المنبرالحر

اليسار العراقي وآفاق وحدة العمل والنشاط المشترك/ فلاح علي

المقدمة:
في هذه المقالة لن اتوقف فيها بالبحث عن أزمة اليسار واسبابها , ولكن ما هو مهم في هذا الموضوع هوالبحث عن نقاط التقاء بين اطراف جسد اليسار العراقي , بكل قواه وشخصياته اليسارية والديمقراطية , وبهذا التوجه وكمقدمة للبحث يمكن طرح السؤال التالي : ما هي آفاق وحدة العمل والنشاط المشترك بين قوى اليسار والديمقراطية في العراق ؟ للاجابة على السؤال ارى من وجهة نظري انه لا بد من الانطلاق من الحقائق التالية التي يؤكدها الواقع العراقي اولها : ان وجود اليسار في العراق هو ضرورة موضوعية وحاجة وطنية وسياسية لا بديل عنها , والحقيقة الثانية هي حاجة المجتمع العراقي لقوى اليسار والديمقراطية , والحقيقة الثالثة هناك معطيات على الارض تؤكد بمجموعها عن ظهور بوادر ومؤشرات لنهضة جديدة لقوى اليسار , والحقيقة الرابعة ان المشروع الوطني اليساري الديمقراطي له افق مستقبلي في العراق . اني هنا لا اطلق احكام حتمية بقدر ما هي رؤية واقعية للوضع السياسي في العراق , والتي تؤكد من دون تردد ان حاجة الوطن والشعب لليسار هي حقيقة لا بديل عنها , لهذا ان كل من يقرأ الوضع السياسي في البلاد قراءة دقيقة يخرج بالاستنتاج التالي : ان آفاق العمل اليساري او التنسيق والعمل المشترك لقوى اليسار بلا شك والديمقراطية , هي متوفرة اليوم في العراق وهي حاجة نضالية . وان الظروف التي بها البلد وازمته السياسية المستعصية تؤكد ان المرحلة هي بحاجة للنضال الديمقراطي لتحقيق اهداف الشعب وبناء الدولة المدنية الديمقراطية – دولة المواطنة . وان القوى الطائفية والقومية اللاديمقراطية التي قادت البلد قد فشلت جميعها في تحقيق هذا الهدف,وهي غير مؤهله بلا شك لقيادة النضال الديمقراطي , الذي يرسي العراق وشعبه بكافة قومياتة واديانة على شاطئ الامن والامان والسلم الاهلي والديمقراطية .
اذن السؤال المطروح هنا من سيقود النضال الديمقراطي في البلد ؟ بلا شك ان قوى اليسار والديمقراطية هي المؤهلة في هذه المرحلة لقيادة هذا النضال الديمقراطي والحراك الجماهيري الواسع .
سؤال ما هو المطلوب من قوى اليسار والديمقراطية في هذه المرحلة بالذات : ارى من وجهة نظري ان هذه القوى بحاجة الى رؤية عملية استراتيجية تضمن لها قيادة النضال الجماهيري الديمقراطي وارى ان هذه الرؤية تكمن في تبني استراتيجية سياسية تبدأ باقامة تحالف سياسي- اجتماعي فيما بينها أي اقامة وحدة العمل والتنسيق والنشاط المشترك من خلال صياغة برنامج يتفق عليه الجميع , وبهذا فأنها تسهم جميعها في بناء الاداة السياسية لخوض هذا النضال الجماهيري الديمقراطي .
