المنبرالحر

الكل خاضع للتقويم! / محمد عبد الرحمن

السياسيون يجتهدون وبالتالي يمكن لهم أن يصيبوا ويخطئوا. فالخطأ وارد هنا ويمكن أن يصاحب كل من يدخل معترك السياسة الشائك والمعقد، فالسياسة عموما لا تسير على خط وصراط مستقيم؛ ففيها التعرجات والانحناءات، فيها الصعود والنزول، وهي مليئة بالاتفاقات والمساومات، والظاهر والباطن .
هذه هي السياسة عموما، وهناك الاستثناءات طبعا. فمن يدخل باب السياسة طوعا، عليه بأريحية كافية أن يدخل في عداد من يمكن تقويمهم بالإيجاب والسلب، فليس هناك سياسي معصوم. ربما هكذا سياسي لم يولد بعد، وقد لا يولد.
فالسياسة تحتمل كل هذا، فمن باب أولى يفترض ممن يرغب ويصر على (وهذا طبعا بخلاف المنطق) أن يبقى بعيدا عن مطبات السياسة، واشكالياتها، ودهاليزها، ان يبتعد عنها ويتركها لغيره، القابل، وبروح رياضية تقبل النقد وان يستمع بإصغاء الى كلمة حق، وكلمة سواء يراد منها البناء والإصلاح.
هذا يشمل الكل وليس هناك من استثناء، ولا تقسيم للسياسيين، في هذا السياق، الى طبقات عليا وأخرى دنيا، ولا امتياز بسبب «الموقع الوظيفي او الديني ان مارس السياسة، او القومية، او الطائفة، او الدين، او المذهب، او الجنس، او الموقع الاجتماعي، او .. او .
وهذا الأمر ليس بالجديد، ولا هو مكرمة او هبة من احد، بل يدخل في صميم حرية التعبير والإفصاح السلمي عن الرأي، ايا كانت الأدوات المستخدمة في إظهار ذلك وتسويقه، ونشره بين الجمهور عامة او الفئة المستهدفة من ذلك . فقد يأتي ذلك شفاها أو كتابة، في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، في صيغة صورة فوتوغرافية او رسم كاريكاتري، شعرا ام نثرا او قصة أو فلما سينمائيا او مسرحية أو ..
وطبعا هناك وسائل أخرى للتعبير عن الرأي، ولكننا نتحدث عما هو سلمي وحضاري ومقبول، وما يشكل قاسما مشتركا في كل دول العالم المتمدن والمجتمعات التي تسودها قيم ومثل وأساليب ديمقراطية، حقا وحقيقة.
ومقابل هذا هناك أيضا، طرق حضارية، مدنية وسلمية وقانونية للدفاع عن النفس والرد على الآراء، بل استخدام كل ما يتوفر من حجج لتفنيد وتفكيك رأي المقابل على أن يتم كل هذا بعيدا عن التهديدات، او استخدام العنف بأي شكل كان، أو اللجوء الى قطع الأعناق والأرزاق، وهو ما لا يقبل ولا يغتفر تحت اية ذريعة كانت. فمن يمارس ذلك او يهدد بها، لا يحق له أصلا العمل السياسي في بلد يقول بأنه يسير على الطريق الديمقراطي، ودستوره في مادته الأولى، يؤكد ان نظام الحكم فيه «جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي».
فلا تستقيم الحياة الديمقراطية السليمة مع حالة الفلتان، و»الطربكة» والعنف ومصادرة القانون والعودة به الى مستوى «ورقة»، مهما ادعى وصرخ من يمارسها بغير ذلك، فهو نكوص وتراجع وتنميط للمجتمع وإرهاب فكري وسياسي مكشوف وعلني، وهو تخل عن كل الالتزامات المعلنة في أن لا ضريبة على رأي.
وتبقى مسؤولية الدولة والسلطة كبيرة في هذا الشأن، وعليها أن لا تكون مثل النعامة، فواجبها يحتم عليها حماية الجميع، الجميع من دون زوغان، وحتى المختلف والمعارض السلمي، وإلا فإنها تفقد احد أهم واجباتها، والبديل هو الفوضى العارمة ولا أقول البناءة.
وأنا اكتب هذه السطور، والقلب يعتصر ألماً على حالات الضياع في بلدي تذكرت الشهيد الخالد عبد الخالق محجوب وقوله «الرجل الشريف يحارب الفكرة بالفكرة».