المنبرالحر

وسائل حل الاختلاف بين الحكومة الاتحادية والإقليم في الدستور/ زهير كاظم عبود

ابتدأ الدستور العراقي بديباجة وأن كانت لا تلبي طموح العراقيين ولا تعبر عن عمق مشاعرهم، إلا ان الفقرة الأخيرة من تلك الديباجة خالفت ذلك وعبرت حقا عن حقيقة يتفق عليها أكثر أهل العراق ، حيث نصت على مايلي ((نحنُ شعبُ العراق الذي آلى على نفسه بكلِ مكوناته وأطيافه ان يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه، وأن يتعظ لغده بأمسه، وأن يسُنَّ من منظومة القيم والمُثُل العليا لرسالات السماء ومن مستجدات علمِ وحضارةِ الانسانِ هذا الدستور ألدائم إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً . ))
وفق هذا المنظار فأن العلاقة حددت اختيار الاتحاد كصيغة طالما طالب بها العراقي وناضل من اجلها ، وأختارها بحريته وبإرادته كأساس من أسس الدستور ، ووفق تلك الأسس كان الزاما على المشرع أن يسن من خلال منظومة القيم والمثل العليا التي كان يؤمن بها وناضل من أجل ترسيخها كل العراقيين مهما اختلفت عقائدهم وقومياتهم وأديانهم لتتحول الى نصوص في متن الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور العراقي ، ولهذا فقد أقرت المادة الثالثة من الدستور حقيقة يعرفها ويتمسك بها كل مواطن عراقي ، وهي ان العراق بلد متعدد القوميات ، وأنه متعدد الأديان أيضا ، كما انه متعدد المذاهب ، هذا التعدد حقيقة مشروعة لاتصطدم بحقيقة التعايش السلمي والتفاهم والانسجام بين تلك القوميات والديانات والمذاهب في العراق .
وجاء في باب الحقوق والحريات نصوصا تشمل جميع العراقيين دون استثناء ، وهذه الحقوق تنسجم ايضا مع الديانات والشرائع الدولية ولوائح حقوق الإنسان ، ويتمسك بها العراقي تعبيرا عن حقه الدستوري والقانوني في رسم خطوط مسار حياته ومستقبله ، ومن بين أبرز تلك النصوص التمسك بمبدأ المساواة التي نصت عليها المادة ( 14 ) منه ، والتي أكدت على المساواة بين العراقيين أمام القانون ، وجميع الناس تفهم وتدرك وتعي مفهوم المساواة ، وهذه المساواة تتعارض وتتناقض مع أي شكل من أشكال التمييز بسبب القومية أو الدين أو المذهب أو اللون أو الجنس أو المعتقد أو الرأي أو وضع الإنسان الاجتماعي أو الاقتصادي .
كما نصت المادة ( 15 ) من الدستور ايضا على حق جميع المواطنين في العراق بالحياة والأمن والحرية، ولا يجوز حرمان أي مواطن من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة .
وتعبيرا عن تلك الأسس رسم الدستور نصا ضمن باب الأقاليم أعتبر بموجب المادة ( 117 ) منه إقراره في الفقرة اولا من المادة المذكورة وعند نفاذه بأن إقليم كوردستان العراق وجميع سلطاته القائمة إقليما اتحاديا ، ووفق هذا الإقرار يصبح للإقليم والسلطات التي رسمها الدستور كل الحقوق الدستورية التي يمارسها ويتمتع بها ، ولهذا فقد نص في باب اختصاصات السلطة الاتحادية من المادة ( 109 - 115 ) على تحديد الاختصاص الحصري للسلطة الاتحادية ، كما تحددت الاختصاصات المشتركة بين السلطة الاتحادية وبين سلطات الأقاليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم ، وترك الدستور ماعدا ذلك من اختصاصات الإقليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم .
كما نص الدستور على اختصاصات الأقاليم في المواد ( 116- 121 ) ، وضمن هذا الاختصاص ورد نص المادة ( 121 ) والذي جاء فيه :
أولا: لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية .
ثانيا : يحق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألةٍ لاتدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية .
ثالثاً: تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها .
رابعاً: تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية .
خامسا تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم وبوجه خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الاقليم .
كما نص الدستور في المادة ( 141 ) منه على استمرار العمل بالقوانين التي تم تشريعها من قبل حكومة الإقليم منذ عام 1992 بعد التخلص من سلطة الدكتاتورية .
ومن الطبيعي أن ينشأ اختلاف في فهم وتفسير بعض المسائل والنصوص الواردة في متن الدستور ، كما أن الاختلاف في تفسير بعض الاختصاصات والالتزامات والحقوق يمكن ان يظهر الى العلن والسطح بين الحكومة الاتحادية وبين حكومات الأقاليم أو المحافظات غير المرتبطة بإقليم فيتطور الى خلاف ، بالنظر لحداثة التجربة الفيدرالية أولا ، وبالنظر لعدم استيعاب بعض السياسيين للحياة الاتحادية وفكرة الإقليم ، وبالنظر لبقاء بعض ماعلق في الذاكرة من الشحن الشوفيني وسياسة العداء القومي التي استمرت زمنا ليس بالقصير ، غير ان هذا الاختلاف والخلاف لايمكن حله أو التوصل الى نتائج ملموسة ومنطقية وتحفظ للمواطن العراقي مهما كانت قوميته او ديانته او مذهبه حقوقه الدستورية والوطنية بالاتهامات والخطابات الإعلامية والتصريحات المنفعلة ، أن مثل هذه الأمور تعقد الاختلاف وتزيد صعوبة التوصل الى الحلول ، ويقينا أن مثل هذه الاختلافات لاتحل إلا بالحوار والتواصل والنقاش المباشر ، وفي حال عدم جدوى ذلك وصعوبة التوصل الى حلول منطقية وعادلة ومقبولة وفق تلك الطرق ، فيصار ووفق ما حدده الدستور باللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا ، وهي تختص بمقتضى نص المادة ( 93 ) من الدستور بما يأتي :
أولا : الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة .
ثانيا تفسير نصوص الدستور .
ثالثا : الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة ألاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة .
رابعا : الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية .
خامسا ً: الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقاليم أو المحافظات .
سادسا الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون .
سابعا ً: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب .
ثامنا ً:
أ- الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
ب- الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم .
أن مظاهر الاختلاف تأخذ طريقا حضاريا بعيد كل البعد عن أي مظهر ينم عن تخلف أو عدم تحسب للأضرار التي يحدثها على مستقبل العراق ، كما أن الحوار وهو الأسلوب الأمثل للتفاهم والتوصل الى النتائج المشتركة في بلد يتمسك الدستور بتعريفه ( دولة اتحادية ) ، مما يقضي بأن تكون العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم وفق هذا المنهج والإطار ، وأن يبتعد كل الأطراف عن اعتماد وسائل وطرق من شأنها ان تلحق الأذى بالناس وبالمستقبل، وأن تعي مستقبل التجربة الرائدة في المنطقة ، وأن ما صار اليه الحال نتيجة تضحيات جسيمة وأرواح كان حلمها أن يكون العراق بلدا اتحاديا يمثل الرقي في حوار اطرافه السياسية ، ويتم اعتماد الأساليب الحضارية في حل الإشكاليات ، وبغير ذلك نكون نتعدى على حق تلك الأرواح ونستهين بكل تلك التضحيات .