اذن ماهي الآلية التي يبدأ فيها اليسار خطواته العملية نحو وحدة العمل المشترك : ارى ان الخطوة الاولى العملية المجربة والصحيحة والمطلوب اعتمادهاهي : تنظيم جلسات علنية للحوار اليساري , قد تطرح أكثر من ورقة للحوار وتتضمن نقاط قد تكون فكرية وبرنامجية او رؤية حول قضايا متنوعة..... الخ لكن الحوارهو السبيل الوحيد للوصول الى نتائج عملية . ان الازمة التي يمر بها البلد الآن تفرض علينا كقوى وشخصيات يسارية وديمقراطية بفتح نقاش جدي وهادئ حول عدد من القضايا التي تواجه البلد وازمته السياسية و وتوحيد او تقارب توجهات ومهام قوى اليسار والديمقراطية وفقاً لحاجات الشعب والوطن من مطاليب الى قوانيين وتشريعات ...... الخ . ليس بالضرورة في الجلسة الاولى او الثانية ان يتم الاتفاق على عدد من القضايا المطروحة للحوار وانما المهم هو ان يستمع كل طرف للطرف الآخر ويعرف وجهة نظره . بلا شك ان الحوار واستماع كل طرف للآخريساعد على التقارب وعلى الفهم المشترك للأشكاليات والمعوقات وهذا يمكن من الابتعاد عن المزايدات او الاتهامات , التي ضيعت على قوى اليسار والديمقراطية الكثير من الوقت والطاقات والجهود والامكانيات . وهذه الخطوة هي تقرب ميدانياً بين هذه القوى وتزيل الالتباسات المتراكمة وهي بلا شك تسهم في المساعدة على استنهاض قوى اليسار والديمقراطية . لأنه لسبب بسيط ان طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية مارس ويمارس المزيد من التهميش على قوى اليسار والديمقراطية , فأن توسيع دائرة الحوار العلني بين قوى اليسار العراقي تكون فرصة اعلامية وجماهيرية لأضعاف خطوات محاصرة اليسار وتهميشة . وارتباطاً بتأريخ الحزب الشيوعي العراقي وقوى اليسار والديمقراطية ومواقفهم الوطنية , فأن ما يميز مجتمعنا العراقي هو انه يضم بين صفوفه امتدادات لليسار تضم كتل بشرية كبيرة اكثر بكثير من المنخرطيين في صفوف اليسارالآن . ان الحوار العلني ينعش ويخلق الامل لدى امتدادات اليسار المتجذرة في المجتمع ويدفعها للحركة والفعل والانخراط ثانية في النضال الوطني الديمقراطي, ان اقامة جلسات للحوار تشكل خطوة عملية متطورة بلا شك في حالة نجاحها ستلحقها خطوات عملية ميدانية اخرى وهذا يخلق الامل ويحفز الطاقات وبالذات طاقات الشباب والشابات ويعزز الامكانيات ويساعد على نهوض اليسار العراقي واستعادة مكانته الطبيعية في المجتمع وتطوره .
قد يطرح سؤال هنا من سيقوم بالمبادرة للدعوة لجلسات الحوار بين اطراف قوى اليسار ؟ أرى من وجهة نظري انها ليست عملية بروتوكولية لغرض تسجيل سبق اعلامي لهذا الطرف ام ذاك , فطالما انها حاجة نضالية تخدم مصالح الشعب والوطن في هذه المرحلة , و بما ان القناعة في الحوار يؤشر الى حضور النضج الفكري ذوالرؤية الاستراتيجية الذي يؤهل لقيادة النضال الجماهيري الديمقراطي لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية , فليس المهم من يوجه الدعوة , او ان تأتي المبادرة متأخرة من هذا الطرف او ذاك المهم هو توفير قناعات فكرية للحوار المشترك والوصول الى النتائج الايجابية التي سيتمخض عنها الحوار . وطالما هنالك لجان للعلاقات الوطنية لقوى اليسار سواء في الداخل او في الخارج , فممكن احد الاطرف يأخذ على عاتقة طرح المبادرة للحوار ويوجه دعوات للجان العلاقات الوطنية لهذه القوى .
الاستنتاجات :
1-اذا كانت وحدة العمل والنشاط والتنسيق المشترك لقوى اليسار والديمقراطية العراقية هي حاجة نضالية وحاجة الشعب والوطن والنضال الجماهيري الديمقراطي لها . اذن هنا يطرح سؤال ما هي العوائق امام توحيد اليسار العراقي ؟ لا اجزم اني استطيع الاجابة على هذا السؤال او قادر على الالمام بكل جوانبه لكن يبقى هذا السؤال مطروح على قوى اليسار وتنظيماته وشخصياته للعمل على تهيئة مستلزمات تساعد على تجاوز المعوقات الذاتية وتهيئة اجواءالحوار الجاد العلني ان تم فعلاً فلا بد من ان ينشر في وسائل الاعلام لأهميته وضرورته الاعلامية والجماهيرية.
2-ارى ان في هذه المرحلة التي يمر بها البلد , تؤكد بما لايقبل الشك حاجة قوى اليسار والديمقراطية الى النتاج الفكري والمعرفي , نظراً لأهمية هذيين الحقليين في العمل السياسي والثقافي, وهذا يساعد ايضاً على رصد المتغيرات السريعة واتجاه حركتها وتحديد موقف منها في الوقت المناسب حتى لا يتأخر اليسار عن مواكبة الاحداث . وارتباطاً ايضاً بالازمة السياسية التي يمر بها البلد التي ادخله فيها نظام المحاصصة الطائفية والقومية , ولما يتعرض له البلد من مخاطر منها على سبيل المثال الصراع الطائفي وتنامي الارهاب والتطرف . هذا من جانب ومن جانب آخر ان قوى اليسار والديمقراطية بحاجة الى ادوات نضالية ذات رؤية استراتيجية , لمواجهة خطر الاسلام السياسي المتطرف وتوجهاته الفكرية ولمواجهة الفكر النيوليبرالي وتأثيره على الشباب وعلى مثقفي قوى اليسار والديمقراطية . ويبقى من وجهة نظري الهدف البعيد من النتاج الفكري هو لتنمية ثقافة اليسار في المجتمع التي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الوطنية الديمقراطية , التي اكدت التجربة على ان تنميتها في المجتمع هي حاجة يومية لا تقبل التأجيل .
