المنبرالحر

الأحتيال على الدول الساذجة / زهير كاظم عبود

قررت هيئة المحلفين البريطانيين اعتبار المتهم (( جيم ماكورميك )) التاجر الذي ورد أجهزة كشف المتفجرات إلى العراق "مذنبا" بتهمة "الاحتيال والتزوير"، وأكدت أن ما حصل عليه العراق إنما هي "أجهزة مزيفة" كلفته أكثر من 91 مليون دولار بينما سعرها الحقيقي لا يتجاوز 137 الف دولار.
وذكرت صحيفة الغارديان في تقرير لها إن " هيئة المحلفين في محكمة أولد بيلي ( Old Bailey ) البريطانية وجدت رجل الاعمال البريطاني( جيم ماكورميك )مذنبا بتهمة الاحتيال والتزوير لقيامه بجني الملايين من الجنيهات الاسترالية من خلال بيعه لأجهزة كشف متفجرات غير فعالة الى العراق".
وأوضحت الصحيفة أن " ماكورميك باع القطعة الواحد من اجهزة كشف المتفجرات الى العراق بسعر بلغ 15 الف دولار في حين تبلغ كلفة انتاج الواحدة منها 23 دولار مشيرة الى أن " ماكورميك باع ستة ألاف قطعة للعراق".
وعمليات الاحتيال لاتقع على الأذكياء انما يستغل المحتال الساذج والغبي من البشر فيوقعه في خطته ، والاحتيال يمكن ان يحدث عن طريق الخداع والنصب أو التخطيط لإيقاع الساذج او الغبي في خطة المحتال ، وهو كما يعرفه القانون العراقي استخدام طرق احتيالية للاستيلاء على اموال الغير بطريقة الخداع حيث يقوم المجني عليه بتسليم امواله برضاه وبناء على ذلك، وتلك الطرق الاحتيالية تدور ضمن ايهام المخدوع بصحة ادعاء الجاني ، وعرض وقائع غير صحيحة على المجني عليه لإيهامه وخداعه بأنها صحيحة .
وجريمة الاحتيال تقع على الأموال المنقولة وغير المنقولة أو أي شيء له قيمة مادية ، وإنها تعتمد على ذكاء الجاني والطرق التي يسلكها في ارتكاب جريمته ولاتدخل القوة والقسوة والإجبار في ذلك ، ولهذا فان هذه الجريمة تقوم على الخداع وتغيير الحقائق ، وهي من الجرائم العمدية التي لايتدخل الخطأ في ارتكابها ، بالإضافة الى ضرورة وجود مجني عليه قابل للخداع .
وغالبا ما يتم ارتكاب هذه الجريمة بين الافراد في المدن ، وتطور فعل ارتكابها ليقع على الدول ، وغالبا ما تقع على الدول الساذجة او الفاسدة .
الدول الساذجة التي لاتملك حصافة وذكاء يمكنها من اكتشاف عملية الاحتيال بسبب عدم وجود دوائر مختصة تبحث في الشأن الذي شرع الجاني في تنفيذ مخطط الاحتيال ، وبسب عدم وجود كفاءات او عناصر مهنية كفوءة تقوم بتدقيق العمليات التي تعرض على الدولة لاكتشاف عناصر الاحتيال فيها ، والدول الفاسدة غالبا ما تشترك بشكل مباشر او غير مباشر في مثل هذه العمليات .
وكانت الحكومة العراقية متمثلة بأشخاص قاموا بشراء اجهزة كشف المتفجرات ، وهي مهمة تدخل ليس في باب الحرص على حياة الناس وأمنهم فقط ، بل تدخل في باب الموقف الوطني، وهذه الأجهزة التي دخلت العراق وكلفت الخزينة العراقية ملايين الدولارات لم تكن إلا خدعة يعرفها بشكل مؤكد كل الأشخاص الذين اشتركوا في تسويقها وجلبها والتعاقد مع منتجيها الى العراق ، وبذلك فقد تم ارتكاب جريمة خيانة العراق ، بالإضافة الى المساهمة في تسهيل مشروع الإرهاب والقتل والتدمير الجاري ، بالاتفاق مع شركات او شخصيات قامت بتسويق هذا الجهاز بطرق الاحتيال ، اعتمادا على سذاجة الحكومة العراقية .
