة الانكليزية والموظفة في محكمة استئناف بغداد ..
أجرينا حوارا مستفيضا مع الرفيقتين كشفتا فيه الكثير من الوقائع الناصعة التي ستبقى علامات مضيئة في سفر تأريخ حزبنا المشرف ..
في القسم الاول من الحوار، الذي نشرناه على هذه الصفحة قبل اسبوع بالضبط، تحدثنا مع الرفيقة رقية. اما اليوم فنتوجه بأسئلتنا إلى الرفيقة سناء ..التي فاجأتنا بروحها المرحة.. قالت الرفيقة سناء :-
أتتنا توجيهات مفادها أنه في حالة تعرض أي من الرفاق للاعتقال.. فعلى أمهاتهم أن يخرجن إلى الشارع ويصرخن ويضعن الطين على رؤوسهن. ولما قلت لوالدتي بعد اعتقال رقية ان تفعل ذلك قالت، "أروح أبدل ثوبي، يعني رقية راحت مني، والنوب يروح ثوبي الجديد"

ثم استطردت قائلة:

.. حقيقة نحن لم نكن بعيدين عن الحزب. فشقيقتي الكبيرة تزوجت عام1960 من أحد الضباط الأحرار الشيوعيين وقد اعتقل في1963 لمدة أربع سنوات. وابن أختي ساهر كان في الإعدادية عضواً في اتحاد الطلبة. لم نكن بمعزل عن الأفكار الشيوعية والديمقراطية واليسارية، وأبو ساهر بدأوا يطاردونه وكان اعتقاله صدمة لنا. كنا صغاراً حينها فتأثرنا به فكرا ثم تأثرنا به كوننا نحمل هذا الفكر ..وحين يكون الإنسان حاملاً للفكر يكون ذلك دافعا له للانخراط في المعترك.
واضافت: تعينت في سن مبكرة في وزارة العدل بمحكمة استئناف بغداد.
ايام الجبهة الوطنية كنت أنا في الكلية أداوم مسائي وكان هناك ايضاً عدد من الرفاق الشيوعيين اجتمعوا بالصدفة من مختلف الكليات. كنا نتبادل الآراء والأفكار ، مما أعطاني دافعا جديدا للارتباط بالحزب ..
في أول احتفال للجبهة كنا مشاركين في المسيرة. وكان أول الغيث أن ألقوا علينا زجاجات البيبسي .. كان معي الرفيق كاظم فرج العقابي مسؤول محلية الكرخ والذي كلفه الحزب ان يكون ممثلا له في الجامعة .. خلال النقاشات كانوا يقولون لي: أنت تشاركين في فعاليات الحزب ونشاطاته فهل أنت منتمية؟ الحقيقة إني لم أكن منتمية، لكن رقية كانت منتمية. أنا في حساباتي كنت خائفة إلا أوفق بين الوظيفة والتزاماتي، وبين الارتباط بالحزب. ولما طُرحت تلك الفكرة، وبعد ترددي، ضغط علي الرفاق وقالوا لي: لا بد أن تنضمي للحزب، فلا يجوز "أسمج بالحصاد ومنجلج مكسور". وكان منهم الرفيق إبراهيم المشهداني (أبو سلام) في محلية الكرخ حاليا، والرفيق خليل (أبو رائد) شقيق زوجة الرفيق أبو داوود ورفيقتي وداد (أم سلام) كل هؤلاء أقنعوني بضرورة الانتماء للحزب. وهكذا انتميت ليبدأ الماراثون. عمل متواصل دون انقطاع.. "خليت دشداشتي بحلكي وركضت".
فترة السبعينات رغم أن الحزب لم يكن بمأمن من البعث، فانها في اعتقادي كانت فترة ازدهار حقيقي في مجالات كثيرة: ثقافية، اقتصادية، اجتماعية، وعلمية. وبعد أن انتهت الجبهة تعرضنا لنكوص كبير في المجالات ذاتها.
سؤال: من هن الرفيقات اللواتي كن معك في تلك الفترة وتأثرت بهن..

