المنبرالحر

ثمانون عاما من اجل قضيتنا الوطنية / د . مهند البراك

تمرّ في 31 آذار الجاري الذكرى العطرة الثمانون لولادة الحزب الشيوعي العراقي مدرسة الوطنية و التضحية في سبيل الشعب و كادحيه
لم يكن تأسيس الحزب في 31 آذار 1934 حدثاً طارئاً او عرضياً في مسيرة حياة و نضال شعبنا العراقي من اجل قضيته الوطنية، وانما حدثاً وُلد من واقع البلاد (1) و اسفر عن ظهور ركناً وطنياً ثابتاً قائماً على اساس الفكر والديالكتيك العلمي الساعي لتحشيد اوسع الطاقات والفئات الشعبية من كل الوان الطيف العراقي وخاصة الكادحة منها، و لتركيز قوة فعلها على مطالب مرحلية من حقوقها . . شكّلت و تشكّل تلبيتها ـ اضافة الى تحقيق عيش افضل ـ ، الأنتقال الى مرحلة اعلى على طريق حل واقعي عادل للقضية الوطنية العراقية، على اساس الدولة المدنية الدمقراطية للشعب العراقي بمكوناته المتعددة، وتحقيق عدالة اجتماعية.
لقد سجّل الحزب في نشاطه العملي واستجاب للواقع العراقي في ارساء اساس رائد في صياغة معالم الهوية الوطنية على اساس التنوع والتفاعل والتناغم والألفة والحداثة، وصولاً الى العمل من اجل عراق برلماني فدرالي تعددي موحد، ضمّ ويضم في صفوفه وقياداته على طول مسيرته الشاقة، مناضلين من كلّ مكونات الطيف العراقي نساءً ورجالاً، سعياً الى ايجاد معالم طريق اجدى لحل ازمات ومعاناة الطبقات والفئات الكادحة والمسحوقة.
وقدّم من اجل تحقيق تلك الأهداف الوطنية، جحافل الشهداء على مرّ السنين والى اليوم، من كل انواع الطيف العراقي الأثني والقومي والديني والطوائفي، وفي مقدمتهم قائده ومؤسسه يوسف سلمان يوسف " فهد " الذي لعب الدور الرائد في بناء الحزب و نشاطه و نبضه، القائد الذي كان له اوسع رصيد شعبي وطني و سياسي و حزبي، و الذي رصدته الدوائر العليا في الغرب آنذاك (2)، حتى اعتقلته سلطات العهد الملكي و أُعدمته و رفيقيه القائدين زكي بسيم وحسين الشبيبي . . كما استشهد القائد البارز سلام عادل سكرتير عام الحزب و اعضاء قياديين بارزين منهم جمال الحيدري، الكردي القومية السّنيّ، ابو العيس، وهبي، العبلي، شريف و العشرات و المئات من قادته و كوادره و وجوهه على اختلاف اطياف مكوّناتهم، من شهداء انقلاب شباط الاسود.
وفيما اضاف الحزب الى علمانيته، بعدها الشعبي وماهية ومدى تبني مفرداتها من قبل اوسع الأوساط مسجلاً في ذلك سبقاً واضحاً في دعم ابرز المطالب الوطنية لأوسع الجماهير الشعبية ومطالب المجتمع المدني، كما في السعي لأجل الحريات الديمقراطية ومن اجل حكم برلماني فدرالي وطني موحد على اساس الهوية الوطنية، كضمان ثابت للقضية الكردية و لحقوق الأقليات القومية والدينية، واعتبارها اساساً لقضية الديمقراطية في العراق، اضافة الى نضاله الرائد من اجل حقوق المرأة، الشباب وديمقراطية التعليم، ومن اجل مكافحة البطالة والقضاء على الأمية.
فأنه و طيلة تأريخه احترم الأديان وصان المقدسات، وتعامل مع القضية الدينية و المذهبية من زاوية الرؤية التي دعا اليها روادها الأوائل واللاحقين ممن انتصروا للحق و لقضية الفقير والضعيف، بالفعل لابالقول و لا بالشعارات لوحدها مجسداً ربط الفكر العلمي والنظرية بحركة وتحشيد اوسع الجماهير ذات المصلحة بالتغيير لأنجاحه، و من اجل غد افضل لجميع العراقيين.
ورغم انواع المحن والمشاق التي اثخنته بالجراح والتي تتواصل الى اليوم، في سعي محموم لمحاولة تحجيمه او اخراجه من ساحة النضال الوطني، و محاولة القضاء عليه وعلى مدرسته الفكرية وتأثيره، يواصل الحزب نشاطاً ثابتاً من اجل اهدافه الوطنية، من اجل الخبز والحرية والأمان، و يسعى قادته و كوادره و مفكروه الى تطوير فكره على اساس الواقعية العملية و على اساس منهجه المادي الديالكتيكي الجدلي من اجل تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية و رفاهية الانسان مادياً و روحياً، على درب مجتمع ديمقراطي فدرالي دستوري موحد.
في ظروف تزداد مشقة وتعقيداً، بعد ان تكالبت على البلاد منذ مايقارب الأربعين عاماً، حكومات عسكرية و دكتاتورية دموية اوصلت البلاد الى طريق سدّ الباب امام ابسط تغيير سلمي، تلك الظروف التي اوصلت بلادنا الى الحروب والحصار والدمار وتشويه المجتمع و الإنسان، وبالتالي الى الأحتلال والأرهاب، ثم الى الفساد الأداري و السرقات و انواع فنون الدجل لتحقيق الارباح والمنافع.
