المنبرالحر

أحلام.. و أضغاث أحلام / عبد المنعم الاعسم

مع انتهاء الانتخابات بدأت موجة التمنيات في ما ستكون عليه حكومة السنوات الاربع المقبلة، والجميع يريدها على مقاس احلامه، و مشيئاته ، وعلى وفق لوازم «السلطة» التي سيتمتع بها، ليس من موقع الاستحقاق البرلماني المقرر وفروض النتائج، بل من رغبات ترقى الى الاحلام لا الى معطيات الواقع ، والغريب ان بعض الاحلام وصلت الى نتائج التصويت والمقاعد، فقد نزلت الاحلام في هذه الساحة منزلة الاكاذيب، و لا اقول الشائعات.
بعض الأحلام اضغاثا ، لأنها تراهن مرة اخرى على المصادفات التي إن نجحت في السابق في فتح ابواب السلطان والامتيازات امام لاعبين كانت الفرص امامهم مغلقة، فانها لن تتكرر نفسها في ظروف مختلفة، هذا منافٍ لمنطق الاشياء، وإذا ما تكررت الصدف فان خطأ ما حدث في مكان خطأ، والخطأ يجر الى أخطاء، كما هو معروف في معادلات السياسة والصراع.
السياسي، يحتاج الى ان يحلم، لكنه سينتحر في اول خطوة إذا ما حوّل برنامجه وعلاقاته الى احلام، بل انه، في ظروف معينة، ينبغي ان يتحصن ضد منزلق الاحلام، طالما ان الظروف تلزمه بان يكون في حالة من اليقظة، والواقعية، والاعتراف بالهزيمة. المشكلة، الحالم تفزعه الهزيمة فيدفع عنها خسائر باهظة، فيما اليقظ يتحسب للنكسات ويقلل من اضرارها، وهكذا، ومرة اخرى، يبدو ان مرحلتنا لما بعد سقوط الدكتاتورية، فرّخت جيلا من السياسيين الملتصقين بالاحلام المستحيلة، باهظة التكاليف، وفيرة الكوابيس والكوارث، حيث دفعت الملايين ضريبة هذا العبث.
الاحلام، كتمنيات، و صبوات، و تشوقات الى الراحة والنصر، هي حالة شعورية انسانية مشروعة، ومن لا يحلم بهذا المعنى يكون قد اصيب في منظومة مكوناته الشعورية وعلاقاته بالحياة التي تتضمن استطلاعات الى الفضائل و الامجاد و الفوز، حتى في ظروف الضيق، و احلك ايام النحس، لكن الطب يميز بين نوعين من الحلم، واحد يمارسه الانسان في النوم وآخر في اليقظة. الاول يُحسب كتمنيات، او أضغاث أحلام. والثاني يقوم على التصورات و امعان النظر في الواقع وحركته و ارتقاءاته ، سعيا الى تغييره.
عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي يرصد في كتابه «الأحلام» أنه كلما حل اليأس والحيرة والضيق بالجماعات كلما اتجهت إلى الأحلام و التهاويل وأساليب الوسوسة التي تتغلغل في نفوس المجتمع الذي لا يدري ماذا يصنع بأيامه أو بمستقبله، ولا تدعه الارادات والثقافات البالية ان يتخلص من الأوهام التي تحاصره، بانتظار ان تنقلب أضغاث الاحلام احلاما. احلام المنام الى احلام يقظة.
من المبكر القول، ان نتائج الانتخابات ستُخذل الحالمين بالقبض على السلطة في ملابس النوم، لكن بعض المؤشرات الاولية تحزنهم.. وتسرنا.

*******
« ماذا يعنيني من السفن التي كانت تعبر المحيطات وتشق عباب الموج وأنا لا أستطيع أن أعبر زقاقا موحلا ‏طوله متران .»
محمد الماغوط