المنبرالحر

تعثر مفاوضات جنيف 2 لا يعني فشل الحل السياسي(1-2) / فلاح علي

في البدأ لا بد من تبيان حقيقة ان مؤتمر جنيف 2 فرض على جميع الاطراف ،وذلك نتيجة لتوازنات وتوافقات دولية أفرزها الواقع الموضوعي الذي يمر فيه الوضع الدولي والاقليمي في هذه المرحلة . من هذا فأن مؤتمر جنيف شكل انعطافة هامة في المواقف الدولية والاقليمية والمحلية في تبني الخيار السلمي بدلاً من الخيار العسكري لحل الازمة السورية وتحت رعاية الامم المتحدة بلا شك ان روسيا وامريكا هما راعيتان للمؤتمر.ان مؤتمر جنيف على ضوء هذه التوازنات الدولية واحتضان الامم المتحدة له ، شكل آلية ومدخل للحل السياسي للازمة السورية من خلال المفاوضات ، وذلك بعد فشل الخيار العسكري لحل الازمة السورية من كلا الطرفين من طرف النظام الذي وافق على حضور مؤتمر جنيف وتخلى عن خيار الحسم العسكري لأنه غير ممكن ، ومن طرف المعارضة التي تخلت عن الخيار العسكري ومعها الولايات المتحدة الامريكية التي تراجعت عن التدخل العسكري لاسقاط النظام لعدم جدواه ولعدم توفر الامكانية له لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً .
مالذي يمكن ملاحظته على مؤتمر جنيف 2 وماأنتجه للشعب السوري :
1-ارى من وجهة نظري ان ما اكده مؤتمر جنيف 2انه لا تزال مصلحة الشعب السوري ومستقبل سورية الديمقراطية مرتبطان بالحل السلمي وبمواصلة مفاوضات جنيف . وان مؤتمر جنيف يشكل ارضية صالحة للحل السياسي للازمة السورية .وأكد مؤتمر جنيف الحاجة الى النفس الطويل والمرونه في المفاوضات ، وان الحل السلمي للازمة السياسية التي طال أمدها 3 سنوات لا يمكن حسمه او تحقيقه في جولتين او ثلاث جولات من المفاوضات ، والحاجة اكثر لبناء جسور الثقة والقيام بمبادرات من كلا الطرفيين المعارضة وبالذات النظام والقوى الدولية والاقليمية لتهيئة مستلزمات الحل السلمي العديدة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والانسانية والامنية ووقف العنف والارهاب وانهاء التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري...... الخ .
2- ما اكده مؤتمر جنيف 2 ان كلا الوفديين المعارضة والنظام لم يتخليا بعد عن رؤية وعقلية الحل العسكري والتهديد به رغم عدم جدواه للشعب السوري، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال التصريحات ، التي يستنتج منها ان خيار الحلول العسكرية كأنه هو الارجح في عقول المتفاوضيين وحتى بعض الراعيين للمؤتمر مثل الولايات المتحدة الامريكية.
3- ان كلا الوفدين إختزلا وثيقة جنيف واحد بأحد خياريين لكل منهما ، وفد النظام اصرعلى مناقشة (مكافحة الارهاب اولاً ) ووفد المعارضة تمسك بخيار ( مناقشة الهيئة الانتقالية او المرحلة الانتقالية ) . وظهر ان الطرفان بتمسكهم بهذا الطرح انهما قد اكدا للعالم اجمع على أ- انهم منذ بداية المفاوضات وكأنهم يعملون على عرقلة مؤتمر جنيف 2 وبالتالي فانهم بهذه العقلية وكأنهم يهيئون الى قتل الحل السلمي الذي ينتظره الشعب السوري في الداخل والمهجر في الخارج . وب- انهم بهذا الطرح قد ركنوا جانباًمصالح الشعب السوري المتمثله في حقوقه وحرياته الديمقراطية وحاجاته السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية ... الخ وج- اكد المتفاوضون على ان هنالك مصالح فئوية ذاتية وشخصية يُبحث عنها ويتطلب انتزاعها من هذا المؤتمر.وبهذه الرؤية وهذاالطرح من كلا الطرفيين ارى انه لا المعارضة كانت مؤهلة لتمثيل مصالح الشعب السورية ولا وفد النظام . اضافة الى وجود تدخلات خارجية أثرت سلباً على سير المفاوضات .