3- ان الاشتراك في الانتخابات البرلمانية القادمه له دلالات ومعاني كثيرة بالنسبه لقوى اليسار والديمقراطية , وسواء نزل البعض من قوى اليسار في قائمة مع التيار الديمقراطي والبعض الآخر لم ينزل في قائمة لخوض الانتخابات , فهذا لا يعيق ولا يؤجل اطلاقاً من المشاركة في قضيتيين متواصلتيين القضية الاولى وهي المشاركة في الانتخابات والتصويت للقوى الديمقراطية لأنه من الناحية الفكرية والعملية ان المعركة الانتخابية لا يوجد حياد فيها فهي معركة كل قوى اليسار والديمقراطية. وهذا مما يدعوا الجميع الى التسامي على الذات . والثانية ان لا نؤجل الحوار بين قوى اليسار والوصول الى نتائج ايجابية لصنع التحالف الاستراتيجي لهذه القوى لأن مهام اليسار هي متجددة و استراتيجية لا تتوقف عند الانتخابات فقط .
4- ارى من وجهة نظري ان لليسار وبالذات الحزب الشيوعي العراقي دروس كثيرة يستلهم منها نضاله الديمقراطي , وان طبيعة المرحلة التي يمر بها البلد تفرض على كل قوى اليسار والديمقراطية ان ترفع من سقف مهامها وتحدياتها , لذا فهي اليوم امام اول تحدي وهو عليها ان تصنع فعلها , من خلال مجموعة من الخطوات والنجاحات العملية . ان كانت الانتخابات البرلمانية التحدي الاول , فأن الحوار فيما بين اطرافها بغض النظر عن حجم هذا الطرف ام ذاك وانجاحة واقامة تحالف استراتيجي فيما بينها قائم على وحدة العمل والنشاط المشترك , وليس على اساس الوحدة الفكرية والتنظيمية , وان يكون هذا التحالف ميدانه الحركة الاحتجاجية الجماهيرية والنقابات والاتحادات العمالية والمهنية والشبابية والطلابية والحركة النسائية في الارياف والمدن , هذه الخطوة تعطي الديناميكة لقوى اليسار في المجتمع , وتضع حداً لتهميش اليسار من قبل القوى الطائفية والقومية اللاديمقراطية التي حولت البلد ومؤسساته وثرواته الى محاصصة .
5- كما اكدت تجربة العراق والحركة الثورية العالمية انه ليست هنالك يسار قومي ويسار اممي , طالما ان قيم اليسارانسانية عادلة , فهي غيرقابلة للتجزأة او الفصل او المساومة على اساس قومي او ديني او طائفي , انها نتاج الفكر وحاجات الشعوب وتطورها, على سبيل المثال كالنضال من اجل العدالة الاجتماعية , والديمقراطية والحرية , والدولة المدنية الديمقراطية ومؤسساتها الديمقراطية , وحقوق الانسان وحقوق المرأة وشغيلة اليد والفكر والتحرر والتطور الاقتصادي ومحاربة الاحتكارات والعولمة المتوحشة والاستغلال .... الخ. فأن وحدة العمل والنشاط المشترك هي تشمل كل قوى اليسار والديمقراطية في العراق من كوردستان الى الجنوب , لانه لا يمكن لأي يساري ان يقبل بتهميش اليسار او تجزأته على اساس قومي مفتعل تابع مع احترام وتقدير الخصوصية القومية لأن الفكر اليساري والنضال الديمقراطي لا يتوقف عند الحدود القومية ولا يتجزأ .انها تعبرعن حاجات وهموم الشعب وتضمن مصالح الوطن فلا بد من وجهة نظري ان يكون تحالف استراتيجي واحد لليسار عابر للقوميات والاديان , فهل ستقترب ساعة الحوار لنفك أسرنا من هيمنة وتهميس القوى الطائفية والقومية اللاديمقراطية التي افسدت الحياة السياسية في المجتمع ولم تتمكن من بناء الدولة المدنية الديمقراطية الى الآن ؟
31-1-2014