مدارات

التيار الديمقراطي في العراق ..الواقع والآفاق تأليف جاسم الحلفي عرض د. مزاحم مبارك مال الله

كتاب صدر عن مركز المعلومة للبحث والتطوير في طبعته الأولى لعام 2013، وهو

دراسة علمية تبحث في التيار الديمقراطي في العراق، تأريخه ،حاضره وآفاقه المستقبلية. أنه بحث ودراسة علمية كُتبت بأسلوب سلس شائق جذّاب تنعش الأفكار وتزود القارئ بالمعرفة عن موضوع مولود ويولد في كل يوم. يقع الكتاب في 366 صفحة من القطع الكبير ،مقسّم الى مقدمة وثلاثة فصول بحثية وخاتمة وملاحق، بذل المؤلف فيه جهداً بيّناً بركونه الى ما مجموعه 253 مصدر.
في مقدمته يدرج الباحث معنى الديمقراطية، ثم يتطرق الى تنوع الأنظمة الحاكمة في تأريخ الدولة العراقية،مفصّلاً أوضاعها قبل 2003 وبعد 2003 كون هذا التأريخ يعد الفاصل بين طرفي معادلة غير متكافئين ولا متشابهين وبينهما فوارق كثيرة ولكن بينهما صفات مشتركة، وهو أبعاد الشعب عن حكم نفسه بنفسه. ويقول عن التيار الديمقراطي أنه "مشروع جذوره تعود الى تشكيل الدولة العراقية وحاضره المتمثل ببذل الجهود لاستنهاض قواه والرامي الى بناء الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الأجتماعية"

تناول الفصل الأول "الأطار المفاهيمي للتيار الديمقراطي الأجتماعي"

شارحاً تأريخية الديمقراطية ومفهومها، صورها وأنواعها، ونشأة التيار الديمقراطي والأجتماعي ومكوناته وقضاياه.
فأصل الكلمة يونانية democracy يفككها الى،demos وتعني الشعب، وcratos وتعني سلطة أو حكم،فهي ـ سلطة الشعب. ثم يتناول أهم الأحداث التأريخية التي أثرت بشكل مباشر في تحديد تعريف الديمقراطية ومنها كومونة باريس.
أما خصائص الديمقراطية، فيوجزها بـ:
• المواطنة، التعاقدية (الديمقراطية ليست مطلقة بل مقيدة بدستور تقيده ثوابت المجتمع وتضبطه مبادئ الديمقراطية ومؤسساتها)، الشعب مصدر السلطات،سيادة القانون، الفصل والتعاون المرن بين السلطات،ضمان الحقوق والحريات العامة،التداول السلمي للسلطة، القبول والرضا(عبر الأنتخابات وأحترام حقوق الأقلية)،وهنا يشير الحلفي الى أن وجود الحكومة الديمقراطية لا يعني بالضرورة وجود مجتمع ديمقراطي. لا ديمقراطية دون المساواة بين المواطنين.
وبخصوص صور الديمقراطية وأنواعها، يقول:
• فلها وجه أجتماعي وتشمل مجالات الصحة، التربية والتعليم، الأسكان، الضمان الأجتماعي والخدمات الشخصية.
وفي مبحث نشأة التيار الديمقراطي الأجتماعي ومكوناته وقضاياه تجد سرداً تأريخياً تحليلياً جميلاً، مستعرضاً عدة تعاريف للتيار. ثم يتناول مكونات التيار الديمقراطي الأجتماعي:
• أحزاب عمالية ويسارية وجماعات أصلاحية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وحركات أجتماعية.
الفصل الثاني تناول واقع التيار الديمقراطي الأجتماعي في العراق قبل عام 2003

• واقع التيار في العهد الملكي وآلياته،وفي كل عنوان من هذه العناوين ينتقي الباحث وبمهارة علمية معالمه وخصائصه ويستنتج منه.
• واقع التيار في عهد الجمهورية الأولى،وسطّر المؤلف أهم منجزات ثورة تموز 1958،رغم أن الثورة لم تشرع بأرساء حياة سياسية برلمانية ديمقراطية مستقرة.
• عاشت البلاد تمحور القوى الديمقراطية الأجتماعية وتنظيماتها السياسية من جهة وبين القوى القومية وتنظيماتها من جهة أخرى،أضافة الى أمتناع حكومة بغداد في تطبيق حقوق الشعب الكردي.
• أما واقع التيار في الحقبة 1963 ـ 2003،فأوضح أن:
ـ بقيادة البعث،بدأت حقبة حكم القوى القومية بسفك الدماء.
ـ حكم الأخوين عارف حكماً عسكرياً وفقدان الديمقراطية.
ـ أنعدام سيادة القانون.
وخلال هذه الفترة التي أمتدت لأربعين عاماً فيشير المؤالف الى التيار الديمقراطي في داخل العراق، التيار في كردستان، التيار خارج العراق.
ثم يتطرق الى التحالفات في أطار المعارضة((مؤتمر بيروت،مؤتمر فيينا،ثم مؤتمر صلاح الدين (أنبثق عنه المؤتمر الوطني كان بتمويل أميركي،فأنسحب التيار الديمقراطي وهو نفس السبب بعدم مشاركة التيار في مؤتمر لندن) لذلك نسق التيار مع باقي القوى التي لن تنخرط في المشروع الأميركي وهم حزب الدعوة والحزب الأسلامي.))