اجابت الرفيقة سناء :

تأثيرهن لم يكن علي فحسب، بل على عموم التنظيم. كان الرفيق مسؤول الخلية مؤهلا ليكون قياديا. كان هناك رفاق عندهم إمكانيات قيادية، أنا مؤمنة بأن القيادي يولد وهو يحمل هذه الصفات، فهي مَلَكة .. هبة يمتلكها الإنسان، ومثل هؤلاء كان هناك كثيرون.
هناك رفيقات تركن في نفسي أثرا كبيرا، جرحا لم يندمل .. منهن زهور اللامي زوجة الرفيق علي حسين حيدر المرشح للجنة المركزية (لم تتمالك الرفيقة فاغرورقت عيناها بالدموع ، وغصت بعبراتها وهي تستذكر رفيقات دربها)، والرفيقة وصال محمد شلال، ابنة العائلة الشيوعية المناضلة التي أعطت إبراهيم وجميلة ووصال وزوج أختهم عادل، وقد صدر بحقهم حكم الإعدام الظالم. ثم تحول إلى المؤبد وخرجت بقرار عفو. وكذلك رجاء عاكف أخت صديقنا ورفيقنا حسان عاكف، والشهيدة شذى البراك، ومنال المالح ابنة رفيق عضو لجنة مركزية في الستينات ..
مع هذه الأسماء العظيمة كنا نعمل نناضل دون كلل ..حتى إنا كنا نُنتقد من قبل الرفاق الذين يقولون لنا: أتركوا لنفسكم وقت للتثقيف الذاتي، .. لا تظلون تركضون..
لكن هكذا عشنا .. هكذا فهمنا النضال. كان لي صديقات وأصدقاء أكثر من خمس وعشرين صديق في عملي المسائي، وأكثر من عشرة أصدقاء متأثرين بنا في الدوام الصباحي. وأذكر أن القاضي مشرف علي وهو عم اعتقال الطائي وأخو الفنان سعد الطائي قال لي مرة: بنتي سناء ، قللي من نشاطك واندفاعك ، دائما أراك متأبطة سلاحك بيدك "طريق الشعب" وتهمين .. أعتقد إن الأمور ليست هكذا فأن البعثيين ظلوا يكتبون تقارير عنك. فقلت له: لماذا يكتبون عني تقارير؟
أليست هي جبهة ..؟
لكن فعلا تسارعت الأحداث، وكانت عملية تجميد المنظمات المهنية من أشد الأحداث وقعا وإيلاما للنفس. كنت غير متفقة مع هذا القرار ، ولست الوحيدة بل كان معي الرفيق المرحوم جواد تايه وثلاث رفيقات أخريات. ولم يشأ الرفيق المسؤول مناقشة ذلك حتى لا نؤثر على الغير، وطلب منا اجتماعا فرديا.
أنا أعتبر أن قرار إلغاء المنظمات المهنية كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.. وكان بداية النهاية.

كيف كان يجري التثقيف للمرأة آنذاك والذي أضاف للمناضلة الكثير من الوعي والتحرر والانفتاح؟

خط الحزب العام في ذلك الوقت هو التثقيف، وهو سلاح الشيوعي الذي لا يمكن أن يتخلى عنه. والحزب لا يفرق بين المرأة والرجل ، كانوا يوجهوننا حتى الى نوعية الكتاب الذي يجب أن نقرأه، ماذا نقرأ في علم الاجتماع، في الاقتصاد.. ولم يكن التثقيف بواسطة الكتاب وحده بل كانت هناك مهرجانات وندوات وأفلام وثائقية ومراكز ثقافية كالمركز السوفيتي الثقافي والمراكز الثقافية للدول الاشتراكية. كان الحزب يحثنا على الذهاب إليها .. مثلا أن فيلم "الحرية الحمراء" يعرض في سينما النصر فكنت تجد المئات من الشيوعيين وأصدقائهم ينتظرون دورهم لرؤية الفيلم. كذلك نخرج من الدائرة مع عدد كبير من الموظفين لمشاهدة "أريد حلا". كنا نفعل ثقافتنا من خلال الاحتكاك المباشر بالواقع.. إنها معايشة حقيقية للثقافة. كذلك السفرات كانت مجالا آخر للتثقيف.. رشحت من قبل الحزب للسفر إلى الشمال، وكان ذلك تشجيعا لأكفأ عشرة رفاق من بغداد في العمل التنظيمي. كان موعدنا في ساحة الأندلس. أتيت بحقيبتي وأنا أنظر إلى تسعة من الشباب يحملون حقائب سفر. ولما طلب مني الرفيق المسؤول عن السفرة كلمة السر أعطيته إياها فقال تعالي ستسافرين مع هؤلاء. فقلت له: ترى كيف أسافر مع تسعة رجال؟ قال وأنت عاشرهم، أنت لا تقلين عنهم رجولة. وهكذا سافرنا لمدة سبعة أيام، كانت أحلى سبعة أيام في حياتي . كان الجميع ينامون في المقر إلا انا، حيث خصصوا لي بيت الرفيقة الشهيدة بدرية، وفي الصباح كنت أعود لمقر الحزب. أن الحرية والثقة التي كانت تمنح لنا من قبل عائلاتنا والحزب ، كانت دافعاً لأن نكون أهلا لهذه الثقة. كما إن أحد الرفاق الأكراد (الشهيد كامران ) أخذني إلى بيتهم ليعرفني بعائلته، فتعرفت إلى شقيقاته، لتتوطد تلك العلاقات وتتحول الى زيارات عائلية متبادلة ..
تقول الرفيقة سناء مستطردة: مرة أتانا الرفيق المسؤول وطلب مني أن أقود خلية كلهم من الشباب. قلت له: لماذا من الشباب فقط ؟ قال: اخترتك لأنك أهل لها، حين كنت أحضر الاجتماع كنت أقبل الرفاق بصدق أخوي كنت أضفي على الاجتماع نوعاً من التشويق من خلال إشراك الجميع بالنقاش، وطرح الآراء، والمحاورة. لذا لم يكن حضورهم كتكليف حزبي، وإنما هو حاجة إشباع ثقافي وفكري واخلاقي واطلاق لطاقات الرفاق المكبوتة والفائضة