وايضاً في ظروف و التصاعد الخطير غير المسبوق في تأريخ البلاد الحديث للفكر الطائفي، الذي اضافة الى مخاطره في شقّ وتمزيق المجتمع، فله مخاطر ترتبط بـ طابعه الداخلي المسلح العنيف المستهتر بكل القيم، وترابطه الأقليمي والدولي ولعبهما عليه وتشجيعهما ايّاه من اجل مصالح ستراتيجية ونفطية وعسكرية و اخرى، لا مصلحة وطنية فيها.
وفي ظروف دولية استمرّت و ادّت الى تزايد تباعد مجتمعاتنا العربية والشرق اوسطية وانظمتها، عن ركب الحضارة الانسانية و تسببت بانغلاقها على حالها . . و الى تزايد الميل نحو الجدب والجفاف في علاقات الغرب مع المنطقة وبالتالي تأثير ذلك على علاقات دول ومجتمعات المنطقة بعضها ببعض، الذي يهدد بتفاقم اخطر ـ ان لم يجر الأنتباه و وضع حلول له ـ تفاقم قد يصل الى طابع من الغطرسة والعنف والعسكرتاريا، بدل دور الأشعاع الحضاري السلمي والتلاقح الأنساني الذي ساد في عصور ومراحل سابقة . . الأمر الذي قد يفاقم من عزلة المنطقة بالمفهوم الواسع، ويصعّد الأرهاب والعنف ويزيد من عوامل رفض التحديث والأنفتاح والتمدن فيها، وزيادة الصراع على تحقيق ارباح همجية ومخاطر تزايد ذهنية النهب والسطو والأنانية.
كل تلك الظروف ادخلت القضية الوطنية العراقية ( كالقضايا الوطنية الداخلية للبلدان ذات الأهميات الستراتيجية ) في مرحلة اكثر تعقيداً مما مضى، و التي تتصف بتفاعل المكونات الوطنية الداخلية كل على حدة، مع اطراف ومكونات صراع القوى على المستويين الأقليمي والدولي الامر الذي جعل من القضية الوطنية العراقية، وعلى خلفية صراعات نصف القرن الأخير قضية اقليمية ودولية اخذت تفرض على المكونات الوطنية التعامل معها كل من جانبه، فيما ظهرت جلية واضحة ضرورة التوصل الى توافق وطني موحد يتعامل مع العوامل الأقليمية والدولية ككيان عراقي واحد من اجل قضية وطنية واحدة تنشد الأستقلال والنمو وتقف ضد اخطار الحروب والعنف، لأجل انصاف الأنسان العراقي وبمختلف الوان طيفه وحقه في الحياة والعيش الكريم، وكما نصّت عليه العهود والمواثيق الدولية المعمول بها.
وعلى تلك التعقيدات والمخاطر الجديدة، ينتظر كثيرون من الحزب، وممن ينتمون اليه او الى فكره والى التيار الماركسي واليساري بالمفهوم الأعم، تحقيق درجة اعلى من التلاحم والتضامن لتفعيل دور التيار الديمقراطي المدني اكثر، بعد نجاح تجمّع تلك الاطراف والنزول بقائمة مشتركة في الإنتخابات التشريعية القادمة، على طريق بذل الجهود لوضع حلول للقضية الوطنية العراقية. بالأتفاق و التوافق على الخطاب السياسي والتنسيق من موقع اليسار و الديمقراطية و الليبرالية و المدنية، من اجل عراق فدرالي برلماني تعددي موحد، على طريق رفض العنف و التبادل السلمي للسلطة على اساس الدستور، ومن اجل الأستقلال الوطني الناجز والتوصل الى جدولة المطالب، و الأستفادة واستخلاص تجربة السنوات العاصفة التي مضت، في مواجهة تهديدات متزايدة والتي اذا انطلقت فانها ستزداد عصفاً و تدميراً.
ان الظروف الداخلية والأقليمية والدولية الكثيرة التشابك والتعقيد، والمسار الطائفي الدموي الذي يستمر تناشد حزب القضية الوطنية، وتنادي كل من تعز عليه القضية الوطنية وقضية الديمقراطية من موقع اليسار و المدنية، الى تحسين وتعزيز مواقع الحزب الموجود في الساحة الوطنية، الذي اثبت نزاهة افتقرت لها كثير من القوى والتجمعات في البلاد، والتفاعل او السير معه جنباً الى جنب والسعي لأيقاف التشظيّ والتمزّق و من اجل لمّ الصف والعمل من اجل اشادة و تعزيز دور مرجعية مدنيّة اثبتت الاحداث الداخلية العنيفة ان البلاد بحاجة اليها والى وجودها ونشاطها في الساحة الوطنية، مرجعية تكون ذات بعد ونشاط شعبي اكثر تطوراً ان صحّ التعبير.
بعد سنين قاسية اتضحت ماهية المجتمع والساحة السياسية في البلاد اليوم ، وماهية المكونات الفعلية لقوى اليسار فيها ومواطن القوة والضعف في خطابها ومدى وجودها الفعلي وفاعليتها رغم انواع التصريحات، واوضحت الفروق بين المكونات الفكرية وحلقات الأجتهاد الفكري ـ ان كان جاداً ـ وماهية درجات تأثيرها . . وبين المقومات الفعلية لتكوين حركة سياسية قادرة على الفعل تقتنع بها وتتبناها الجماهير وتعمل لتحقيق اهدافها في ساحات البلاد وفي واقعها القائم الآن و انطلاقاً منه . . كما اثبتت وتثبت حركة الأحداث.
المجد للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه الثمانين!