الفصل الثالث: واقع التيار الديمقراطي الأجتماعي ومستقبله في العراق بعد 2003

وهنا أقتبس هذا المقطع من ص155والتي تفسر كل ما حصل:
"لابد لنا أن ندرك ان التدخل العسكري يخضع لحافز واحد هو المصلحة، وأن أرسال الولايات المتحدة الأميركية أبنائها ليقتلوا ليس بدافع تقديم الديمقراطية وبناء السلام في المنطقة على طبق من فضة،أنما بدوافع المصالح،فالمصالح وحدها أضافت أعباء جديدة على العراق، وتفاعلت تداعياتها مع تركة النظام الدكتاتوري وأثار الحصار الأقتصادي الكارثية،لتشكل بمجموعها أوضاعاً أستثنائية، فجرت التناقضات التي تراكمت عناصرها وعوالمها،لتنتج في تلك اللحظة التأريخية، صراعات متنوعة ومتداخلة،سياسية وقومية وطائفية وأجتماعية،أتسعت واشتدت بوجود ال?وات الأجنبية، وقوى الأرهاب القادمة من الخارج، وأمتداداتها،وحواضنها من الداخل، وبتأثير التدخلات الدولية والأقليمية".
**بعد 9/4/2003 فبدلاً من عقد المؤتمر الوطني العراقي الذي أرتأت القوى الوطنية بضمنها التيار الديمقراطي عقده،تم شرعنة الأحتلال الأميركي وتمكن دعاة المشروع الطائفي من ترسيخ فكرة الطائفية السياسية بدلاً من فكرة المواطنة.
أما الجانب الأقتصادي فقد تناوله المؤلف من خلال حالتين :
أ‌) قبل 9/4/2003:
• أختفت الطبقة المتوسطة.
• تراجع عدد افراد الطبقة العاملة
• تقلصت البرجوازية في المدن.
• تراجع عدد الفلاحين الشباب
• أرتفع عدد أفراد الفئات الأجتماعية المهمشة والعاطلة
• تكرست فئة اجتماعية من القطط السمان، سواء من حكام البلاد أو ممن أرتبط بهم مصلحياً
• تدهورت حياة ومعيشة الفئة المثقفة وتراجع دورها.
ب) بعد 9/4/2003
• الطابع الريعي للأقتصاد العراقي
• العسكرة المتعاظمة.
• توسع ثراء المسؤولين الجدد.
• أزدياد حدة التفاوت الأجتماعي بين الطبقات وسيادة شرائح الطقيليين.
• نشط الرأسماليون الجدد في الألتحاق بالأحزاب المتنفذة والأستحواذ على مناصب فيها.
• فتح بنوك لم تمارس عملها المصرفي.
• تحسن رواتب شريحة واسعة من موظفي الدولة.
• غياب التنمية الأنتاجية والتخلف الشديد في القطاع الزراعي فتح الباب واسعاً أمام الأستيراد.
• الفقر والتهميش ليس سوى نتيجة منطقية لتمويل الثروة من الفقراء الى حيتان السلطة وتمركزها .
وعن رؤية التيار للعملية السياسية بعد 2003، يقول الحلفي:
• لم يؤيد التيار تغيير النظام من خلال التدخل الخارجي، وطالب بمؤتمر وطني بدلاً عن الأحتلال.
• أعتماد المواطنة أساس في بناء النظام السياسي.
• نظام الفيدرالي واللامركزي.
• الديمقراطية على قاعدة العدالة الأجتماعية والوظيفة العامة متاحة لكل المواطنين.
ثم يتطرق الى :
أزمة نظام الحكم المتمثلة ببنائها على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية وبغياب الهوية السياسية الوطنية الموحدة.
وعن دور التيار الديمقراطي الأجتماعي في بناء النظام السياسي بعد 2003
فيقول الحلفي،جرت محاولتان لأنشاء التيار،الأولى القاء السداسي (حشع، الحركة الأشتراكية العربية، الحزب الوطني الديمقراطي، جماعة عدنان الباجه جي، حدك، أوك)،عقد في 21/12/2003،أما الثانية فقد أجتمع عدد من المؤسسين في يوم 4/4/2009 وأقروا ورقة عمل عنواها"مشروع برنامج تنسيق عمل قوى وشخصيات الحركة الديمقراطية في العراق".
*عقد مؤتمر تمهيدي في فندق بابل يوم 16/10/2009 ناقش ورقة العمل أعلاه، ولكن المؤتمرين لم يتفقوا على خوض الأنتخابات بقائمة أنتخابية تجمعهم وجاءت النتائج مخيبة للآمال فلم يتمثلوا بالبرلمان.
*مما حدى بهم الى مراجعة نقدية لتلك التجربة فقرروا عقد المؤتمر الأول الذي أنبثق عنه تشكيل التيار الديمقراطي.
وتناول الباحث، مستقبل التيار الديمقراطي في العراق، فدرسه من حيث:
1- معالجة تركة الماضي الثقيلة ومخلفات الدكتاتورية ومعالجة آثار الأحتلال وبناء دولة المؤسسات الدستورية المدنية الديمقراطية.
2- التغيير الديمقراطي يجب أن يستند الى :ـ
أ)الأقرار غير المشروط بالحقوق المتساوية للمواطنين.
ب)تمكين الجماهير من المشاركة قولاً وفعلاً في أتخاذ القرار والرقابة على تنفيذه.
3- أستجابته الى تجاوز ضعفه،وأمكانية توسيع أطاره.
ويختتم جاسم الحلفي دراسته بهذا المقطع المهم جداً"لايمكن الأطمئنان للتحول الديمقراطي دون تشريعات تتجه صوب البناء الديمقراطي ومن الصعوبة بمكان تشريع قوانين ديمقراطية تضمن الحقوق السياسية والأجتماعية للمواطن دون تمثيل حقيقي للقوى الديمقراطية في البرلمان،فلا ديمقراطية بلا ديمقراطيين".