تحدثت لنا الرفيقة رقية عن رحلة تشردها واعتقالها.. فكيف كانت رحلة عذاب سناء؟

بعد اعتقال رقية أصبحنا مراقبين .. لا بل معرضين للاعتقال في أية لحظة. لذا فبقاؤنا في البيت معناه أن نكون لقمة سائغة للأمن .. عليه قررنا أنا وأخي أبو كوثر (كان عمره واحداً وعشرين سنة حينها ويعمل في دار الرواد) الخروج من البيت ..ذهب أبو كوثر الى عبد الرزاق الصافي وقال له: ان الأمن بدأوا يضيقون الخناق علينا .. فقال له الرفيق الصافي "كل منكم يدبر نفسه".
أنا رحلت الى السليمانية حيث بقيت فترة شهرين في بيت كامران. كنت أعيش في بيت عائلته .. حتى بدأ الأمن يضايقون العائلة فشعرت أن الأمور تزداد سوءا، وأن بقائي هناك معناه تعريض نفسي وعائلة الشهيد كامران للخطر. وهكذا عدت الى بغداد. كنت كمن يبحر بلا شراع، فلا يوجد مكان أذهب إليه. ما أنقذني ربما في ذلك الوقت هو علاقاتي الاجتماعية، وحب الناس لي كوني شيوعية وكوني سناء الإنسانة المحبة للجميع. لذا لجأت إلى مدير الحسابات فائق الجلبي رحمه الله. كان الرجل بعيداً عن السياسة . ولكن بصيصاً من الأمل قادني إليه. طرقت الباب وقلت له: أبو سهير، أنا الآن أما انام في الشارع أو تبحث لي عن مكان ابيت فيه. فقال الرجل : بيتي مفتوح لك. وقال لزوجته سناء: تبقى عندنا، لا تشعري الأولاد بأنها مطاردة من قبل الأمن، دعيها تعيش بشكل طبيعي. وبقيت شهرين عندهم حتى أتاني يوماً وأبلغني عن طريق زوجته سناء: الأمن بدأوا يسألوني عنك، باعتباري قريباً منك فهمت أنه لم يشأ أن يخبرني بشكل مباشر. لذا جمعت ملابسي وودعتهم، لتبدأ رحلة بحث جديدة استمرت لأكثر من سنة، هنا شهر وهناك شهران. هذه ا لمرة كنت في بيت فنان كبير أكن له كل الاحترام والتقدير, ابنته فنانة وصديقتي أيضا .. لما رآني هناك بالصدفة. قال لزوجته: أذا لم تخرج سناء من هنا سأطلقك! وعنّف ابنته، ورغم انها واختها توسلت اليه بأن أبقى، إلا أنه رفض ولو حتى الصباح. الحقيقة ان الوضع كان في غاية السوداوية. أنا لا ألوم ذلك الفنان لأن البعث كان لا يحترم فناناً أو عالماً أو رجل دين أو مفكراً.. الكل يعاملون بنفس الأسلوب. لذا شددت رحالي وأنا في حالة انهيار وغم شديدين، أحسست وكأن هذا العالم الواسع أصبح لا يتعدى بضعة أمتار تحيط بي.. كنت أحمل حقيبتي وأسير في شارع فلسطين الساعة الحادية عشر ليلا.. لا أعرف أين أتوجه. كان لي صديق هو عيسى الخالدي، عمه توفيق الخالدي كان وزيراً في العهد المباد. هذا الشخص أراد أن يتزوجني لكنه اشترط علي ترك العمل السياسي. وقد رفضت. دخلت إلى أحد البيوت وخابرت عليه. فجاء بسيارته وقال لي : أذا اخذتك للبيت فسأؤكد لأهلي أن رأيهم صحيح وأنك عرضة للتشرد والاعتقال. لذا فإني سأظل حتى الصباح، ولكن لن أتركك. ذهبت إلى بيت صديقة لي في الصليخ ومن ثم ذهبت إلى بيت أختي أم تحسين حيث أنه غير مراقب مثل بقية بيوتنا . ومن هناك أبلغت مدير الحسابات وقلت له أنا عدت فما العمل؟ قال لي: تريثي؟ لا تأتي للدائرة ريثما أنسق الوضع مع القضاة. وبالفعل عدت إلى الدائرة، وكان رئيس الاستئناف صلاح زيات قد أبلغ رئيسي مدير الحسابات: (أنها في حدود المحكمة لن تتعرض لأذى لكن خارج المحكمة هذا ليس من صلاحيتي.) وتم جلب ضابط أمن إلى داخل المحكمة للتحقيق معي باقتراح من ضابط أمن المحكمة. ووقعت على تعهد بعدم ممارسة العمل السياسي، لأنهم سوف لن يتركوني ..

