المنبرالحر

سماوات «السماوة» تزهو بالعراق المدني / طه رشيد

المرة الاولى التي زرت فيها مدينة السماوة كانت في صيف 1976 لتقديم مسرحية « الدولاب « من انتاج المسرح الريفي في المؤسسة العامة للثقافة الفلاحية. وتقاسمتُ البطولة فيها مع سعدية الزيدي والمناضلة الراحلة زكية خليفة «عمة زكية». كتب المسرحية الفنان طه سالم وأخرجها الفنان صبحي الخزعلي. وكان معظم كادر المسرحية متهما بالانتماء، او التعاطف، مع الشيوعيين ومن هنا جاء فرح الجميع غامرا حين علموا ان المسرحية ستعرض في « نكرة السلمان «.
كان السفر الى « النكرة « صعبا جدا لعدم وجود طريق معبد سالك واضح المعالم، لقد كان طريقا صحراويا تغطيه الرمال المتحركة ولا يعرفه الا قلة من الادلاء، وكثرة من المهربين !
كنا نحن الممثلين ـ الموفدين نتهامس حول ما نعرفه عن «قطار الموت»، وعن موقف اهالي السماوة الطيبين وكيف استطاعوا ان ينقذوا راكبي ـ سجناء القطار من موت محقق! وقطار الموت واحد من جرائم البعث الاول 1963 التي لا يمكن ان تمحى من الذاكرة العراقية . .
بيوت متفرقة قليلة تحيط بسجن "نكرة السلمان" . استقبلنا الاهالي ، على قلة عددهم، بحفاوة بالغة، وكانت البهجة على محياهم وهم يعيشون احداث المسرحية ويستمعون للموسيقى والأغاني.
سألت احد اطفال القرية عن العمل الذي يرغب في القيام به مستقبلا فاجاب: اتمنى ان اصير شرطي سعودي!
امتداد الصحراء كان سببا في ازالة الحدود النفسية بين المناطق المتاخمة للبلدين .
كتبت حينها اول تغطية صحفية في حياتي ونشرتها في «طريق الشعب» العلنية قبل 38 سنة وكانت عن سجن « نكرة السلمان» !
قبل ايام توجه مئات من مناصري الدولة المدنية الديمقراطية، نساء ورجالا، الى مدينة السماوة. قدموا من بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وطافوا بالمدينة بقبعاتهم الحمر واعلام الحزب الشيوعي العراقي وشعارات التحالف المدني الديمقراطي . فاستقبل احفاد من انقذوا ضحايا قطار الموت، الوفد المدني الديمقراطي بطيبة وحفاوة اكبر.
انتقل الركب في اليوم التالي الى « نكرة السلمان» باعداد مضاعفة .. الطريق معبد ولا خوف من الضياع في الصحراء . البيوت في « النكرة « تضاعفت بشكل كبير، بنايات حديثة ارتفعت . الا ان السجن قد تهاوت سقوفه ولم تبق منه سوى الجدران وذكريات طبعت على تلك الجدران.
هل يمكن ان نحول السجن متحفا ومعلما مزدوجا، لكي يكون وسام شرف للمناضلين الذين حبسوا فيه ، وشارة عار للأنظمة الدكتاتورية؟
لقد ذهب الى المزبلة من فرّط بتراب العراق، وسيلحق به من ينوي التفريط بالعراق ارضا او شعبا.
ليس لنا نحن العراقيين إلا عراق حر ومستقل وموحد، خالٍ من سجون الفكر والعقيدة! عراق تعددي يحكمه من هو منتخب بطريقة ديمقراطية مشرفة .