مالذي حصل بعد هذا الموقف المرتبك واللامسؤول من كلا الوفدين :
الذي حصل ان وفد النظام أدرك خطأه ولعب لعبه ذكية فيها براعة وحنكة سياسية ودبلوماسية ، ( ولا يعرف الشعب السوري هل هي من نتاج عقل الوفد ام بنصيحة من روسيا لكنها سجلت نجاحا للوفد ) . حيث وافق وفد الحكومة السورية على مناقشة وثيقة جنيف واحد بندا بندا ، وبهذا فأن وفد الحكومة قد سحب البساط من وفد المعارضة الذي تفاجئ بهذا الطرح وكأنه لم يتوقعه وكانت ضربة معلم من قبل وفد الحكومة عندما وافق على جدول العمل بهذه الصورة. لانه ما جاء في وثيقة جنيف واحد هو مصطلح (وقف العنف) بلا شك من كلا الطرفين ، وقف العنف يعتبر احد الادوات لبناء جسور الثقة و لفتح الطريق امام الحل السياسي ، والارهاب يدخل في هذا الاطار . وتشير وثيقة جنيف في هذا الجانب بما معناه ان هنالك مع وقف العنف مجموعة اجراءات مترابطة ومنها وقف التدخل الخارجي ، يرافقها اطلاق العملية السياسية من جانب النظام بتشكيل حكومة انتقالية تضم جميع اطراف المعارضة السياسية والاحزاب والفئات الاجتماعية للقيام بمجموعة من الخطوات والتحولات الديمقراطية .كأطلاق سراح السجناء والمخطوفيين ، والتعويضات ، واطلاق الحريات الديمقراطية ، واعادة صياغة الدستور ، وتحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية ... الخ .
4- ما يمكن ملاحظته على وفد الأتلاف من وجهة نظري ، هو انه في التصريحات الاعلامية ظهر انه يمثل مصالح الشعب السوري ، لكن في الممارسة وقف ضد مصالح الشعب السوري ، وارى ان السبب يعود الى : 1- انه لم يمثل كل المعارضة السياسية والمستقلين والفئات الاجتماعية والسياسية وبالذات المعارضة الديمقراطية في الداخل الرافضة للحل العسكري . 2- أثناء المفاوضات صرح بعض اعضاء الوفد انه سنحصل على اسلحة متطورة ، وهذا يترجم ان وفد المعارضة غير جاد في الحل السلمي وقد يعتبره تاكتيكا للكسب الاعلامي والسياسي . 3- لم يرفض وفد المعارضة التدخل الخارجي لا بل يعول عليه. 4- بعض اعضاء الوفد ومنهم الرئيس متورطون بأجندة اقليمية ودولية ويحصلون على الدعم منها، ان هكذا أجندة خارجية تعمل على وئد الحل السياسي السلمي وبلا شك انها تقف ضد مصالح الشعب السوري . 5- صحيح ان النظام في سورية مارس اقسى حالات العنف خلال الازمة السورية مثال من التعذيب ضد السجناء واستخدام البراميل المفخخة التي تنزل من الجو التي لا تميز بين المواطنين والمقاتلين، لكن وفد المعارضة لم يعترف بوجود ارهاب من طرف المعارضة وبالذات المتطرفة منها مثل النصرة وداعش ولواء الاسىىلام السعودي او الجبهة الاسلامية ... الخ . ولم يدين الارهاب فقط حمله على النظام ، وهذا الموقف من وجهة نظري وضع وفد المعارضة في أزمة أخلاقية وسياسية واعلامية وحتى مستقبلية ، لانه وضع نفسه بنفس خانة القوى المتطرفة الارهابية مثل داعش والنصرة ولم يميز بين هدفه لمستقبل سورية وبين هدف هذه القوى التي تريد دولة دينية متطرفة واعادة الظلام الى سورية وقتل الحياة والحقوق والحريات فيها .بهذا ارى ان وفد الأئتلاف انهزم في الجولة الاولى والثانية من جنيف 2 .
