المنبرالحر

سلطة.. ومعارضة / محمد عبد الرحمن

ضمن الدستور العراقي في المادة 38 حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. وهو حق يبيح للمواطن ان يقول ما يراه مناسبا في الشأن العام: موافقة او تقويما وتصحيحا او غير ذلك. وهذا يتضمن حق نقد ومعارضة مواقف السلطة التنفيذية واجراءاتها، وكذلك السلطتين التشريعية والقضائية.
فالمعارضة ممكنة، بل وتفرض نفسها حتى في حال اخذت سلطة ما تفويضا مؤقتا من الشعب، عبر الانتخاب، كي تتولى مسؤولية عامة وادارة شؤون البلد. وفي الانظمة ذات النهج الديمقراطي الراسخ والمسند بمؤسسات وقوانين وممارسة، عادة تذهب الاغلبية الفائزة (وقد تكون حزبا او تحالفا، او ائتلافا لتشكيل الاغلبية) في الانتخابات السليمة والنزيهة والبعيدة عن التزوير وشراء الذمم، الى الحكم، فيما الاقلية تكون المعارضة بل وقد تشكل حكومة للظل.والحقيقة الثابتة هنا ان كلا من الاغلبية والاقلية يدركان جيدا ان وضعهما هو حالة مؤقتة قد تتغير في دورة انتخابية قادمة، فتصبح الاغلبية اقلية والعكس صحيح تماما. ومن هنا يأتي حرص الطرفين على التمسك بقواعد اللعبة الديمقراطية وسلامة التنافس، فيما تعمل الاغلبية على ضمان حقوق الاقلية وسلامة عناصرها وتوفير الاجواء لهم ليقولوا كلمتهم بحرية واطمئنان، وبدون تردد او خوف ملفات تستل في اللحظات المناسبة بهدف التسقيط والتشهير.
والاقلية في تلك الدول محمية بقوة القانون ومؤسسات الدولة، خاصة الامنية والعسكرية، التي تقف، قولا وفعلا، على مسافة واحدة من الجميع. وتنأى الاغلبية الحاكمة بنفسها عن سوء استخدام تلك المؤسسات ادراكا منها انها ان فعلت ذلك سياتي اليوم الذي قد تستخدم فيه ضدها ايضا، وهي تدرك ان اي تصرف من هذا يخرج تلك المؤسسات عن حياديتها ومهنيتها وواجبها الدستوري.
وهنا تبرز ضرورة الادراك العميق لحقيقة ان السلطة لا تدوم لاحد في بلد يريد ان يسير على نهج الدول الديمقراطية، وهذا عادة ما يعبر عنه بالتداول السلمي للسلطة، وهو معلم هام من معالم الديمقراطية، واشرته بوضوح المادة السادسة من دستورنا. اما اذا كانت النية هي السير على طريق الانفراد والاستئثار والتهميش والاقصاء ، او التشبث بالسلطة بأية وسيلة، فهذا امر مختلف تماما، ولا علاقة له بالديمقراطية، بل يدخل في باب استخدام احدى آلياتها - الانتخابات - للوثوب الى السلطة واغتصابها ، وتكوين ما يمكن تسميته بدكتاتورية الاغلبية.
وواضح ان المعارضة، وهي بالمناسبة ليس بالضرورة ان تكون داخل قبة البرلمان، تحتاج الى تطمين والى صيانة حقوقها وحمايتها، وضمان حقها في ان تقول رأيها بدون خشية من عقوبات وملاحقات وتعذيب ومعتقلات والصاق تهم، او ابعاد من وظائف الدولة وتجريد من المسؤوليات فيها.
فما لم يتحقق هذا سيبقى اللهاث قويا وراء المنصب وما يوفره من حماية، وبالنتيجة تضعف امكانية بلورة معارضة قوية فاعلة. وستقابل ذلك سلطة حاكمة مترهلة، متمردة على المحاسبة وتشهر مخالبها بوجه معارضيها متى تشاء. وهذا ما حصل، بهذا الشكل او ذاك، عندنا في الاربع سنوات الماضية.
فهل يتكرر هذا السيناريو بعد انتخابات نيسان 2014 ؟ وهل تتوفر الارادة الصادقة لتهيئة الظروف لتشكل معارضة فاعلة ؟ واساسا هل هناك استعداد كاف لسماع الرأي الآخر المعارض؟