المنبرالحر

فن الكاريكاتير ينتعش في أروقة مجلس النواب / مرتضى عبد الحميد

لمجلس النواب في أي بلد من بلدان العالم، وظيفتان أساسيتان، الأولى تشريعية بأعتباره مجلساً يضم نواباً يمثلون الشعب، والثانية رقابية، بمعنى مراقبة أداء السلطة التنفيذية ودوائر الدولة الرسمية، والعمل على تعديل مسارها ان كان متعرجاً، أو بعيداً عن السكة الصحيحة، من خلال طرح المقترحات والحلول، وتقديم الدراسات الناضجة للمشاكل التي تواجهها الدولة.
ولكل مجلس نواب خطة عمل فصلية وسنوية، وعلى مدى الدورة الانتخابية، تتضمن عادة الأولويات في تشريع القوانين، وتهيئة بيئة قانونية سليمة لتنفيذها بالاستناد إلى الدستور والقوانين المقرة من المجلس ذاته.
وفي سلم الأولويات هذا يجري تحديد الأهم فالمهم، أي تحديد القوانين التي يحتاجها البلد أكثر من غيرها، وتلبي في ذات الوقت مطامح قطاعات واسعة من المجتمع. وهناك ثوابت وطنية وقناعات مشتركة حول الكثير من القضايا المطروحة للنقاش، ولذلك يتم الاتفاق على إقرارها وتشريعها بسهولة نسبية، ولا تستغرق وقتاً طويلاً، كما هو الحال في مجلس نوابنا العتيد، حيث يستغرق ابسط القوانين، زمناً طويلاً من المناقشات والمناورات والكولسة، عدا قانون واحد (والشهادة لله) اقرّ بسرعة البرق، هو قانون التقاعد للرئاسات الثلاث ولأعضاء مجلس النواب والدرجات الخاصة، لان السادة النواب يرون أن الجهود الجبارة التي يبذلونها تستحق هذه الرواتب الفلكية، وملحقاتها من الامتيازات التي لا أول لها ولا آخر، ويأتون ببعض الأمثلة لإثبات وجهة نظرهم، وهي أنهم شرعوا قوانين تهم جميع العراقيين، ولم يتركوا إلا القوانين التي لا قيمة لها، ولا تهم أحداً، كالموازنة، وقانون الأحزاب، وقانون النفط والغاز، وقانون الانتخابات الذي عُدّل بطريقة تضمن بقاءهم في مناصبهم، لغرض خدمة شعبهم ليس إلا! وغيرها من القوانين الصغيرة!
كما أنهم يقسمون بأغلظ الإيمان، بأن الرواتب الخرافية والامتيازات لا تكفيهم، وبسببها يعيشون عيشة الكفاف، فيضطرون إلى الاستعانة بالعقود والمقاولات وبالرشى لتعيين العاطلين عن العمل في وظائف ثابتة أو مؤقتة حسب المبالغ المدفوعة لهم. وبسبب الجلسات الطويلة في مجلس النواب أصيب العديد منهم بتضخم البواسير، أو بروز الأسنان نتيجة الابتسامات الدائمة، أو تشوه الوجه بسبب اللطم عليه اذا اقر أي قانون ضد مصلحة الشعب العراقي! ولذلك تراهم يهرعون إلى أرقى المستشفيات في الخارج، لعلاج ما سببه لهم الشعب من أوجاع وأمراض! وهنا تحققت فائدة أخرى ليست قليلة خاصة ما يتعلق بالبواسير، حيث دخلت سجل «غينس» للأرقام القياسية باعتبارها أغلى بواسير في التاريخ. وإذا تجاوزنا موضوع تزوير الشهادات، والدجل السياسي المقرف إلى حد اللعنة، سنجد أن نسبة كبيرة من هؤلاء النواب، لا ينطق ولو بكلمة واحدة طيلة الدورة الانتخابية الممتدة لأربع سنوات، وربما لدورتين متتاليتين، اقتداءً بأبي الهول، وتمسكاً بالمثل الشعبي (إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب) وكل ما يفعله النائب المحترم، هو الانشداد سمعاً وبصراً إلى كرسي رئيس قائمته، فأذا رفع هذا الرئيس يده تأييداً، رفعها معه، وإلا بقيت مغلولة إلى عنقه. انهم امعات بكل معنى الكلمة، وفاقد الشيء لايعطيه.
أما الوظيفة الرقابية، فتحولت إلى مناكدات شخصية، والى صراعات سياسية، مع تمترس لبعض دوائر السلطة التنفيذية، وإصرار عجيب على حماية الفاسدين والمفسدين.
أمام هذه اللوحة الكاريكاتيرية، بل السريالية، ينبثق السؤال الذي يؤرق كل الحريصين على حاضر العراق ومستقبله وهو: هل سيعاد انتخاب هؤلاء «المبدعين» في الانتخابات البرلمانية القادمة، لتستمر معاناة الشعب بكل جوانبها المظلمة، ونظل ننتقل من أزمة إلى أخرى، قد تطيح أحداها أو كلها بعراقنا الجميل هوية، وشعبا ووطنا؟ أم سينتفض الوعي الجمعي هذه المرة ويزيل صدأ السنين العجاف، ليلقي بهؤلاء عدا الطيبين والمخلصين منهم، في المكان الذي يستحقونه؟ وهل سيختار الناخبون بدلاً عنهم، من عشقوا الشعب والوطن، وأثبتوا أنهم عنوان النزاهة والكفاءة والوطنية؟
ثقتنا بشعبنا كبيرة، والأمل يحلق بأجنحة فضية.