المنبرالحر

من المستفيد من تعطيل الموازنة؟ / محمد شريف أبو ميسم

يعتقد البعض من المراقبين ان تعطيل الموازنة في كل عام أمر سياسي بامتياز، فيما يظن البعض الآخر انه أمر مرتبط بماهية الاقتصاد الريعي في تجربة ديموقراطية حديثة ( ما يعني ان في الأمر جانباً سياسياً وآخر اقتصادياً) ويذهب فريق آخر الى ان محاولات تحقيق المنافع على حساب الشريك في اقتصاد أحادي الجانب يؤسس لصراع على الموارد ما يضفي على الأمر صبغة اقتصادية .. ولكن ازاء كل هذه القراءات ،من هو المستفيد من تعطيل الموازنة في بلدنا؟
ففي كل عام يتكرر السيناريو ولا يبدو ان ثمة سياسيا أوحزبا منتصر على الآخر بحسب ما يذهب اليه الرأي الأول لأن أطراف الصراع في كل مرة تذهب الى التوافق على حساب الحلول الجذرية التي ترحل للعام التالي والتي بدورها تلد اشكاليات جديدة عند اطلالة السنة المالية التي تليها شبيهة بأختها التي سبقتها في العام المنصرم.. ولايبدو أيضا أن ثمة تبدلاً في السلوك الحكومي ازاء شرعية التحكم بالموارد الطبيعية وتبعية الرعية للسلطة كما يعتقد أنصار الرأي الثاني اذ ان الاقتصاد الريعي (هو اعتماد الدولة على مصدر واحد للريع وهذا المصدر غالباً ما يكون مصدراً طبيعياً ليس بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة سواء كانت فكرية أو مادية ،بحيث تستحوذ السلطة الحاكمة على هذا المصدر وتحتكر مشروعية امتلاكه وتوزيعه وبيعه) وقد عرف المجتمع الريعي بضعف علاقات الانتاج وقوة علاقات القرابة والعصبية وتسود فيه ثقافة التملك بين سلطة ورعية ما يجعله مجتمعا هشا سهل الانهيار ، فما بالك في اقتصاد ريعي بتشكيل مجتمعي متنوع تتوزع فيه السلطات بين الأقاليم والمحافظات في تجربة ديموقراطية لم تتبلور ملامحها الحقيقية .
فيما يذهب أصحاب الرأي الثالث الى الجانب الاقتصادي معتبرين ان الصراع على الموارد هو أصل التعطيل السنوي للموازنة العامة ما يبرر وقوع أسوء الاحتمالات التي قد تصل الى حد الصدام المسلح بين المتخاصمين فتكون الموازنة العامة وغيرها من القوانين أول قرابين هذا الصراع .
وبالنتيجة فان تعطيل اقرار قانون الموازنة سنويا لايبدو له من مستفيد ، سوى اعتماده كأداة للي الأذرع تارة ، أو كجرس انذار لخطورة (أن يكون الاقتصاد ريعيا في نظام تعددي) أو قربان تقدمه البلاد والعباد سنويا لسلاطين الحروب بهدف اشباع نزعة هذا الشاذ سياسيا أو ذاك المنحرف اقتصاديا بهدف الهيمنة على الموارد والاعتماد على اقتصاد الظل دون سجلات للحقوق .. فما ذنب المواطنين حين تتوقف مرتباتهم وهم يعيلون عوائل تريد أن تأكل وتشرب وتعيش حياة كريمة؟ كما حصل في أقليم كردستان .. وما ذنب البلاد حين تتوقف عجلة الاقتصاد ؟ ففي بغداد وحدها ( 300 مشروع متوقف بانتظار إقرار الموازنة الاتحادية للعام الحالي 2014).. وما ذا بشأن الاستثمار الذي نسعى لاستقطابه؟ فيما وصل الأمر الى أن يعلن اتحاد مقاولي كردستان عن عدم توفر السيولة النقدية في مصارف السليمانية مطالبا بايقاف اعمال المشاريع للشركات الراغبة بسبب تعطيل اقرار الموازنة .. فمن مصلحة من كل ذلك ؟