اسئلة الى وفد الأتلاف المعارض : هل سيستفاد وفد الأتلاف من هذه الاخطاء ومعالجتها في الجولة الاولى القادمة من جنيف 3 ؟. ويوسع تمثيله بحضور ممثلي المعارضة الديمقراطية واليسارية الحقيقية واليبراليون والمستقلون في الداخل الرافضة للحل العسكري والتي تناضل من اجل تحقيق مصالح الشعب السوري واحداث التغيير الديمقراطي الجذري لبناء سورية الجديدة الديمقراطية التعددية التداولية . وهل ان مصلحة الشعب السوري ومستقبل سورية مرتبط فقط بتشكيل الهيئة الانتقالية ؟ وهل ان تشكيل الهيئة الانتقالية هو يمثل كل الحل السياسي للازمة السورية ؟ وهل مؤتمر جنيف 2هدفه فقط اقامة هيئة انتقالية ؟
مالذي يمكن ملاحظته على الدور الامريكي خلال مفاوضات جنيف 2 :
الدورالامريكي ليس فقط كان معرقلا لانجاح المفاوضات ،وانما مارس الوفد الامريكي في مؤتمر جنيف والادارة الامريكية اثناء المفاوضات سلوكا سياسيا ودبلوماسيا غريبا غير مشجع على مواصلة المفاوضات . حيث اعلنت الادارة الامريكية مجموعة من الاجراءات والتصريحات التي اسهمت في تسخين الاجواء بين الوفدين المتفاوضين ، وبهذا التصرف او السلوك الغير مقبول سياسياً ودبلوماسياً ارادت امريكا من وجهة نظري ان تؤكد للعالم ان الحل السلمي للازمة السورية وصل الى طريق مسدود ،لكنه في الواقع ان الحل السياسي السلمي لم يصل الى طريق مسدود ، بقدر ما تأكد للرأي العام العالمي بهذه التصريحات والاجراءات الامريكية ان هنالك احباطا امريكيا بارزا، تجسد في سلوكها و دبلوماسيتها وسياستها الخارجية التي اصابها الوهن . وسأذكر بعض الامثلة عن السلوك السياسي الغريب من خلال الاجراءات والتصريحات التي اطلقتها الولايات المتحدة الامريكية خلال المفاوضات بين الوفدين وهي التالي :
1-اثناء المفاوضات صرح وزير الخارجية الامريكية جون كيري ان الرئيس الامريكي أوباما اخبره في البحث عن خيارات جديدة تجاه الازمة السورية . من منطلق ان المفاوضات فشلت في تشكيل هيئة الحكم الانتقالي .
2-خلال المفاوضات زار امريكا الرئيس الفرنسي اولاند ، وبعد انتهاء الزيارة في مؤتمر صحفي جمع الرئيسين ، صرح اوباما الى احتمال اعادة النظر بسياسته تجاه سورية ، وهذا التصريح يؤكد ان الخيار العسكري لا يزال مطروحا .
3-كما صرح وزير الخارجية الامريكية ان الرئيس أوباما قلق لتدهور الوضع الانساني في سورية ، واشار انهم سيقدمون الى مجلس الامن مشروع قرار انساني يسمح بفتح ممرات للجانب الانساني ، بلا شك رؤية امريكا ان القرار سيكون تحت الفصل السابع . وستؤيده بريطانيا وفرنسا في مجلس الامن . لهذا صرح لا فروف ان روسيا ستتخذ الفيتو في مجلس الامن ، لانه طالما يكون تحت الفصل السابع ، فانه سيكون مبررا لاستخدام التدخل العسكري الخارجي تحت غطاء الشرعية الدولية كما حصل في العراق وفي ليبيا . وبهذا ارى من وجهة نظري ان امريكا بدأت من جديد بسياسة ارهاب الشعب السوري . ومع هذا في ظل الرفض الروسي والصيني المحتمل للقرار ، من منطلق الخشية من تسييس الجانب الانساني وبالرغم من أهمية الجانب الانساني، تشير وكالات الانباء ان حصلت تعديلات على مشروع القرار لا تتضمن استخدام عقوبات او وضعه تحت الفصل السابع وتم تعديله على ضوء مشروع القرار الذي تقدمت به روسيا وتم دمجه بقرار واحد مع مكافحة الارهاب ، لأن روسيا والصين يريدان ان يكون القرار غير مسيس وحياديا ومتوازنا ، وسيصوت على القرار في مجلس الامن وننتظر الموقف الروسي والصيني بالنقض او القبول على ضوء محتوى القرار .