أن مثل هذه الجرائم يطالها القانون ، ولا تعتبر من الجرائم السياسية مطلقا ، ولهذا فلا حصانة لمرتكبيها ، كما أن الشرطة الدولية (( الأنتربول )) تلاحق المشتركين في ارتكابها ممن تصدر اوامر القبض او التكليف بالحضور امامها .
وقضية أجهزة كشف المتفجرات التي اخضعت للتحقيق الابتدائي والقضائي لابد وان تكشف بشكل صريح وشفاف أسماء الأشخاص المشتركين في هذه الصفقة وملاحقتهم ، بعد ان ثبت قيامهم بمشاركة المتهم البريطاني المحتال جيم ماكورميك ، ويتحمل الأشخاص الذين قاموا بتمرير صفقة الأجهزة محل الاحتيال المسؤولية القانونية والجزائية والوطنية .
ومن الجدير بالذكر أن صحيفة ((التايمز)) البريطانية ذكرت أن اكثر من 1500 جهاز من اجهزة كشفت المتفجرات بيعت إلى قوات الامن العراقية من قبل شركة ((ايه.تي.أس.سي)) التي تدعي انها تكشف المتفجرات بنفس الطريقة التي يكشف قضيب التغطيس بها الماء وهي تستخدم في نقاط التفتيش في بغداد حيث فشلت في منع تفجيرات السيارات المفخخة التي قتلت مئات المدنيين من العراقيين .
وكان موقع المسلة الالكتروني قد نشر بتاريخ 10 تشرين الثاني 2012 بنشر فضيحة اجهزة الكشف عن المتفجرات في العراق بعنوان (حكاية العقد 2 / 2007 واكبر قضية فساد مالي وأداري في تاريخ وزارة الداخلية العراقية ) ذكر فيه :
(( قبل ست سنوات كان لون الدم يغطي الشوارع وأرصفتها وعنوانا لنهارات ومساءات العراق، كان يغطي ايامنا في عام 2006 .
وفي ذات يوم من ذلك العام الملتبس أمنيا قدم احمد يحيى عبد العزيز البدران عرضا الى وزارة الداخلية ألعراقية لم يفكر احد حينها ان هذا العرض سيتحول الى مهرجان من النصب والاحتيال وحلقة في الايغال بالدم.
وحيث كان الجميع يبحث عن امل لإيقاف ماكنة موت طائشة، كان عرض شركة (واحة البادية) بإعلان قدرتها على تزويد وزارة الداخلية بأجهزة لكشف المتفجرات يزحف مثل افعى متسللة في اروقة وزارة الداخلية في مسار سقط على جانبيه المئات من الضحايا.
"المسلة" تتبعت ذلك المسار، والحكاية تبدأ في ان شركة واحة البادية وصاحبها استندا في العرض الذي قدم الى الوزارة على اتفاقية ابرمها مع شركة (بروسك) اللبنانية المختصة في المجال الامني والتي يملكها ويديرها العميد اللبناني المتقاعد بيار حاجي، والتي جاء في ابرز مضامينها ان مديرها العميد بيار حاجي جوورجيو يود ان يعلم بان " شركة واحة البادية هي الوكيل الحصري الرئيسي لشركة بروسك قسم المعدات الامنية في العراق". ))
وإذ يقع العراق تحت وطأة عمليات الاحتيال والنصب المتكررة ، واذ تتكرر قضية بيع اشرطة تسجيلية الى قنوات عربية مناوئة للعملية السياسية في العراق من قبل شخوص لم يتحرك القانون ضدهم ، وإذ تستمر المأساة دون وضع حد او توقف لهذا الدم المهدور في مناطق العراق المتعددة ، فهو مدعو اليوم ان يساهم في ايقاف نزيف الدم العراقي قبل كل شيء ، ومن ثم العمل بصدق وإخلاص من اجل كشف الحقائق قبل كشف المتفجرات ، كما أن الادعاء العام وهو جزء فاعل ومهم من السلطة القضائية المستقلة في العراق مدعو لأن يأخذ دوره الأساسي في ملاحقة الجناة والدفاع عن مصالح العراقيين والمال العام ، ولوضع حد لتكرار هذه الافعال الأحتيالية والتعاقد مع شركات وهمية وشراء البضائع الفاسدة والكاسدة وصيرورة العراق محطة لترويج قضايا المحتالين والنصابين في العالم .