المنبرالحر

إنهاض القيم! / مزهر بن مدلول

السياسة في منطقتنا يُخطط لها في (الصالونات المغلقة)!، ففيها تُرسم الاهداف وتُكتب الشعارات وتُحاك المؤامرات، وعندما تكتمل وتصبح جاهزة للتطبيق، تخرج على شكل عبوات ناسفة ومفخخات وكواتم، تحصد ارواح الذين (لا ناقة لهم ولا جمل) وتشعل الحرائق في الاشجار والاحلام.
هؤلاء المخططون، تفوقوا في موهبتهم على اصحاب المواهب الكبيرة في فن الاستحواذ على عقل الانسان، فأستطاعوا ان يعبئوا الناس ويوهموا البشر، بأنّ امجادنا تكمن فقط في الصفحات العنيفة من التاريخ، وأنّ اخلاقنا ونواميسنا وشجاعتنا مستمدة فقط من رمح صلاح الدين وسيف عنترة بن شداد، وأنّ قصائدنا إنْ لم تكن مضرجة بالدماء لا روح فيها ولا جمال.
وعندما هبّت الشعوب بعد عقود من الضيم والتيه والموت، وبعد ان فاض حرمانها عن الحدود وطفح بقهرها المتن، مطالبة برحيل الديكتاتوريين وانظمتهم البائسة، ظهر لنا اولئك الموهوبون الذين مازالوا يفكرون بطريقة (سقيفة بني ساعدة)، خرجوا من الخيمة بوجه آخر أو بالحقيقة بقناع آخر، وهذا القناع لايخفي الوجه بقدر ما يكشف القبح والذمامة، فقالوا لنا: انّ الحياة زائلة ولاقيمة لها، وانّ الدين في خطر، وعلى هذا الاساس جزأوا الاوطان وقسّموا المواطنين، بينما راحوا يسرقون وينهبون ويضعون في جيوبهم ارزاق اجيال كاملة، ثم اكتفوا بتوزيع المناديل علينا لكي نمسح دموعنا!.
هكذا كانت القضية منذ البداية، كنّا على شفا حفرة ولم نتقدم خطوة الى الامام، ورغم اختلاف الظروف في الزمان والمكان لكنها مازالت الى الان، هي ان يتحول الانسان الى (بهيمة) ليس امامها الاّ ان تمدّ رقبتها عندما يحين وقت نحرها، بينما الجبناء والسفلة يرتقون بلا حياء على الجماجم والعظام.
لكنّ السؤال.. وآهٍ من السؤال!، الى متى يبقى هؤلاء يقررون لنا طريقة حياتنا ويحددون لنا المصير؟؟، الى متى نرى الوطن يتهدم امام اعيننا ونسكت!؟.
وفي هذا الصدد، وازاء مايفعله (اصحاب الانياب الزرق)، لابد من حشد كلّ الطاقات المتاحة من اجل اعادة الروح للقيم النبيلة وللفكر الانساني المتنور باشكاله والوانه المختلفة (بما في ذلك الديني منه) واخراجه من عوالمه الرمزية ونفخ الحيوية والدينامية فيه لكي يلامس الواقع ويخترق احاسيس ووجدان عامة الناس.
ومع ان المهمة صعبة للغاية في مجتمع ينتشر فيه الموت والظلم والاستغلال، وتتغلغل فيه الامية والفقر والجهل، وتندحر فيه قيم المحبة، لكن لامناص من المواجهة في تبيان: انّ زحف الزمن لايتوقف، وانّ عقارب الساعة لاتعود الى الوراء، وانّ الانسان بحاجة الى الامل والفرح والاقبال على الحياة لا الى الموت، وانّ امجاد الشعوب تأتي من قدرتها على التعايش لا على التناحر، وعلى البناء والتعمير لا على الهدم، وعلى النظر من خلال العلوم والجمال والفنون لا من خلال الظلام. هذه هي قيمنا الانسانية التي يجدر النهوض بها.