4- نقلت وكالات انباء انه اثناء المفاوضات اتخذ الكونكًرس الامريكي قرارسري بتزويد المعارضة بالسلاح .
5- كما نقلت وكالات الانباء اثناء المفاوضات ان امريكا دعت الى عقد مؤتمر استخباراتي لعدد من الدول منها 8 دول عربية لمناقشة امداد المعارضة بالسلاح ، كما تؤكد الاخبار ان الولايات المتحدة الامريكية وبدعم سعودي تضغط على الاردن لفتح جبهة درعا ، الواقعة في الجهة الجنوبية من دمشق ، لتشكيل ضغط على الجيش السوري واحراز تقدم و اختراقات فيها لقربها من دمشق بعد ان دربت مقاتلين في الاردن ومدتهم في السلاح ولفك الحصار عن القلمون وحمص وحلب .
تساؤلات :
اذا كانت امريكا العضو في مجلس الامن والدولة الراعية لمؤتمر جنيف مع روسيا ، اذن لماذا مارست سياسة تصعيدية انتقائية غير حيادية خلال مؤتمر جنيف 2 وبدأت تلوح باستخدام القوة العسكرية وتعد العدة لفتح جبهة درعا القريبة ب90 كم من دمشق وبدعم سعودي ؟. هل هو احباط امريكي سعودي ؟ام انها والسعودية قد فقدوا صوابهما بعد ان بدأت معركة القلمون المحاذية لحدود لبنان ؟ في حالة حسمها ستتغير موازين القوى بالكامل لصالح الجيش السوري وذلك ارتباطاً بالاهمية الاستراتيجية لبلدة يبرود التي تدور المعارك حولها الآن الواقعة في القلمون على حدود بلدة عرسال اللبنانية ، يبدوا ان معركة يبرود في القلمون لها ابعاد اقليمية وللسعودية دور في المنطقة ارتباطاً بنفوذها ودورها في لبنان، ففي حالة حسمها سينتهي النفوذ السعودي في المنطقة وبالذات منطقة عرسال وقد يكون لصالح حزب الله ،. ام ان التصعيد الامريكي والتهديد بالخيار العسكري والتهيئ لفتح جبهة درعا هو لخلق واقع جديد على الارض قبل عقد الجولة الاولى من مؤتمر جنيف 3 ؟ ام ان امريكا تهدف من هذا التصعيد العسكري هو لعقد صفقة مع روسيا تتضمن تسوية الازمة السورية مقابل تسوية في اوكرانيا مثلاً او في مكان آخر؟ وأعتقد هذا ما سترفضه روسيا لأنها تريد الحل السلمي بأن يكون سورياً بلا صفقات خارجية اضافة الى انها دولة راعية للمفاوضات وان روسيا لا تفرط بأمنها القومي اذا كان الامر متعلق بأوكرانيا او في اوربا. سننتظر ما ستبينه الاسابيع القادمة لأن تداعيات الاحداث سريعة جداً معركة القلمون بدأت وهنالك استعدادات لفتح جبهة درعا بدعم امريكي غربي سعودي . التساؤول هل يوافق الاردن على فتح حدودة لبدأ الهجوم على دمشق من جهة درعا ؟ وأخيراً تشير المعلومات انه تم توحيد 49 فصبل مسلح لزجهم في معركة درعا وان السلاح سوف يصل اليهم السؤال هنا كيف تستطيع امريكا والائتلاف المعارض في ظل هذا التوحيد للفصائل من منع وصول السلاح للقوى المتطرفة الارهابية ؟ (يتبع )