المنبرالحر

الشعب بين حقوقه و بين تقاعد الرئاسات/ د. مهند البراك

لم يعد ممكناً حجب حقائق الاحوال المتدهورة لغالبية ابناء الشعب العراقي، ولم تعد مجدية اجراءات اجهزة الرقابة الحكومية الرادعة بحق الصحفيين و الصحف و وسائل الإعلام، لم تعد مجدية في تغيير الحقائق، فاضافة الى التظاهرات الاحتجاجية و المطلبية اليومية التي تملأ الساحات العراقية من اقصاها الى اقصاها مطالبة بالحقوق في الخبز و الامان و الحرية، التي يكفلها الدستور و لوائح حقوق البشر في العالم اجمع . .
يتدهور الوضع الأمني سريعاً و بشكل مخيف رغم الإجراءات التي تعلن عنها الحكومة القائمة، التي صارت و كأنها في حكم العاجزة عن ايجاد حلول. و تتزايد تلك الحالة المأساوية تفاقماً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في نهاية نيسان القادم، التي صارت تصعّد الخلافات الشخصية و الصراع المميت على الزعامة و المال و السلاح، موظفة لذلك الروح الطائفية المقيتة التي تتصاعد بشكل جنوني منذ اعتماد نظام المحاصصة كأساس للحكم.
من جهة اخرى، تتصاعد اخبار العراق المأساوية اليومية في الصحف و وكالات الأنباء العالمية و بشكل اخص في كبريات وسائل الإعلام العالمية. و تشير الى القلق الكبير مما يجري في العراق، الذي صار يتكرر و ينتشر و بشكل قد يكون اكثر ترويعاً في بلدان المنطقة و خاصة في سوريا، حيث تتصاعد الصراعات الطائفية الدموية و في مقدمتها صراعات القاعدة و داعش الارهابيتان . . التي تتوسع باضطراد و تهدد بالانتشار الى اوروبا من خلال مئات الشباب الاوربيين المتطوّعين فيها و المغرر بهم من بيوتات لم تعد مجهولة، وفق الصحف و وكالات الانباء.
و تتصاعد اخبار العراق المؤلمة و خاصة اخبار صراع الجماهير الشعبية مع مؤسسات حكومة السيد المالكي المنتهية ولايته، الذي يحاول التشبّث بكرسي رئاسة مجلس الوزراء لدورة ثالثة غير مبالٍ بالطرق المتبعة و بالحجج التي يسوقها و ما تسببه من ضحايا . . من الموقف من مظاهرات و اعتصامات غربي البلاد، الموقف المالي ـ السياسي المتشدد من حكومة اقليم كردستان العراق الذي ادىّ الى عدم صرف رواتب منتسبي الدولة هناك.
الى الموقف الأخير من اتهامه ذي الجانب الواحد و بدون ادلة ملموسة للمملكة السعودية بـ (اعلانها الحرب على العراق)، غير مقدّراً عواقب ذلك كرئيس لمجلس الوزراء القائم الآن في ظروف المنطقة الملتهبة التي لاتتحمّل تصعيدات من هذا النوع اكثر، غافلاً عن ذكر مواقف و ادوار كل دول المنطقة و متغيّراتها و تفاعلاتها مع المكوّنات العرقية و القومية الجيوسياسية العراقية و تفاعلات كلّ منها في الأخرى و تطوراتها ـ منها عدم اشارته مثلاً للنظام السوري الذي يتعاطف معه الآن رغم انه كان السبّاق في تجنيد اولى جحافل الارهابيين و ارسالهم الى العراق اثر انهيار الدكتاتورية، و رغم ايوائه لفلول حزب البعث الصدامي الدموي الى الآن ـ .
و يتكشف صراع الجماهير الشعبية كصراع مباشر بينها و بين الرئاسات الثلاث في نقطة حسّاسة من جهة و لكنها تكشف حقيقة معادن رجال الحكم و ماهية فهمهم المشوّه لواجبات الحكومة القائمة تجاه شعبها، انها نقطة الصراع بين اقرار قانون التقاعد الجديد و تقاعد الرئاسات الثلاث، و الروتين الاداري و حججه الذي يثير سخط اوسع الجماهير الشعبية . . . حيث تتبع فيه الحكومة منطقاً تصفه اوساط واسعة بالرخيص، لوضعها الأمر في مخاطبتها للجماهير بالشكل التالي : مرروا لنا قانون تقاعد الرئاسات الثلاث (1) و كفوّا عن التظاهر ضده و استنكاره، نمرر لكم قانون التقاعد الجديد !! في فضيحة جديدة للحكومة القائمة، نهاراً جهاراً .
ان مايجري و غيره ادىّ الى تزايد مطالبات وجوه سياسية و اجتماعية و برلمانية و حكومية بانهاء حكم رئيس مجلس الوزراء الحالي بالاسراع باجراء الإنتخابات التشريعية باشراف مباشر من هيئة الامم المتحدة، الجامعة العربية، منظمات حقوق الانسان الدولية، و المنظمات الدولية للمجتمع المدني، فيما يحاول القائد العام المالكي تجميد الطرق الدستورية القائمة و ليس انعاشها، بتخطيّه للبرلمان لإثبات عجز الحكم البرلماني الدستوري عن حلّ مشاكل البلاد، وبالتالي فلا داعٍ له و (اننا لاننطيها)(2) . . من جهة .
و من جهة اخرى و فيما تتصاعد لغة استنكار مايجري في البلاد من المنظمات العائدة للامم المتحدة، وصلت مطالبات كتل برلمانية في الاتحاد الاوربي لدولها و للاحتكارات العالمية، الى حد المطالبات بعدم بيع الاسلحة للعراق لمواجهة الارهاب في ظل حكومة السيد المالكي، لقصوره في مواجهة الارهاب، و لأنه قد يستخدمها ضد المكوّنات العراقية الاخرى لإسكات اعتراضاتها على سياساته، ومن اجل تثبيت كرسي حكمه، على حد وصفها.

11 / 3 / 2014 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. و هي مقادير خيالية، ليس لها قواعد و لا اساس دستوري و لا منطقي .
2. التعبير الشعبي الذي اشتهر به المالكي، بأنه لايسلّم الحكم لغير حزبه، في ظروف سقوط الدكتاتورية و انتصار الدستور لإرادة الشعب العراقي باطيافه في التبادل السلمي للسلطة .