من هن الرفيقات اللواتي كان لهن تأثير كبير عليك ولا زال تأثيرهن باقياً؟

من هؤلاء اللواتي تأثرت بهن كثيرا في فترة السبعينات الرفيقة نوال ناجي. كانت مسؤولتي (أم عمار) أخت الرفيقة ثمينة زوجة الرفيق البطل سلام عادل. كانت إنسانة رائعة ولي معها علاقة قوية جدا. كانت بالنسبة لي مثل أعلى، وهي رغم وجودها في كندا حاليا لكن لا ازال على صلة بها، وهي تدعم الحزب وتعطيني مساعدات مالية لدعم الفقراء ..
مرة كنت ذاهبة للرمادي، وفي الفلوجة أردت الصعود إلى سيارة تاخذني الى هناك ولأن الساعة متأخرة: العاشرة والنصف ليلا لم أجد سيارة لذا كنت محتارة ماذا افعل؟ لمحني رجل ولما عرف حيرتي قال تعالي وأقضي الليل عندنا حتى الصباح. وفعلا ذهبت معه مع توجسي خيفة منه، ولما عرفت أن عائلته معه في البيت زال مني الخوف. ومرة أخرى كنت في بيت أحد الرفاق في السليمانية فشعرت أن العائلة بدأت تتضايق مني، لذا حزمت أمتعتي وسافرت قبل يوم من موعدي مع الرفيق عدنان حسين (أبو فرح)، واضطررت للمبيت في بيت عائلة كردية لا أعرفهم ولا يعرفوني ..

تقول شقيقتك الرفيقة رقية انك كنت عنيدة جدا، ولهذا أيضا مواقف وحكايات. ترى هل يمكننا سماع واحدة منها؟

كنت أحضر من أقصى الشمال إلى الرمادي لرؤية أهلي، حيث نلتقي هناك.
وبعد سنوات الهرب الاضطراري واليأس التام من تحسن الظروف، طلبت مني والدتي الرجوع الى بغداد. خصوصا وأني بنت ولا أستطيع الصمود أكثر من هذا، وأن هناك أقاويل قد تشاع، لذا يجب أن أعود. لكن ردي جاء حاسما صاعقا لها. قلت لها: أتعرفين ما تعنيه عودتي لبغداد؟ أنها تعني أن أستسلم وأتبرأ من الحزب! وأمامكما خياران لا ثالث لهما: أما أن انتحر وأقتل نفسي .. أو تتركون لي خيار العودة للشمال. وكان لي ما أردت، لأنهم واثقون من أنني في حالة إصراري على شيء، أنفذه ودون تردد.

شكرنا الرفيقتين على هذا اللقاء الرائع

جمعنا أوراقنا، وأجهزة التسجيل، وودعناهما .. دون أن تخبو نظرة الإعجاب بهاتين المناضلتين، الوردتين اليانعتين من بستان هذا الحزب العظيم.