المنبرالحر

مجداً لسيدات الصبر والحزب والوطن / د. جاسم محمد حافظ

كثيرةُ هي حكايات الشيوعيات, اللاتي لقنّ الجلادين والفاشست دروساً في الصلابة والدفاع عن القضايا العادلة لشعوبهن. ونساء العراق وشيوعياته بالأخص ليسن استثناء عن المألوف هذا, فهن بناتنا وشقيقاتنا وأمهاتنا اللاتي رضعن العفة وتدرعن بالصبر واجترحن المآثر, وثَبَتَن الرجال خلف متاريس فكر الفقراء, إن اشتد وطيس المعارك. ولفتاة الجسر في بغداد حكايتها, وللاتي عَنفْن مَنْ وَهَنتْ صلابتهم أمام الجلادين في سجون البعث, ألكاس المعلى, وهن يرددن "...ياشعب هذا التشوفه موش ابنّه موش ابنّه..."
فلهن ننحني إجلالاً وعرفاناً وقد واجهن الفاشية بقلوبٍ عامرة بالإيمان بعدالة نضال المرأة من اجل المساواة والحياة الحرة والعيش الكريم. فتلك عائدة ياسين الفارسة التي أبت ألا تبرح ما ضاق من ميادين المعارك, فسمت شهيدةً وسما بها الوطن والحزب معاً, تماماً كسمو بنت الهدى وان اختلفت المناهج والرؤى. اما الجبال الشاهقات ووديانها السحيقة في كردستان العزيزة. فزهت بممتشقات السلاح من نصيرات الحزب وبمن روت دمائهن الزكية سفوحها. فعميدة الفتاة الشيوعية التي قاتلت حتى الشهادة في بشت آشان, ظل إصبعها الذي قطعه المأجورين لينتزعوا خاتما تزينت به يشير للناس مذكراً بان الفاشيين من طينة واحدة مهما اختلفت مشاربهم.
ويا لهول الفاجعة لحجم ما ارتكب هؤلاء من جرائم في بلادنا, جرائم هزت الضمائر الحية... كيف لا!؟ وفي ليلة موجعة حزينة استمدت من البعث وعقيدته الدموية عتمتها, نُكِبَ الوطن بتنفيذ حكم الإعدام بثلاث زهرات وشقيقهن الذي لم يتجاوز الثالثة والعشرين ربيعاً, ونكبت بهم أسرة كريمة كان ربُها المعلم الجليل والمناضل الشيوعي العنيد (محمد شلال الصفار) خاتم الرجال في شجاعته. عَلمَ أولاده سلاسةٍ معنى الفروسية وحلاوة التربع فوق القمم, فساروا على دربه الشائك ينثرون الأمل في الأزقة والحارات الفقيرة, وأروقة المدارس والجامعات, فَبَروا بما عاهدوا والدهم والحزب عليه, حتى ذبلت الرفيقات متأرجحات فوق أعواد المشانق في أقبية سجن الرشاد, الذي أحاله البعثيون شذاذ الآفاق والمتعفنون طبقياً، مسلخا بشرياً, وهن يختلسن بصمت وحزنٍ عميقين, نظرات الوداع لبعضهن, ليس كأيام الأعياد وكركرات الطفولة في ديار الصبا.
ويا لوجع المصيبة! ان كل ذلك يجري امام مرأى ومسمع أخواتهن المحكومات بالمؤبد, كوالدتهن المسنة و المتمنية بان يقف الزمن ليُبعدَ عنهن شبح الموت, بعد أن فشلت في إقناع الجلادين بالسماح لوصال وجميلة المحكومات بالإعدام لينزلنَ معها حتى تُشبع ظمأ الشوق لهن وغريزة الأمومة, بعد ان غيب الفاشست ابنتها الرفيقة (بشرى محمد شلال) الفتاة الجميلة حد العذوبة. لكن البرابرة ردوا على رجائها بالإيغال في همجيتهم فاقتادوا (جميلة محمد شلال) إلى المشنقة بعد إن انتزعوا من بين أيديها طفلتها الرضيعة " زينب " نزيلة ذات الزنزانة - والتي رفض الأقارب إيواءها خوفاً من العواقب - وصراخ البراءة يشق عنان السموات, وهي لا تدرك بعد, سر غريزة هذه الوحوش المنقضة عليهن. ثم جيء بالرفيقة الخالدة (وصال محمد شلال) النصيرة الشيوعية المعروفة بصلابتها, مثقلة بالحديد وبالحزن على طفلها البكر الذي تركته عند احد المعارف, بصقت وصال باسم الشعب كله - بوجوه الجلادين وصرخت فيهم " يسقط الطغاة, وعاش الحزب الشيوعي العراقي " وتوالت قافلة الإبطال " لآل شلال " فطلَ شقيقهن إبراهيم رافع الرأس نحيل البدن ممشوق القوام , وجرب ما جاد به الشجعان من عنادٍ, والأطفال من إصرارٍ إمام الجلادين ليرفع معنويات عائلته المنكوبة, وتلاه (عادل حمود جبر) أبو سلام زوج أحدى الشقيقات.
نَفذَ فيهم الحاقدون جريمتهم النكراء, فسحقاً لهم أوغاداً, وبؤساً لهم ولِما آلت إليه مصائرهم ومستقرهم في حُفَرِ المذلة, تطاردهم لعنات الشعب.
وطوبى لكم يا آل الرفيق محمد شلال موشحين بأنواط المجد وأكاليل الغار, وانتم في حدقات عيوننا وسويداء الأفئدة تقيمون, لأنكم تباريتم لاهين بالموت من اجلنا, مُزهرين أملاً ومضيئين للفقراء والكادحين دروباً مفضية إلى " وطن حر وشعب سعيد ", وطن للتسامح والتآخي والحب. فدماؤكم الطاهرة ايها الشهداء الإبرار, وما سطرتم ورفاقكم الآخرون على طول البلاد وعرضها من ملاحمٍ للبطولة, هي التي أثقلت كاهل المستبدين فهووا الى القاع ورحلوا الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم, وسموتم الأعلون في ضمير الشعب وذاكرة الوطن , وتُوجت والدتكم المرحومة " ام جلاء " سيدة للصبر، أيقونة لشجاعة المرأة العراقية. فهي من تستحق أن يقام لها ولبناتها نصب أمام مدخل وزارة المرأة, ليظل شاهداً على ما أحدث البعثيون من وجعٍ في نفوس العراقيين وضمائرهم, ولشحذ اليقظة من عودتهم بأي لون فهم أكثر المتآمرين مقدرةً على العودة من الشبابيك الخلفية, واقتناصاً للفرص بسبب بؤس عقيدتهم وتدني ثقافتهم .
المجد والخلود لكم شهداء للحزب والوطن
والخزي والعار للبعثيين القتلة