المنبرالحر

أعياد ربيعية / عدنان منشد

كما في كل عام، نهضت تباشير الربيع في العراق بشكل واضح وملموس. فالشتاء لدينا قصير كالعادة والشهور السبعة او الثمانية كلها صيف محتدم، اما الشهور المتبقية من السنة فهي تتوزع ما بين الربيع والخريف.. ربيع لا نشاهد منه الا ايام معدودات من فضائل الطبيعة وجنة الارض في الزهور والثمر.. وخريف غرائبي مكلوم بالريح وطوز الغبار وزخات المطر. والعكس ايضا متبادل ومتناقض بين هذين الفصلين المختلفين في حياة العراقيين.
ربما الاكراد وحدهم هم المفلحون حقا في اعياد الربيع تحت عنوان (نيروز) بفعل الجبال والسهول والوديان والشلالات والمصايف المتعددة، ولكن اهالي الوسط والجنوب في العراق كانوا يحتفلون بهذه الاعياد بشكل آخر متميز. في بغداد مثلا مثلا تنصب السرادقات على طول نهر دجلة واطراف قناة الجيش وصولا الى (سلمان باك) و(اللي ما يزور السلمان عمره خسارة)! وفي بعقوبة تمتد هذه الاعياد الى منطقة الصدور عند سفوح جبال حمرين، وفي الموصل تتألق المشاعل والدبكات العربية والاثورية والايزيدية في سهل نينوى الاثير. اما في الحلة والديوانية وكربلاء والكوفة والسماوة. فالاحتفالات تنهض من شواطئ نخيل الفرات حتى تتخيل ان نخل السماوة هو نخل السماوات.
غريبة وعجيبة احتفالات العراقيين في فصل الربيع. ففي العمارة وكالعادة ايضا، تقام احتفالية العيد الربيعي على امواه النهر العتيد، حيث مياه دجلة الخير وام البساتين، وفي البصرة فان الاهالي هناك يتوزعون بين ضفاف شط العرب ونهر العشار، اما البدو والقوم الرحل منهم، فانهم يقيمون العيد في صحراء (البرجسية) و(منطقة الاثل) قرب قضاء (الزبير) حيث لا يتوانى المطربون الخليجيون امثال شادي الخليج وعوض دوخي ومحمد جاسم زويد في الحضور فيها مع الغناء والتعتعة ضمن اجوائها الكرنفالية الصاخبة.
وحدها الناصرية تختلف عن بقية مدن العراق في طقس الربيع، فاهاليها مسكونون بحركة القطارات الليلية ذات الايقاع (الحدادي) القديم التي تحتمل وداع الاصدقاء والاحبة حينما يغادرون المدينة ويسعدهم ان يستقلوا هذه القطارات وصولا الى مدينة (اور) الاثرية في عمق الصحراء الغربية المترامية الاطراف وهي ما تسمى لديهم بـ(المكير)لانتاجها مادة (القير). حيث يعيشون هذا الطقس في الصحراء وقرب الزقورة السومرية القديمة استذكارا للنبي ابراهيم الخليل الذي انطلق من هذه الارض في رسالته السماوية الاولى في سواد العراق ومصر والشام والحجاز.
ومن يفوته هذا التذكير فاغنية ياس خضر وكمال السيد وزامل سعيد فتاح تذكره بذلك: (مشيت وياه للمكير اودعنه)